<![CDATA[
مقدمة
التقارب والانكماش (Contraction and Convergence – C&C) هو إطار عمل عالمي مقترح لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بهدف مكافحة تغير المناخ. يعتمد هذا الإطار على مبدأين أساسيين: “الانكماش”، وهو تقليل إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا إلى مستوى آمن ومستدام، و”التقارب”، وهو توزيع حقوق انبعاثات الغازات الدفيئة على أساس عادل ومتساوٍ بين جميع سكان العالم، بغض النظر عن جنسياتهم أو أماكن إقامتهم.
نشأة وتطور مفهوم التقارب والانكماش
تم تطوير مفهوم التقارب والانكماش في أوائل التسعينيات من قبل المركز العالمي لدراسات الطاقة (Global Commons Institute – GCI)، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية مقرها في المملكة المتحدة. كان الهدف من هذا المفهوم هو تقديم حل عادل وفعال لأزمة تغير المناخ، مع الأخذ في الاعتبار مسؤولية الدول المتقدمة تاريخيًا عن الجزء الأكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة، وكذلك حق الدول النامية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
اكتسب مفهوم التقارب والانكماش زخمًا كبيرًا في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تم اعتماده من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية، والعلماء، والسياسيين، وحتى بعض الحكومات. وقد تم تقديمه كمقترح رسمي في مفاوضات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، ولكنه لم يحظَ بالإجماع الكافي ليتم تبنيه كإطار عمل ملزم قانونًا.
مبادئ التقارب والانكماش
يقوم مفهوم التقارب والانكماش على ثلاثة مبادئ أساسية:
- تحديد سقف عالمي للانبعاثات: يتم تحديد سقف عالمي لإجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، بما يتماشى مع هدف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المتمثل في منع التدخل البشري الخطير في النظام المناخي. يتم تحديد هذا السقف بناءً على أحدث الأدلة العلمية المتاحة، ويتم تعديله بشكل دوري ليعكس التقدم في فهمنا لتغير المناخ.
- تخصيص حصص انبعاثات متساوية للفرد: يتم تخصيص حصص انبعاثات الغازات الدفيئة لكل دولة على أساس عدد سكانها، بحيث يحصل كل فرد في العالم على حصة متساوية من إجمالي الانبعاثات المسموح بها. هذا يعني أن الدول التي لديها عدد سكان كبير ستحصل على حصة أكبر من الانبعاثات، في حين أن الدول التي لديها عدد سكان صغير ستحصل على حصة أصغر.
- التقارب التدريجي: يتم تطبيق نظام التقارب التدريجي على مدى فترة زمنية محددة، بحيث تتقارب حصص الانبعاثات تدريجيًا نحو المساواة للفرد. هذا يعني أن الدول المتقدمة، التي لديها حاليًا انبعاثات أعلى للفرد، ستحتاج إلى خفض انبعاثاتها بشكل كبير، في حين أن الدول النامية، التي لديها انبعاثات أقل للفرد، يمكن أن تزيد انبعاثاتها بشكل معتدل خلال الفترة الانتقالية.
آلية عمل التقارب والانكماش
بموجب إطار التقارب والانكماش، يتم تحديد سقف عالمي للانبعاثات، ثم يتم تخصيص حصص انبعاثات متساوية للفرد لكل دولة. يمكن للدول التي لديها انبعاثات أعلى من حصتها المخصصة شراء أرصدة انبعاثات من الدول التي لديها انبعاثات أقل من حصتها المخصصة. هذا يخلق سوقًا عالميًا لأرصدة الكربون، مما يوفر حوافز اقتصادية للدول لخفض انبعاثاتها.
يعتمد نظام التقارب التدريجي على فترة زمنية محددة، يتم خلالها تقليل حصص الانبعاثات للدول المتقدمة تدريجيًا، بينما تزداد حصص الانبعاثات للدول النامية تدريجيًا. في نهاية الفترة الزمنية المحددة، ستحصل جميع الدول على حصص انبعاثات متساوية للفرد.
فوائد التقارب والانكماش
يوفر إطار التقارب والانكماش العديد من الفوائد المحتملة، بما في ذلك:
- العدالة: يضمن إطار التقارب والانكماش توزيعًا عادلاً ومتساويًا لحقوق انبعاثات الغازات الدفيئة بين جميع سكان العالم.
- الكفاءة: يوفر إطار التقارب والانكماش حوافز اقتصادية للدول لخفض انبعاثاتها، مما يساعد على تحقيق أهداف خفض الانبعاثات بأقل تكلفة ممكنة.
