المسح في اللغة والاصطلاح
لغةً: المسح هو تمرير اليد على الشيء، وإزالة الأثر أو اللطخ عنه. وقد يأتي بمعنى اللمس الخفيف.
اصطلاحًا: هو إمرار اليد المبللة على جزء مخصوص من البدن بنية التعبد، وذلك بدلًا من الغسل في الوضوء أو الغسل.
مشروعية المسح
المسح مشروع في الشريعة الإسلامية، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (المائدة: 6). هذه الآية تدل على وجوب المسح بالرأس في الوضوء.
كما وردت أحاديث نبوية كثيرة تدل على مشروعية المسح على الخفين والجبيرة وغير ذلك، تخفيفًا وتيسيرًا على المسلمين.
أنواع المسح
للمسح أنواع مختلفة، ولكل نوع أحكام وشروط خاصة به، ومن أبرز هذه الأنواع:
- المسح على الرأس: وهو فرض من فروض الوضوء، ويجب فيه تعميم الرأس بالمسح، أو مسح جزء منه على الأقل.
- المسح على الخفين: يجوز المسح على الخفين في الوضوء بدلًا من غسل الرجلين، وذلك بشروط معينة سيتم تفصيلها لاحقًا.
- المسح على الجبيرة: يجوز المسح على الجبيرة التي توضع على العضو المصاب، وذلك بدلًا من غسله، إذا كان الغسل يضر المصاب.
- المسح على العمامة: أجاز بعض العلماء المسح على العمامة في الوضوء، بشروط معينة.
المسح على الخفين
المسح على الخفين رخصة شرعية ثابتة بالسنة النبوية، وهي من التيسيرات التي جاء بها الإسلام. والخف هو ما يلبس على الرجل من جلد أو نحوه، ويغطي الكعبين.
شروط المسح على الخفين
للمسح على الخفين شروط يجب توافرها حتى يكون المسح صحيحًا ومجزئًا، ومن هذه الشروط:
- لبس الخفين على طهارة: يجب أن يكون الشخص قد لبس الخفين بعد أن توضأ وضوءًا كاملًا.
- أن يكون الخف ساترًا للكعبين: يجب أن يغطي الخف الكعبين بشكل كامل.
- أن يكون الخف طاهرًا: يجب أن يكون الخف مصنوعًا من مادة طاهرة، وغير متنجسة.
- أن يكون المسح في المدة المحددة: للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
مدة المسح على الخفين
مدة المسح على الخفين محددة شرعًا، وهي:
- للمقيم: يوم وليلة (24 ساعة).
- للمسافر: ثلاثة أيام بلياليهن (72 ساعة).
تبدأ مدة المسح من أول مسحة بعد الحدث (أي بعد انتقاض الوضوء). فإذا توضأ شخص لصلاة الفجر، ثم لبس خفيه، ثم انتقض وضوؤه بعد طلوع الشمس، ثم توضأ مرة أخرى لصلاة الظهر ومسح على خفيه، فإن مدة المسح تبدأ من وقت مسحه لصلاة الظهر.
كيفية المسح على الخفين
كيفية المسح على الخفين سهلة وميسرة، وهي كالتالي:
- يبدأ المسح من أطراف أصابع القدم إلى الساق، ولا يمسح أسفل القدم ولا العقب.
- يمسح ظاهر القدم فقط، ولا يمسح باطنها.
- يبلل اليدين بالماء ثم يمررهما على ظاهر القدمين مرة واحدة.
- لا يشترط تكرار المسح، بل يكفي المسح مرة واحدة.
مبطلات المسح على الخفين
هناك عدة أمور تبطل المسح على الخفين، منها:
- انقضاء المدة: إذا انتهت مدة المسح (يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر)، بطل المسح، ويجب خلع الخفين وغسل الرجلين عند الوضوء.
- نزع الخفين: إذا نزع الشخص خفيه بعد أن مسح عليهما، بطل المسح، ويجب غسل الرجلين عند الوضوء.
- حدوث ما يوجب الغسل: إذا أجنب الشخص أو حاضت المرأة أو نفست، بطل المسح، ويجب الغسل لرفع الحدث الأكبر.
- إذا أصاب الخف نجاسة: إذا أصابت الخف نجاسة ولم يمكن تطهيرها إلا بنزع الخف، وجب نزعه وغسل الرجل.
المسح على الجبيرة
الجبيرة هي ما يوضع على العضو المصاب من جبس أو قماش أو غير ذلك، لتثبيته وتضميده. يجوز المسح على الجبيرة في الوضوء أو الغسل، بدلًا من غسل العضو المصاب، إذا كان الغسل يضر المصاب أو يؤخر شفاءه.
شروط المسح على الجبيرة
للمسح على الجبيرة شروط يجب توافرها، وهي:
- أن توضع الجبيرة على طهارة: يستحب أن توضع الجبيرة على طهارة، ولكن لا يشترط ذلك عند جمهور العلماء.
- أن توضع الجبيرة على قدر الحاجة: يجب أن تغطي الجبيرة الجزء المصاب فقط، ولا تتجاوز إلى الجزء السليم.
- أن يخشى الضرر من الغسل: يجب أن يكون هناك خشية من الضرر إذا تم غسل العضو المصاب، سواء كان الضرر بتأخير الشفاء أو زيادة الألم.
كيفية المسح على الجبيرة
كيفية المسح على الجبيرة سهلة وميسرة، وهي كالتالي:
- يبلل اليد بالماء ثم يمررها على الجبيرة من الأعلى إلى الأسفل، مع مراعاة تعميم الجبيرة بالمسح.
- إذا كان المسح يضر المصاب، فإنه يكفي تمرير اليد المبللة على معظم الجبيرة.
- لا يشترط تكرار المسح، بل يكفي المسح مرة واحدة.
مدة المسح على الجبيرة
يجوز المسح على الجبيرة ما دام العذر قائمًا، ولا توجد مدة محددة للمسح عليها. فإذا زال العذر، وجب غسل العضو المصاب إذا كان ذلك ممكنًا.
المسح على العمامة
اختلف العلماء في جواز المسح على العمامة، فذهب بعضهم إلى جوازه بشروط معينة، وذهب آخرون إلى عدم جوازه. والقول بالجواز مقيد بشروط:
- أن تكون العمامة محنكة (أي تلف حول الرأس وتثبت).
- أن تكون العمامة قد وضعت على طهارة.
- أن يكون في نزع العمامة مشقة أو حرج.
والأحوط هو عدم المسح على العمامة، والاقتصار على مسح الرأس مباشرة، إلا إذا كان هناك مشقة كبيرة في نزع العمامة.
حكمة مشروعية المسح
تتجلى حكمة مشروعية المسح في التيسير على المسلمين ورفع الحرج عنهم، فالله تعالى يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر. والمسح رخصة شرعية تخفف عن المسلم في حالات المرض أو السفر أو غير ذلك من الظروف التي قد يصعب فيها الغسل.
خاتمة
المسح رخصة شرعية عظيمة، تدل على يسر الشريعة الإسلامية وسماحتها. وقد بينت الشريعة أنواع المسح المختلفة، وشروط كل نوع منها، وكيفية أدائه، وذلك ليكون المسلم على بينة من أمره، ويعبد الله تعالى على الوجه الصحيح.