التأسيس والخلفية
تأسس مركز الانسجام في عام 2003، كتحالف بين عدة أحزاب يسارية واشتراكية ديمقراطية. كان الهدف الرئيسي هو توحيد قوى المعارضة ضد الأحزاب اليمينية والقومية التي كانت تهيمن على المشهد السياسي اللاتفي في ذلك الوقت. لعبت قضية الأقليات العرقية، وخاصة الناطقين بالروسية، دورًا محوريًا في تشكيل هذا التحالف. بعد استقلال لاتفيا في عام 1991، واجهت الأقليات الروسية تحديات في الحصول على الجنسية الكاملة والحقوق المتساوية، مما أدى إلى شعور بالإقصاء والتهميش. سعى مركز الانسجام إلى معالجة هذه القضايا والدفاع عن حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن العرق أو اللغة.
الأحزاب المكونة
عند تأسيسه، ضم مركز الانسجام خمسة أحزاب رئيسية:
- حزب الانسجام الوطني (Tautas Saskaņas Partija): كان أكبر حزب في التحالف، ويتمتع بشعبية واسعة بين الناطقين بالروسية.
- حزب الحقوق المتساوية (Līdztiesība): دافع عن حقوق الأقليات العرقية واللغوية.
- الحزب الاشتراكي اللاتفي (Latvijas Sociālistiskā Partija): حزب يساري ذو تاريخ طويل في السياسة اللاتفية.
- حزب العمال المسيحيين (Kristīgi Demokrātiskā Savienība): حزب صغير ذو توجهات اجتماعية مسيحية.
- الحزب الاجتماعي الديمقراطي للمرأة (Sieviešu Sociāldemokrātiskā Savienība): ركز على قضايا المرأة والمساواة بين الجنسين.
الأيديولوجيا والسياسات
تبنى مركز الانسجام أيديولوجية اشتراكية ديمقراطية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية والمساواة والاندماج. دعا الحزب إلى:
- تحسين العلاقات مع روسيا: سعى مركز الانسجام إلى بناء علاقات أفضل مع روسيا، معتبرًا أن التعاون الاقتصادي والسياسي مع الجارة الشرقية أمر ضروري لازدهار لاتفيا.
- حماية حقوق الأقليات: دافع الحزب عن حقوق الأقليات العرقية واللغوية، وطالب بمنح الجنسية الكاملة لجميع المقيمين الدائمين في لاتفيا.
- تعزيز دولة الرفاهية: دعا مركز الانسجام إلى زيادة الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، بهدف بناء دولة رفاهية قوية تضمن حياة كريمة لجميع المواطنين.
- مكافحة الفساد: اعتبر الحزب أن الفساد يمثل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية والتنمية الاقتصادية، ودعا إلى اتخاذ تدابير صارمة لمكافحته.
المشاركة في الانتخابات
شارك مركز الانسجام في عدة انتخابات برلمانية ومحلية في لاتفيا، وحقق نجاحًا ملحوظًا. في انتخابات عام 2010، فاز الحزب بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان (31 مقعدًا)، لكنه لم يتمكن من تشكيل حكومة بسبب معارضة الأحزاب الأخرى. ومع ذلك، استمر مركز الانسجام في لعب دور مهم في السياسة اللاتفية كقوة معارضة رئيسية.
في انتخابات عام 2011، حافظ الحزب على موقعه كأكبر حزب في البرلمان، وفاز بـ 31 مقعدًا مرة أخرى. وفي عام 2014، فاز بـ 24 مقعدًا، واستمر في كونه قوة معارضة قوية. على الرغم من شعبيته، واجه مركز الانسجام صعوبات في تشكيل تحالفات حكومية بسبب مواقف الأحزاب الأخرى تجاه علاقاته مع روسيا وقضايا الأقليات.
التحديات والانتقادات
واجه مركز الانسجام العديد من التحديات والانتقادات طوال فترة وجوده. اتهم الحزب بالولاء لروسيا، والانحياز إلى مصالح الكرملين بدلاً من مصالح لاتفيا. كما اتهم بالترويج لأجندة روسية في لاتفيا، وتقويض الوحدة الوطنية. دافع الحزب عن نفسه ضد هذه الاتهامات، مؤكدًا أنه يمثل مصالح جميع المواطنين اللاتفيين، بغض النظر عن العرق أو اللغة.
