نشأة مولي أورشانسكي وتعليمها
ولدت مولي أورشانسكي في مدينة نيويورك لأبوين مهاجرين يهوديين من روسيا. نشأت في بيئة متواضعة، مما ساهم في فهمها العميق للتحديات التي تواجه الأسر ذات الدخل المنخفض. تفوقت في دراستها وحصلت على درجة البكالوريوس في الرياضيات والإحصاء من كلية هانتر في عام 1935. واصلت تعليمها في جامعة كولومبيا، حيث درست الاقتصاد والإحصاء، مما أهلها لمسيرة مهنية متميزة في الخدمة العامة.
بداية مسيرتها المهنية
بدأت أورشانسكي مسيرتها المهنية في الحكومة الفيدرالية خلال فترة الكساد الكبير، حيث عملت في عدة وكالات، بما في ذلك إدارة الضمان الاجتماعي. اكتسبت خبرة واسعة في تحليل البيانات السكانية والاقتصادية، مما ساعدها على فهم ديناميكيات الفقر وعدم المساواة. لعبت دوراً هاماً في تطوير برامج الرعاية الاجتماعية وتحسينها.
تطوير خط الفقر
في أوائل الستينيات، وبينما كانت تعمل في إدارة الضمان الاجتماعي، كلفت أورشانسكي بتطوير مقياس موضوعي لتحديد الفقر. في ذلك الوقت، لم يكن لدى الحكومة الفيدرالية تعريف رسمي للفقر، مما جعل من الصعب تقييم مدى فعالية برامج المساعدة. استندت أورشانسكي في عملها على دراسات سابقة أجرتها وزارة الزراعة الأمريكية حول تكلفة توفير نظام غذائي كافٍ. قامت بتطوير منهجية مبتكرة تعتمد على مضاعفة تكلفة خطة الغذاء المقتصدة، على افتراض أن الأسر ذات الدخل المنخفض تنفق حوالي ثلث دخلها على الغذاء.
تم نشر نتائج أبحاث أورشانسكي في عامي 1963 و1965 في مجلة الأمن الاجتماعي. سرعان ما تم تبني خط الفقر الذي طورته من قبل الحكومة الفيدرالية كمعيار رسمي لتحديد الأهلية للحصول على برامج المساعدة المختلفة، مثل برنامج الغذاء والطوابع وبرنامج المساعدة النقدية للأسر التي لديها أطفال معالين (AFDC).
تأثير خط الفقر لأورشانسكي
كان لخط الفقر الذي طورته أورشانسكي تأثير عميق على السياسة الاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة. فقد وفر معياراً موضوعياً لقياس الفقر وتقييم فعالية البرامج الحكومية. ساعد على تركيز الموارد على الأسر والأفراد الأكثر احتياجاً. كما أنه أثار نقاشاً عاماً حول طبيعة الفقر وأسبابه وحلوله.
على الرغم من أن خط الفقر لأورشانسكي كان له فوائد عديدة، إلا أنه تعرض أيضاً لانتقادات. يرى البعض أنه بسيط للغاية ولا يعكس بشكل كامل تعقيدات الفقر. على سبيل المثال، لا يأخذ في الاعتبار الاختلافات في تكلفة المعيشة بين المناطق المختلفة، أو النفقات غير الغذائية مثل الإسكان والرعاية الصحية. ومع ذلك، لا يزال خط الفقر لأورشانسكي يستخدم على نطاق واسع حتى اليوم، ويعد أساساً للعديد من التحليلات والدراسات حول الفقر وعدم المساواة.
تعديلات وتحسينات لاحقة
على مر السنين، تم إجراء العديد من التعديلات والتحسينات على خط الفقر الأصلي الذي طورته أورشانسكي. في عام 1969، تم إنشاء لجنة مراجعة الفقر من قبل الكونغرس لتقييم خط الفقر وتقديم توصيات للتحسين. أوصت اللجنة بالاحتفاظ بخط الفقر كمعيار رسمي، ولكن اقترحت إجراء بعض التعديلات، مثل تحديث قيم الدولار سنوياً لتعكس التضخم.
في التسعينيات، تم تطوير مقياس بديل للفقر يسمى المقياس التكميلي للفقر (Supplemental Poverty Measure – SPM). يأخذ SPM في الاعتبار مجموعة واسعة من النفقات والموارد، بما في ذلك الإسكان والرعاية الصحية والمساعدة الحكومية غير النقدية. يعتبر SPM أكثر دقة من خط الفقر الأصلي، ولكنه أكثر تعقيداً ويتطلب المزيد من البيانات.
