مقدمة
يشير مصطلح “القديس جيلبرت” إلى عدد من الشخصيات الدينية البارزة في التاريخ المسيحي، والذين تم تكريمهم لقداستهم وتقواهم. أشهر هؤلاء القديسين هما القديس جيلبرت أوف سمبرينغهام، مؤسس الرهبنة الجيلبرتية، والقديس جيلبرت أوف مورايا. يستعرض هذا المقال حياة وإسهامات هذين القديسين، مع التركيز على أهمية أعمالهم وتأثيرهم على الكنيسة والمجتمع.
القديس جيلبرت أوف سمبرينغهام (Saint Gilbert of Sempringham)
نشأته وحياته المبكرة: ولد القديس جيلبرت أوف سمبرينغهام حوالي عام 1083 في إنجلترا. كان والده نورمانيًا ثريًا، وكانت والدته إنجليزية. عانى جيلبرت من تشوه جسدي طفيف جعله غير مناسب للخدمة العسكرية، لذلك تم توجيهه نحو الدراسة والخدمة الكنسية. تلقى تعليمه في فرنسا، حيث درس اللاهوت والقانون الكنسي.
تأسيس الرهبنة الجيلبرتية: بعد عودته إلى إنجلترا، أصبح جيلبرت كاهنًا في سمبرينغهام. لاحظ وجود عدد كبير من النساء اللاتي يرغبن في تكريس حياتهن للدين، ولكنهن يفتقرن إلى المؤسسات المناسبة. لذلك، قرر تأسيس مجتمع ديني جديد يجمع بين الرجال والنساء. تأسست الرهبنة الجيلبرتية حوالي عام 1131، وكانت فريدة من نوعها لأنها جمعت بين الأديرة النسائية والأديرة الرجالية في مؤسسة واحدة، مع قوانين وإدارة مشتركة.
هيكل الرهبنة: كانت الرهبنة الجيلبرتية تتكون من أربعة فروع رئيسية: الراهبات، والرهبان، والعاملين، والمساعدين العلمانيين. كانت الراهبات يشكلن الجزء الأكبر من الرهبنة، وكانوا يعيشون حياة انعزالية مكرسة للصلاة والتأمل. أما الرهبان، فكانوا يقومون بالمهام الإدارية والروحية للرهبنة. كان العاملون يقومون بالأعمال اليدوية والزراعية، بينما كان المساعدون العلمانيون يقدمون الدعم المالي والمادي للرهبنة.
مبادئ الرهبنة: تأسست الرهبنة الجيلبرتية على مبادئ الزهد والتقشف والخدمة. كان الرهبان والراهبات يعيشون حياة بسيطة، ويتجنبون الكماليات والترف. كانوا يكرسون وقتهم للصلاة والعمل اليدوي والأعمال الخيرية. كانت الرهبنة تهتم بشكل خاص بالفقراء والمرضى والمحتاجين، وكانت تقدم لهم المساعدة والدعم.
تأثير الرهبنة: انتشرت الرهبنة الجيلبرتية بسرعة في جميع أنحاء إنجلترا، وأصبحت واحدة من أهم الرهبنات الدينية في البلاد. كان للرهبنة تأثير كبير على المجتمع الإنجليزي، حيث ساهمت في تعزيز التعليم والثقافة والأعمال الخيرية. لعبت الرهبنة أيضًا دورًا مهمًا في تطوير الزراعة والاقتصاد في المناطق التي تواجدت فيها.
وفاته وتكريمه: توفي القديس جيلبرت أوف سمبرينغهام في عام 1189 عن عمر يناهز 106 أعوام. تم إعلانه قديسًا في عام 1202. يُعتبر القديس جيلبرت شفيعًا للعميان والمشوهين والرهبنات الدينية. يُحتفل بعيده في 4 فبراير.
القديس جيلبرت أوف مورايا (Saint Gilbert of Moray)
نشأته وحياته المبكرة: ولد القديس جيلبرت أوف مورايا في اسكتلندا في القرن الثاني عشر. كان ينتمي إلى عائلة نبيلة، وتلقى تعليمه في دير كِلِس. أظهر منذ صغره ميلًا قويًا نحو الدين والتقوى.
أسقف كيثنس: تم تعيين جيلبرت أسقفًا لكيثنس في عام 1222. كانت أبرشية كيثنس تقع في منطقة نائية ونائية في شمال اسكتلندا. كانت المنطقة تعاني من الفقر والتخلف، وكانت تعاني أيضًا من الغارات والهجمات المتكررة من قبل الفايكنج.
إصلاحات جيلبرت: قام جيلبرت بإصلاحات واسعة النطاق في أبرشيته. قام بتحسين التعليم والتدريب الديني للكهنة، وقام ببناء الكنائس والأديرة والمدارس. كما عمل على تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين، وقام بتشجيع الزراعة والتجارة.
مواجهة التحديات: واجه جيلبرت العديد من التحديات خلال فترة ولايته كأسقف. كان عليه أن يتعامل مع الفقر والجوع والمرض، بالإضافة إلى الغارات والهجمات المتكررة من قبل الفايكنج. ومع ذلك، تمكن من التغلب على هذه التحديات بفضل إيمانه القوي وحكمته وحنكته.
بناء كاتدرائية دورنوخ: يُعتبر بناء كاتدرائية دورنوخ من أهم إنجازات القديس جيلبرت. تم بناء الكاتدرائية في عام 1224، وأصبحت مركزًا دينيًا وثقافيًا مهمًا في شمال اسكتلندا. لا تزال الكاتدرائية قائمة حتى اليوم، وتعتبر من المعالم التاريخية الهامة في اسكتلندا.
وفاته وتكريمه: توفي القديس جيلبرت أوف مورايا في عام 1245. تم تكريمه كقديس بعد وفاته بوقت قصير. يُعتبر القديس جيلبرت شفيعًا لأبرشية كيثنس، ويُحتفل بعيده في 1 أبريل.
أهمية القديسين جيلبرت
يمثل القديس جيلبرت أوف سمبرينغهام والقديس جيلبرت أوف مورايا مثالين بارزين للقادة الدينيين الذين كرسوا حياتهم لخدمة الله والمجتمع. أظهر كلاهما إيمانًا قويًا وشجاعة وحكمة في مواجهة التحديات. تركوا إرثًا دائمًا من الإنجازات التي لا تزال تلهم الناس حتى اليوم.
- القديس جيلبرت أوف سمبرينغهام: يشتهر بتأسيس الرهبنة الجيلبرتية، التي جمعت بين الرجال والنساء في مؤسسة دينية واحدة. كان للرهبنة تأثير كبير على المجتمع الإنجليزي، حيث ساهمت في تعزيز التعليم والثقافة والأعمال الخيرية.
- القديس جيلبرت أوف مورايا: يشتهر بإصلاحاته في أبرشية كيثنس وبناء كاتدرائية دورنوخ. عمل على تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين، وقام بتشجيع التعليم والزراعة والتجارة.
خاتمة
إن حياة القديسين جيلبرت (جيلبرت أوف سمبرينغهام وجيلبرت أوف مورايا) تعتبر مثالًا حيًا على التفاني والإخلاص في خدمة الكنيسة والمجتمع. لقد تركوا بصمة واضحة في التاريخ المسيحي من خلال تأسيس الرهبنات والإصلاحات الدينية والاجتماعية. تظل أعمالهم وإرثهم مصدر إلهام للأجيال القادمة، وتشجع على السعي نحو الخير والعدالة والمحبة.