خلفية تاريخية
في القرن السابع عشر، كانت روسيا القيصرية تمر بفترة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية. بعد فترة الاضطرابات (Смутное время) في أوائل القرن السابع عشر، استعادت سلالة رومانوف السلطة. ومع ذلك، ظلت البلاد تعاني من مشاكل داخلية وخارجية. كان نظام ستريلتسي، وهو عبارة عن قوات عسكرية دائمة، يلعب دورًا هامًا في السياسة الروسية. ومع ذلك، بمرور الوقت، أصبح ستريلتسي غير راضين عن ظروف خدمتهم، ورواتبهم المتأخرة، وإساءة معاملة قادتهم.
في عام 1676، توفي القيصر أليكسي ميخائيلوفيتش، وخلفه ابنه فيودور الثالث. كان فيودور ضعيفًا ومريضًا، وحكم لفترة قصيرة نسبيًا. قبل وفاته في عام 1682، أثار مسألة الخلافة صراعًا على السلطة بين عائلتي النبلاء الرئيسيتين: عائلة ميلوسلافسكي وعائلة ناريشكين. كان فيودور قد تزوج من أغاثيا غروشيفسكايا، التي تنتمي إلى عائلة ميلوسلافسكي، ولكن لم يكن لديهما وريث ذكر. بعد وفاته، ظهر مرشحان للخلافة: إيفان، الأخ الأكبر لفيودور من زواجه الأول، وبيتر، الابن الأصغر من زواجه الثاني من ناتاليا ناريشكينا.
أسباب الانتفاضة
هناك عدة عوامل ساهمت في اندلاع انتفاضة موسكو عام 1682، بما في ذلك:
- الاستياء من ستريلتسي: كان ستريلتسي يعانون من ظروف معيشية سيئة، ورواتب متأخرة، وإساءة معاملة من قبل قادتهم. وقد أدى ذلك إلى شعور عام بالاستياء والغضب بين صفوفهم.
- الفساد الحكومي: كان الفساد متفشيًا في الحكومة الروسية، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
- الصراع على السلطة: كان الصراع على السلطة بين عائلتي ميلوسلافسكي وناريشكين أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى الانتفاضة. سعت كلتا العائلتين إلى السيطرة على العرش الروسي، واستخدمتا ستريلتسي كأداة لتحقيق أهدافهما.
- شائعات حول قتل القيصر إيفان: انتشرت شائعات كاذبة في موسكو تفيد بأن عائلة ناريشكين قتلت القيصر إيفان، الوريث الشرعي للعرش، من أجل تتويج بيتر مكانه. هذه الشائعات أثارت غضب ستريلتسي ودعتهم إلى التمرد.
أحداث الانتفاضة
في 15 مايو 1682، اندلعت الانتفاضة في موسكو. ثار ستريلتسي واقتحموا الكرملين، مطالبين بالانتقام لمقتل القيصر إيفان المزعوم. استغل ميلوسلافسكي هذه الفرصة لتأجيج المشاعر وتوجيه ستريلتسي ضد أعدائهم السياسيين. قام ستريلتسي بقتل العديد من المسؤولين الحكوميين البارزين، بمن فيهم أفراد من عائلة ناريشكين، مثل إيفان كيريلوفيتش ناريشكين وأفاناسي ناريشكين.
أثناء الانتفاضة، ظهرت صوفيا أليكسييفنا، أخت إيفان وبيتر، كشخصية بارزة. تمكنت صوفيا من كسب تأييد ستريلتسي من خلال وعود بالإصلاحات وتحسين ظروف خدمتهم. بفضل دعم ستريلتسي، تمكنت صوفيا من الإطاحة بحكومة ناريشكين وتعيين نفسها وصية على العرش نيابة عن إيفان وبيتر، اللذين حكما بشكل مشترك.
استمرت الانتفاضة لعدة أيام، وشهدت موسكو أعمال عنف وفوضى واسعة النطاق. قام ستريلتسي بنهب وتدمير الممتلكات، وفرضوا سيطرتهم على المدينة. ومع ذلك، بعد فترة وجيزة، بدأت صوفيا في اتخاذ خطوات لاستعادة النظام والسيطرة على ستريلتسي.