إرث مولي أورشانسكي
تعتبر مولي أورشانسكي شخصية رائدة في مجال قياس الفقر وتحليل السياسات الاجتماعية. ساهم عملها في تحسين فهمنا للفقر وعدم المساواة، وساعد على توجيه السياسات والبرامج الحكومية. لقد تركت إرثاً دائماً سيستمر في التأثير على الأجيال القادمة.
بالإضافة إلى عملها في تطوير خط الفقر، ساهمت أورشانسكي أيضاً في العديد من المجالات الأخرى، مثل تحليل البيانات السكانية والصحة العامة. نشرت العديد من المقالات والتقارير حول مواضيع مختلفة، بما في ذلك وفيات الرضع والتغذية والأمن الاجتماعي.
حصلت أورشانسكي على العديد من الجوائز والأوسمة تقديراً لإسهاماتها. تم تكريمها من قبل جمعية السكان الأمريكية والجمعية الإحصائية الأمريكية، وغيرها من المنظمات المهنية. كما تم الاعتراف بها من قبل الحكومة الفيدرالية لخدمتها المتميزة.
انتقادات لخط الفقر
على الرغم من استخدام خط الفقر على نطاق واسع، فقد واجه انتقادات مختلفة على مر السنين. تتضمن بعض الانتقادات الرئيسية ما يلي:
- البساطة المفرطة: يرى البعض أن خط الفقر بسيط للغاية ولا يعكس بشكل كامل تعقيدات الفقر. فهو يعتمد على معيار واحد فقط (الدخل) ولا يأخذ في الاعتبار عوامل أخرى مثل الصحة والتعليم والإسكان.
- تجاهل الاختلافات الإقليمية: لا يأخذ خط الفقر في الاعتبار الاختلافات في تكلفة المعيشة بين المناطق المختلفة. على سبيل المثال، قد يكون خط الفقر غير كافٍ في المدن الكبرى حيث تكون تكلفة الإسكان مرتفعة.
- عدم تحديثه: يعتمد خط الفقر على بيانات قديمة نسبياً. على سبيل المثال، لا يعكس التغيرات في أنماط الإنفاق الاستهلاكي أو توفر السلع والخدمات.
- تجاهل الموارد غير النقدية: لا يأخذ خط الفقر في الاعتبار الموارد غير النقدية التي قد تكون متاحة للأسر ذات الدخل المنخفض، مثل المساعدة الغذائية أو الإسكان المدعوم.
الدفاع عن خط الفقر
على الرغم من هذه الانتقادات، يدافع الكثيرون عن استخدام خط الفقر، مشيرين إلى أنه يوفر معياراً بسيطاً ومفيداً لقياس الفقر وتقييم فعالية البرامج الحكومية. كما يجادلون بأنه تم تحسينه وتحديثه على مر السنين لمعالجة بعض الانتقادات.
يجادل المدافعون عن خط الفقر بأنه:
- يوفر معياراً موضوعياً: يوفر خط الفقر معياراً موضوعياً لتحديد الفقر، مما يساعد على تركيز الموارد على الأسر والأفراد الأكثر احتياجاً.
- يسهل المقارنة: يسمح خط الفقر بإجراء مقارنات بين المجموعات السكانية المختلفة والمناطق الجغرافية المختلفة.
- يساعد على تتبع التقدم: يساعد خط الفقر على تتبع التقدم المحرز في الحد من الفقر بمرور الوقت.
- بسيط وسهل الفهم: خط الفقر بسيط وسهل الفهم، مما يجعله أداة مفيدة لصناع السياسات والباحثين وعامة الناس.
مستقبل قياس الفقر
لا يزال قياس الفقر موضوعاً للبحث والنقاش المستمر. هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها، مثل كيفية قياس الفقر بشكل أفضل في عالم متغير، وكيفية معالجة أسباب الفقر الجذرية. من المرجح أن يستمر الباحثون وصناع السياسات في تطوير وتحسين مقاييس الفقر في السنوات القادمة.
خاتمة
كانت مولي أورشانسكي شخصية بارزة في مجال الإحصاء والاقتصاد، وأثر عملها بشكل كبير على فهمنا للفقر في الولايات المتحدة. لقد ساهمت في تطوير خط الفقر، الذي أصبح معياراً رئيسياً لقياس الفقر وتقييم فعالية البرامج الحكومية. على الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى خط الفقر، إلا أنه لا يزال أداة قيمة لتحليل الفقر وتوجيه السياسات الاجتماعية. إن إرث أورشانسكي سيستمر في التأثير على الدراسات والأبحاث المتعلقة بالفقر لسنوات عديدة قادمة.