التأسيس والصعود
تأسست مملكة جافنا في أعقاب غزو كالينغا ماغا لشمال سريلانكا في أوائل القرن الثالث عشر. يُعتقد أن كالينغا ماغا، وهو أمير من مملكة كالينغا (أوديشا الحالية في الهند)، قد غزا الجزيرة وأسس حكمًا قويًا في الشمال. بعد فترة من الاضطرابات، تمكنت سلالة آرياكاكرافارتي، وهي عائلة من أصل براهماني، من تولي السلطة وتأسيس مملكة مستقلة في جافنا.
خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، بلغت مملكة جافنا أوج قوتها وازدهارها. سيطر ملوك آرياكاكرافارتي على تجارة اللؤلؤ القيّمة في مضيق بالك، وحافظوا على علاقات تجارية وثقافية واسعة مع جنوب الهند وجنوب شرق آسيا. شجعوا الأدب التاميلي والفنون الهندوسية، وحولوا جافنا إلى مركز ثقافي هام.
الحياة السياسية والاقتصادية
كانت مملكة جافنا دولة ملكية يحكمها ملوك سلالة آرياكاكرافارتي. كان الملك يتمتع بسلطة مطلقة، وكان يساعده مجلس من الوزراء والمسؤولين. اعتمد اقتصاد المملكة بشكل كبير على الزراعة والتجارة. كانت زراعة الأرز هي النشاط الزراعي الرئيسي، بينما كانت تجارة اللؤلؤ والأقمشة والتوابل مصادر دخل مهمة.
- الزراعة: اعتمد اقتصاد المملكة بشكل كبير على الزراعة، وخاصة زراعة الأرز.
- التجارة: ازدهرت التجارة في المملكة، وخاصة تجارة اللؤلؤ مع الهند وجنوب شرق آسيا.
- العملات: استخدمت المملكة عملات خاصة بها، مما يدل على استقلالها الاقتصادي.
الدين والثقافة
كانت مملكة جافنا في الأساس مملكة هندوسية. كان الهندوسية هي الديانة السائدة، وكان هناك العديد من المعابد المخصصة للآلهة الهندوسية المختلفة. لعبت المعابد دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية والثقافية للمملكة. بالإضافة إلى الهندوسية، كان هناك أيضًا عدد قليل من البوذيين والمسلمين والمسيحيين في المملكة.
ازدهرت الثقافة التاميلية في مملكة جافنا. كان الأدب التاميلي والفنون الجميلة يحظيان بتقدير كبير. تم بناء العديد من المعابد الجميلة والقصور خلال فترة حكم سلالة آرياكاكرافارتي. كان للمملكة أسلوبها المعماري المميز، والذي تأثر بالفن الهندي الجنوبي.
العلاقات مع الممالك الأخرى
حافظت مملكة جافنا على علاقات معقدة مع الممالك الأخرى في سريلانكا وجنوب الهند. كانت المملكة في كثير من الأحيان في حالة حرب مع مملكة كوتي، وهي مملكة سينهالية قوية تقع في الجنوب. كما حافظت على علاقات تجارية وثقافية مع مملكة فيجاياناغارا في جنوب الهند.
في القرن الخامس عشر، أصبحت مملكة جافنا تحت تأثير مملكة كوتي. ومع ذلك، تمكنت المملكة من الحفاظ على استقلالها حتى أوائل القرن السابع عشر.
الغزو البرتغالي والنهاية
في عام 1619، غزا البرتغاليون مملكة جافنا ووضعوا حداً لحكم سلالة آرياكاكرافارتي. أصبحت جافنا جزءًا من الإمبراطورية البرتغالية، وتم تحويل العديد من السكان إلى المسيحية. استمر الحكم البرتغالي حتى عام 1658، عندما استولى الهولنديون على جافنا.
كان للغزو البرتغالي تأثير عميق على تاريخ وثقافة جافنا. تم تدمير العديد من المعابد الهندوسية، وتم قمع الثقافة التاميلية. ومع ذلك، تمكن سكان جافنا من الحفاظ على هويتهم الثقافية، واستمرت اللغة التاميلية في الازدهار.
الإرث
تركت مملكة جافنا إرثًا دائمًا في تاريخ وثقافة سريلانكا. كانت المملكة مركزًا ثقافيًا هامًا، وساهمت بشكل كبير في تطوير الأدب التاميلي والفنون الهندوسية. لا يزال يتذكر سكان جافنا مملكتهم بفخر، ويحتفلون بتاريخهم وثقافتهم الغنية.
- الأدب التاميلي: ازدهر الأدب التاميلي في المملكة، وظهر العديد من الكتاب والشعراء الموهوبين.
- الفن المعماري: تركت المملكة بصمة معمارية مميزة، خاصة في المعابد والقصور.
- الهوية الثقافية: ساهمت المملكة في تعزيز الهوية الثقافية التاميلية في المنطقة.
أهم حكام مملكة جافنا
تعتبر مملكة جافنا من بين الممالك الأكثر ازدهارًا في تاريخ سريلانكا، ويعود الفضل في ذلك إلى سلسلة من الحكام الأقوياء الذين قادوها بحكمة واقتدار. من بين هؤلاء الحكام:
- كالينغا ماغا: مؤسس المملكة في القرن الثالث عشر، يعتبر شخصية محورية في تاريخ جافنا.
- مارتاندا سينكاي آريان (Martanda Singai Aryan): يُنسب إليه الفضل في توحيد المملكة وتوسيع نفوذها.
- جونافيرا سينكاي آريان (Gunaveera Singai Aryan): اشتهر برعايته للفنون والأدب، مما ساهم في ازدهار الثقافة التاميلية.
- باراراساسيكاران (Pararasasekaram): يُعتبر أحد أعظم حكام المملكة، حيث شهدت جافنا في عهده أوج قوتها وازدهارها.
- ساجاسيكاران (Segarasasekaram): آخر ملوك سلالة آرياكاكرافارتي، الذي شهد سقوط المملكة على يد البرتغاليين.
خاتمة
كانت مملكة جافنا مملكة تاريخية مهمة في شمال سريلانكا. ازدهرت المملكة لعدة قرون، وساهمت بشكل كبير في تطوير الثقافة التاميلية. على الرغم من سقوطها في يد البرتغاليين، إلا أن إرث مملكة جافنا لا يزال حياً حتى اليوم.