نشأته وحياته العسكرية
ولد مايل مركسيتش في قرية جيتيليتش، بالقرب من غراب، في منطقة ليكا في كرواتيا، في 1 مايو 1947. تخرج من الأكاديمية العسكرية وتدرج في الرتب داخل الجيش الشعبي اليوغوسلافي. قبل الحرب في يوغوسلافيا، كان مركسيتش قائدًا لوحدة المدفعية في فارازدين. ثم نُقل إلى شرق كرواتيا، حيث تم تعيينه قائدًا لمجموعة العمليات “الجنوب” التابعة للجيش الشعبي اليوغوسلافي.
خلال معركة فوكوفار عام 1991، كان مركسيتش مسؤولاً عن القوات اليوغوسلافية الصربية التي حاصرت المدينة. بعد سقوط فوكوفار في أيدي الجيش الشعبي اليوغوسلافي والقوات شبه العسكرية الصربية، تم نقل مئات الجرحى والأسرى الكروات من المستشفى إلى مزرعة أوفشارا، حيث تعرضوا للتعذيب والإيذاء والقتل الجماعي.
التورط في مذبحة فوكوفار
بعد الاستيلاء على فوكوفار في نوفمبر 1991، أمر مركسيتش بنقل حوالي 300 أسير حرب كرواتي من مستشفى فوكوفار إلى مزرعة أوفشارا القريبة. كان هؤلاء الأسرى يتألفون من جنود ومقاتلين من وحدات الدفاع الكرواتية، وكذلك المدنيين الذين لجأوا إلى المستشفى بحثًا عن الأمان. على الرغم من أن مركسيتش ادعى أنه أمر بنقل الأسرى إلى معسكر اعتقال بالقرب من شيد، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة وجدت أنه كان على علم بالخطر الذي يهدد الأسرى في أوفشارا، وأنه لم يتخذ خطوات كافية لمنع وقوع المذبحة.
في مزرعة أوفشارا، تعرض الأسرى للضرب المبرح والتعذيب على أيدي الجنود الصرب والميليشيات المحلية. وفي وقت لاحق، تم نقلهم إلى واد قريب، حيث تم إعدامهم ودفنهم في مقبرة جماعية. يُعتقد أن حوالي 200 شخص قتلوا في مذبحة أوفشارا.
أثناء المحاكمة، زعم مركسيتش أنه لم يكن لديه سيطرة كاملة على جميع القوات في المنطقة، وأن المذبحة ارتكبتها عناصر مارقة. ومع ذلك، رفضت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة هذا الادعاء، وخلصت إلى أن مركسيتش كان يتمتع بسلطة فعلية على القوات في أوفشارا، وأنه فشل في منع وقوع الجريمة.
المحاكمة والإدانة
وجهت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة إلى مركسيتش تهمًا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فيما يتعلق بمذبحة فوكوفار. سلم مركسيتش نفسه إلى المحكمة في عام 2002. في عام 2007، أدين بتهمة مساعدة وتحريض التعذيب والمعاملة القاسية والقتل كجريمة حرب، وحُكم عليه بالسجن 20 عامًا. استأنف مركسيتش الحكم، لكن تم تأييده في عام 2009.
خلال المحاكمة، قدم الادعاء أدلة قوية تثبت مسؤولية مركسيتش عن الجرائم التي ارتكبت في أوفشارا. وشملت هذه الأدلة شهادات الشهود ووثائق عسكرية وتسجيلات صوتية. كما قدم الادعاء أدلة تثبت أن مركسيتش كان على علم بالظروف اللاإنسانية في أوفشارا، وأنه لم يفعل شيئًا لمنع وقوع المذبحة.
قضى مركسيتش فترة سجنه في البرتغال. توفي في مستشفى في لشبونة في 16 أغسطس 2015، عن عمر يناهز 68 عامًا.
ردود الفعل على الحكم
أثار الحكم الصادر بحق مركسيتش ردود فعل متباينة. رحبت به الحكومة الكرواتية ومنظمات حقوق الإنسان باعتباره خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة لضحايا مذبحة فوكوفار. ومع ذلك، انتقدته بعض الجماعات الصربية، التي زعمت أنه كان ضحية لمحاكمة سياسية.
بغض النظر عن وجهة النظر، فإن إدانة مركسيتش كانت بمثابة تذكير بأهمية محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب. كما أنها سلطت الضوء على دور المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في تحقيق العدالة لضحايا الحرب في يوغوسلافيا.
إرث مايل مركسيتش
يظل مايل مركسيتش شخصية مثيرة للجدل في تاريخ يوغوسلافيا الحديث. يعتبره الكثيرون مجرم حرب مسؤولاً عن واحدة من أسوأ الفظائع التي ارتكبت خلال حرب الاستقلال الكرواتية. ومع ذلك، يعتقد آخرون أنه كان ضحية لظروف خارجة عن سيطرته، وأنه حوكم بشكل غير عادل.
بغض النظر عن الرأي الشخصي، لا يمكن إنكار أن مايل مركسيتش لعب دورًا مهمًا في حرب يوغوسلافيا، وأن أفعاله كان لها عواقب وخيمة على العديد من الأشخاص. سيبقى اسمه مرتبطًا إلى الأبد بمذبحة فوكوفار، وهي جريمة تظل وصمة عار على الضمير الإنساني.
دروس مستفادة من قضية مركسيتش
تقدم قضية مايل مركسيتش العديد من الدروس المهمة حول طبيعة الحرب وأهمية المساءلة عن ارتكاب جرائم حرب. بعض هذه الدروس تشمل:
- الحرب تجلب أسوأ ما في الطبيعة البشرية.
- يجب محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب.
- العدالة ضرورية لتحقيق المصالحة.
- يجب أن تكون المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بمثابة رادع لمرتكبي جرائم الحرب المحتملين.
خاتمة
مايل مركسيتش، العقيد في الجيش الشعبي اليوغوسلافي، شخصية محورية في حرب الاستقلال الكرواتية، وبالأخص في مذبحة فوكوفار. إدانته من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة تمثل علامة فارقة في السعي لتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب. قضية مركسيتش تذكرنا بأهوال الحرب وأهمية محاسبة المسؤولين عن الفظائع.