- الفعالية: يضمن إطار التقارب والانكماش تحقيق أهداف خفض الانبعاثات العالمية، مما يساعد على منع الآثار الخطيرة لتغير المناخ.
- الشفافية: يوفر إطار التقارب والانكماش إطارًا شفافًا وقابلاً للمساءلة لتوزيع حقوق الانبعاثات، مما يساعد على بناء الثقة والتعاون بين الدول.
التحديات والانتقادات
على الرغم من فوائده المحتملة، يواجه إطار التقارب والانكماش أيضًا بعض التحديات والانتقادات، بما في ذلك:
- الصعوبات السياسية: قد يكون من الصعب سياسيًا التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن تخصيص حصص انبعاثات متساوية للفرد، حيث قد تعارض بعض الدول المتقدمة التخلي عن حصصها الحالية الكبيرة من الانبعاثات.
- الصعوبات الاقتصادية: قد تواجه بعض الدول النامية صعوبات اقتصادية في التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، خاصة إذا كانت تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري.
- الصعوبات الفنية: قد تكون هناك تحديات فنية في قياس ورصد انبعاثات الغازات الدفيئة بدقة، خاصة في الدول النامية.
- الفعالية في التطبيق: قد لا يكون الإطار فعالاً بما فيه الكفاية إذا لم يتم تطبيقه بشكل صارم وفعال من قبل جميع الدول.
أمثلة على تطبيقات التقارب والانكماش
على الرغم من أن إطار التقارب والانكماش لم يتم تبنيه رسميًا على نطاق عالمي، إلا أن بعض الدول والمنظمات قد طبقت بعض جوانبه في سياساتها ومبادراتها المتعلقة بتغير المناخ. على سبيل المثال:
- الاتحاد الأوروبي: يهدف نظام تداول الانبعاثات التابع للاتحاد الأوروبي (EU ETS) إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة من القطاعات الصناعية وقطاعات الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي. يعتمد النظام على تحديد سقف إجمالي للانبعاثات، ثم توزيع حصص انبعاثات على الشركات. يمكن للشركات التي لديها انبعاثات أقل من حصتها المخصصة بيع أرصدة الانبعاثات للشركات التي لديها انبعاثات أعلى.
- الصين: أطلقت الصين نظامًا وطنيًا لتداول الانبعاثات (ETS) في عام 2021، والذي يغطي قطاع الطاقة. يهدف النظام إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة من قطاع الطاقة، وتشجيع الشركات على الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة.
- بعض المدن والمقاطعات: قامت بعض المدن والمقاطعات في جميع أنحاء العالم بتطبيق سياسات ومبادرات تهدف إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي تستند إلى مبادئ التقارب والانكماش. على سبيل المثال، قامت بعض المدن بتحديد أهداف لخفض الانبعاثات للفرد، وتشجيع استخدام وسائل النقل المستدامة والطاقة المتجددة.
بدائل للتقارب والانكماش
هناك العديد من البدائل المقترحة لإطار التقارب والانكماش، بما في ذلك:
- نهج التعهد والتحقق (Pledge and Review): يعتمد هذا النهج على تعهد كل دولة بتحقيق أهداف محددة لخفض الانبعاثات، ثم يتم التحقق من التقدم الذي تحرزه كل دولة بشكل دوري.
- الضرائب على الكربون (Carbon Taxes): تفرض الضرائب على الكربون رسومًا على انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يوفر حوافز اقتصادية للشركات والأفراد لخفض انبعاثاتهم.
- الإعانات للطاقة المتجددة (Renewable Energy Subsidies): توفر الإعانات للطاقة المتجددة حوافز اقتصادية للشركات والأفراد للاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة.
- الاستثمار في البحث والتطوير (Investment in Research and Development): يهدف الاستثمار في البحث والتطوير إلى تطوير تقنيات جديدة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
لكل من هذه البدائل مزاياها وعيوبها، ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع. قد يكون من الضروري الجمع بين عدة حلول لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات العالمية.
خاتمة
التقارب والانكماش هو إطار عمل مقترح لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة يهدف إلى تحقيق العدالة والكفاءة والفعالية في مكافحة تغير المناخ. على الرغم من التحديات والانتقادات التي يواجهها، إلا أنه يظل أحد أكثر المقترحات شمولية وعدالة لتوزيع مسؤولية خفض الانبعاثات بين الدول. يتطلب تنفيذه إرادة سياسية قوية وتعاونًا دوليًا واسع النطاق، ولكن يمكن أن يوفر أساسًا متينًا لمستقبل مستدام.