بالإضافة إلى ذلك، واجه مركز الانسجام انتقادات بسبب عدم إدانته بشكل قاطع لضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014. أثار هذا الموقف تساؤلات حول التزام الحزب بسيادة لاتفيا وسلامة أراضيها.
الاندماج في حزب “الانسجام”
في عام 2010، اندمج مركز الانسجام في حزب واحد موحد تحت اسم “الانسجام” (Saskaņa). كان الهدف من هذا الاندماج هو تعزيز الوحدة الداخلية للحزب، وتبسيط هياكله التنظيمية، وتحسين قدرته على المنافسة في الانتخابات.
التحول السياسي ونتائج انتخابات 2022
في السنوات الأخيرة، شهد حزب “الانسجام” تحولاً سياسيًا ملحوظًا، حيث سعى إلى الابتعاد عن صورته التقليدية كحزب يمثل مصالح الناطقين بالروسية فقط. حاول الحزب جذب الناخبين اللاتفيين من خلال تبني سياسات أكثر اعتدالاً والتركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تهم جميع المواطنين. ومع ذلك، لم ينجح هذا التحول في تحقيق النجاح الانتخابي المنشود.
في انتخابات عام 2022، مني حزب “الانسجام” بهزيمة ساحقة، حيث حصل على أقل من 5% من الأصوات، وفقد جميع مقاعده في البرلمان. كانت هذه هي المرة الأولى منذ تأسيس الحزب التي لا يتمكن فيها من دخول البرلمان. يُعزى هذا الفشل إلى عدة عوامل، بما في ذلك:
- الحرب في أوكرانيا: أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تدهور حاد في العلاقات بين لاتفيا وروسيا، وزادت من الشكوك تجاه الأحزاب التي يُنظر إليها على أنها قريبة من روسيا.
- فقدان الدعم بين الناطقين بالروسية: بدأ بعض الناطقين بالروسية في لاتفيا في التحول إلى أحزاب أخرى، مثل “الاستقرار!” (Stabilitātei!), التي تبنت مواقف أكثر تشددًا بشأن قضايا اللغة والثقافة الروسية.
- عدم القدرة على جذب الناخبين اللاتفيين: لم يتمكن حزب “الانسجام” من إقناع الناخبين اللاتفيين بأنه يمثل مصالحهم، وفشل في تقديم بديل سياسي جذاب للأحزاب الأخرى.
نهاية حقبة
تمثل نتائج انتخابات عام 2022 نهاية حقبة في السياسة اللاتفية، حيث فقد حزب “الانسجام”، الذي كان مهيمنًا على المشهد السياسي لسنوات عديدة، وجوده في البرلمان. يبقى أن نرى ما إذا كان الحزب سيتمكن من التعافي من هذه الهزيمة، واستعادة مكانته كقوة سياسية مؤثرة في لاتفيا.
مستقبل المشهد السياسي في لاتفيا
مع خروج حزب “الانسجام” من البرلمان، من المتوقع أن يشهد المشهد السياسي في لاتفيا تغييرات كبيرة. قد تظهر أحزاب جديدة لملء الفراغ الذي تركه “الانسجام”، وقد تتغير التحالفات السياسية القائمة. من المرجح أن تستمر قضايا العلاقات مع روسيا والأقليات العرقية في لعب دور مهم في السياسة اللاتفية، وقد تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والانقسام في المجتمع.
خاتمة
كان مركز الانسجام (وحزب الانسجام لاحقًا) قوة سياسية مؤثرة في لاتفيا لسنوات عديدة، حيث لعب دورًا مهمًا في تمثيل مصالح الأقليات العرقية والدفاع عن العدالة الاجتماعية. ومع ذلك، واجه الحزب العديد من التحديات والانتقادات، وفشل في نهاية المطاف في التكيف مع التغيرات في المشهد السياسي اللاتفي. تمثل نتائج انتخابات عام 2022 نهاية حقبة في تاريخ الحزب، ومستقبل المشهد السياسي في لاتفيا لا يزال غير مؤكد.