نتائج الانتفاضة
كان لانتفاضة موسكو عام 1682 نتائج بعيدة المدى على روسيا، بما في ذلك:
- صعود صوفيا أليكسييفنا إلى السلطة: أدت الانتفاضة إلى صعود صوفيا أليكسييفنا إلى السلطة كوصية على العرش. حكمت صوفيا روسيا لمدة سبع سنوات، وقامت بتنفيذ عدد من الإصلاحات.
- تأثير ستريلتسي على السياسة: أظهرت الانتفاضة التأثير الكبير الذي يمكن أن يمارسه ستريلتسي على السياسة الروسية. أصبح ستريلتسي قوة سياسية مهمة، ولعبوا دورًا في العديد من الأحداث اللاحقة.
- تأثير على بيتر الأكبر: كان بيتر الأكبر، الذي كان يبلغ من العمر عشر سنوات فقط في وقت الانتفاضة، شاهدًا على الأحداث. تركت الانتفاضة انطباعًا عميقًا على بيتر، وساهمت في تشكيل وجهات نظره حول الحكومة والجيش. لاحقًا، بعد أن وصل إلى السلطة، قام بيتر بحل نظام ستريلتسي واستبداله بجيش حديث.
- تدهور نظام ستريلتسي: على الرغم من أن ستريلتسي لعبوا دورًا حاسمًا في الانتفاضة، إلا أن الانتفاضة كشفت أيضًا عن نقاط ضعف في نظامهم. أصبح ستريلتسي غير منضبطين وغير موثوق بهم، مما أدى في النهاية إلى حل نظامهم من قبل بيتر الأكبر.
حكم صوفيا أليكسييفنا
خلال فترة حكمها كوصية على العرش، قامت صوفيا أليكسييفنا بتنفيذ عدد من الإصلاحات في مجالات مختلفة. سعت إلى تعزيز السلطة المركزية، وتحسين الاقتصاد، وتحديث الجيش. ومع ذلك، واجهت صوفيا أيضًا تحديات كبيرة، بما في ذلك المعارضة من النبلاء المحافظين والصراعات مع القوى الأجنبية.
في عام 1689، حاول بيتر الأكبر، الذي كان قد بلغ سن الرشد، الإطاحة بصوفيا من السلطة. اندلع صراع على السلطة بينهما، انتهى بهزيمة صوفيا ونفيها إلى دير. تولى بيتر السلطة الكاملة، وبدأ في تنفيذ إصلاحاته الجذرية التي حولت روسيا إلى قوة عظمى.
أهمية الانتفاضة
تعتبر انتفاضة موسكو عام 1682 حدثًا هامًا في التاريخ الروسي. لعبت الانتفاضة دورًا حاسمًا في تشكيل مسار السياسة الروسية، وصعود صوفيا أليكسييفنا إلى السلطة، وتأثيرها على بيتر الأكبر. كما كشفت الانتفاضة عن نقاط ضعف في نظام ستريلتسي، مما أدى في النهاية إلى حله.
بالإضافة إلى ذلك، ترمز الانتفاضة إلى فترة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية في روسيا في القرن السابع عشر. تعكس الانتفاضة الصراعات على السلطة بين العائلات النبيلة المتنافسة، والاستياء من الفساد الحكومي، وتأثير القوات العسكرية على السياسة.
خاتمة
كانت انتفاضة موسكو عام 1682 حدثًا محوريًا في التاريخ الروسي، حيث أدت إلى تغييرات كبيرة في السلطة، وكشفت عن نقاط الضعف في النظام السياسي والاجتماعي، وتركت بصمة دائمة على الحكام المستقبليين مثل بيتر الأكبر. لقد كانت نتيجة لعدة عوامل متداخلة، بما في ذلك الاستياء العام، والفساد، والصراعات على السلطة، مما أدى إلى فترة من الفوضى والعنف قبل أن تستقر الأمور وتتغير مسارات السلطة في روسيا.