<![CDATA[
نشأة المفهوم وأهميته
في أعقاب فترة إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية الأمريكية، سعى الأفارقة الأمريكيون إلى تحقيق المساواة والاندماج الكامل في المجتمع الأمريكي. ومع ذلك، واجهوا تحديات هائلة، بما في ذلك التمييز العنصري المستمر، والفقر، ومحدودية فرص التعليم. في هذا السياق، برزت فكرة “العُشر الموهوب” كاستراتيجية للنهوض بالمجتمع الأمريكي الأفريقي بأكمله.
رأى دو بويز أن التعليم الكلاسيكي، الذي يركز على العلوم الإنسانية والفنون الليبرالية، هو المفتاح لتطوير قادة قادرين على مواجهة التحديات التي تواجه مجتمعاتهم. اعتقد أن هذا العُشر الموهوب، من خلال تعليمهم وقيادتهم، سيكون قادرًا على رفع مستوى بقية المجتمع الأمريكي الأفريقي، وتحقيق المساواة والعدالة.
كانت فكرة “العُشر الموهوب” بمثابة رد فعل على الفكر السائد في ذلك الوقت، والذي كان يمثله بوكر تي واشنطن، الذي دعا إلى التعليم المهني والتقني للأفارقة الأمريكيين، بهدف إعدادهم لوظائف يدوية وزراعية. بينما كان دو بويز يعترف بأهمية التعليم المهني، إلا أنه شدد على ضرورة وجود نخبة متعلمة قادرة على تولي أدوار قيادية في مجالات السياسة والقانون والتعليم والأعمال.
مبادئ العُشر الموهوب
تأسست فكرة العُشر الموهوب على عدة مبادئ أساسية:
- التعليم الكلاسيكي: التركيز على التعليم الليبرالي الذي يطور القدرات الفكرية والتحليلية، بدلاً من مجرد التدريب المهني.
- القيادة: إعداد قادة قادرين على تمثيل مصالح المجتمع الأمريكي الأفريقي، والدفاع عن حقوقه، والمساهمة في تقدمه.
- خدمة المجتمع: التزام أفراد العُشر الموهوب بخدمة مجتمعاتهم، من خلال العمل على تحسين الظروف المعيشية، وتوفير فرص التعليم، ومكافحة التمييز العنصري.
- التميز: السعي لتحقيق التميز في جميع المجالات، وإظهار قدرة الأفارقة الأمريكيين على التفوق في المجال الأكاديمي والمهني.
تأثير العُشر الموهوب
كان لمفهوم “العُشر الموهوب” تأثير كبير على تطور المجتمع الأمريكي الأفريقي في أوائل القرن العشرين. ساهم في ظهور جيل من القادة المتعلمين والمؤثرين، الذين لعبوا دورًا حاسمًا في النضال من أجل الحقوق المدنية والمساواة.
من بين الشخصيات البارزة التي اعتبرت تجسيدًا لمفهوم “العُشر الموهوب”:
- ويليام إدوارد بورغاردت دو بويز: عالم اجتماع ومؤرخ وناشط حقوقي، ومؤسس الرابطة الوطنية للنهوض بالملونين (NAACP).
- إيدا بي ويلز: صحفية وناشطة حقوقية، اشتهرت بنضالها ضد الإعدام خارج نطاق القانون (الإعدام دون محاكمة).
- جيمس ويلدون جونسون: كاتب وشاعر وناشط حقوقي، شغل منصب الأمين العام للرابطة الوطنية للنهوض بالملونين.
- ماري تشيرش تيريل: مدافعة عن حقوق المرأة والناشطة الحقوقية، كانت من أوائل النساء الأمريكيات من أصل أفريقي اللاتي حصلن على شهادة جامعية.
ساهم هؤلاء القادة، وغيرهم الكثير، في تأسيس منظمات حقوقية، وإنشاء مدارس وكليات للأفارقة الأمريكيين، والنضال من أجل إلغاء التمييز العنصري في مجالات التعليم والتوظيف والإسكان.
انتقادات لمفهوم العُشر الموهوب
على الرغم من تأثيره الإيجابي، تعرض مفهوم “العُشر الموهوب” لانتقادات من بعض الدوائر. رأى البعض أنه نخبة متعالية، وأنها لا تمثل بشكل كافٍ مصالح الطبقات العاملة والفقيرة من الأفارقة الأمريكيين. كما انتقد البعض تركيزه على التعليم الكلاسيكي، معتبرين أنه غير عملي ولا يلبي احتياجات المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، أثيرت تساؤلات حول تعريف “الموهبة” وكيفية تحديد أفراد العُشر الموهوب. هل يعتمد ذلك على التحصيل العلمي فقط، أم يشمل أيضًا الصفات القيادية والالتزام بخدمة المجتمع؟
في العقود اللاحقة، تطورت الأفكار حول القيادة والنهوض بالمجتمع الأمريكي الأفريقي، مع التركيز بشكل أكبر على المشاركة الشعبية والتمكين المجتمعي. ومع ذلك، لا يزال مفهوم “العُشر الموهوب” يمثل علامة فارقة في تاريخ الفكر الأمريكي الأفريقي، ويذكرنا بأهمية التعليم والقيادة في النضال من أجل العدالة والمساواة.
العُشر الموهوب في السياق المعاصر
على الرغم من أن مصطلح “العُشر الموهوب” قد لا يكون شائعًا اليوم كما كان في أوائل القرن العشرين، إلا أن المبادئ التي يقوم عليها لا تزال ذات صلة. الحاجة إلى قادة متعلمين وملتزمين بخدمة مجتمعاتهم لا تزال قائمة، خاصة في ظل التحديات المستمرة التي تواجه الأقليات والمجتمعات المهمشة.
في العصر الحديث، يمكن تفسير مفهوم “العُشر الموهوب” على أنه يشمل جميع الأفراد الذين يمتلكون المهارات والمعرفة والقيادة اللازمة لإحداث تغيير إيجابي في مجتمعاتهم، بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو الاجتماعية والاقتصادية.
إن الاستثمار في التعليم وتطوير القيادة، وتشجيع الأفراد على خدمة مجتمعاتهم، هي استراتيجيات أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة للجميع.
خاتمة
يمثل مفهوم “العُشر الموهوب” لحظة مهمة في تاريخ الفكر الأمريكي الأفريقي، حيث سعى إلى تحديد وتطوير قادة قادرين على قيادة مجتمعاتهم نحو التقدم والازدهار. على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه، إلا أنه ساهم في ظهور جيل من القادة المؤثرين الذين لعبوا دورًا حاسمًا في النضال من أجل الحقوق المدنية والمساواة. في العصر الحديث، يمكن تفسير هذا المفهوم على نطاق أوسع ليشمل جميع الأفراد الذين يمتلكون القدرة على إحداث تغيير إيجابي في مجتمعاتهم، مما يؤكد على أهمية التعليم والقيادة في تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة للجميع.