أُصُولُهُ وَتَارِيخُهُ
يَرْجِعُ التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ بِجُذُورِهِ إلى العُصُورِ الأُولَى للمَسِيحِيَّةِ، وَبِالأَخْصَّ إلى الآبَاءِ الأَوَائِلِ للكَنِيسَةِ، مِثْلَ إِيرِينِيئُوس وَبوليكاربوس. لَقَدْ كانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ مُهِمَّةً في أَوَائِلِ الكَنِيسَةِ، خَاصَّةً في أَوْقَاتِ الاضْطِهَادِ، حَيْثُ كانَتْ تُقَدِّمُ رَجَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ. وَمَعَ تَغَيُّرِ الظُّرُوفِ وَاعْتِرَافِ الإِمْبَرَاطُورِيَّةِ الرُّومَانِيَّةِ بِالمَسِيحِيَّةِ، بَدَأَتْ تَتَلاشَى هَذِهِ الرُّؤْيَةُ، وَهَجَرَها الكَثِيرُونَ لِصَالِحِ تَفْسِيرَاتٍ أُخْرَى. وَمَعَ ذَلِكَ، ظَلَّتْ بَعْضُ الجَمَاعَاتِ المُسِيحِيَّةِ تَحْتَفِظُ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ، وَاسْتَمَرَّتْ في التَّطَوُّرِ وَالتَّغَيُّرِ على مَرِّ العُصُورِ.
العَقَائِدُ الرَّئِيسِيَّةُ
يَرْتَكِزُ التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ على عِدَّةِ عَقَائِدَ رَئِيسِيَّةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا:
- عَوْدَةُ المَسِيحِ الثَّانِيَةُ: يُؤْمِنُ المُؤْمِنُونَ بِالتَّرَقُّبِ الأَلْفِيِّ التَّارِيخِيِّ بِأَنَّ عَوْدَةَ المَسِيحِ سَتَكُونُ جَسَدِيَّةً وَمَرْئِيَّةً. سَيَعُودُ المَسِيحُ لِيُقِيمَ مُلْكًا على الأَرْضِ.
- الرَّابِطَةُ بَيْنَ الأَلْفِ سَنَةٍ وَالمَلَكُوتِ: يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ مُلْكٍ لِلمَسِيحِ عَلَى الأَرْضِ يَسْتَمِرُّ أَلْفَ سَنَةٍ، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِـ “المُلْكِ الأَلْفِيِّ”. هَذَا المُلكُ سَيَشْهَدُ السَّلامَ وَالعَدْلَ وَازْدِهَارَ المَسِيحِيَّةِ.
- بَعْثُ الأَبْرَارِ وَالأَشْرَارِ: يَعْتَقِدُونَ بِبَعْثِ الأَبْرَارِ (المُؤْمِنِينَ) قَبْلَ المُلكِ الأَلْفِيِّ، وَبَعْدَهُ يَبْعَثُ اللهُ الأَشْرَارَ لِلْحُكْمِ الأَخِيرِ وَالدَّيْنُونَةِ.
- مُبَاشَرَةُ الكَنِيسَةِ لِلْمُلكِ: بِخِلافِ التَّرَقُّبِ الإِقْتِصَادِيِّ، يَرَى التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ أَنَّ الكَنِيسَةَ سَتَكُونُ مُشَارِكَةً في المُلكِ الأَلْفِيِّ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ المُؤْمِنِينَ سَيَحْكُمُونَ وَيَتَسَلَّطُونَ مَعَ المَسِيحِ.
التَّفْسِيرُ الكِتَابِيُّ
يَرْتَكِزُ التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ في تَفْسِيرِهِ على عِدَّةِ نُقَطٍ كِتَابِيَّةٍ، مِنْ بَيْنِها:
- سِفْرُ الرُّؤْيَا: يَعْتَبِرُونَ سِفْرَ الرُّؤْيَا كِتَابًا رَمْزِيًّا يُقَدِّمُ رُؤْيَةً لِأَحْدَاثِ النِّهَايَةِ، وَيُفَسِّرُونَ الفُصُولَ 19-20 عَلَى أَنَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ عَوْدَةِ المَسِيحِ، وَالمُلكِ الأَلْفِيِّ، وَالحُكْمِ الأَخِيرِ.
- تَقْدِيمُ الرَّجَاءِ: يَرَوْنَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ تَأْكِيدًا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْوَعْدِ بِالْخَلاصِ لِلْمُؤْمِنِينَ.
- الْمُلكُ الأَلْفِيُّ كَنِتِيجَةٍ لِعَمَلِ المَسِيحِ: يَعْتَقِدُونَ بِأَنَّ المُلكَ الأَلْفِيَّ هُوَ نَتِيجَةٌ مُبَاشِرَةٌ لِعَمَلِ المَسِيحِ الكَفَّارِيِّ وَانْتِصَارِهِ عَلَى الشَّرِّ.
المُقَارَنَةُ مَعَ التَّرَقُّبِ الإِقْتِصَادِيِّ
يَخْتَلِفُ التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ عَنِ التَّرَقُّبِ الإِقْتِصَادِيِّ فِي عِدَّةِ جَوَانِبَ:
- مَوْقِعُ الكَنِيسَةِ: يَرَى التَّرَقُّبُ الإِقْتِصَادِيُّ أَنَّ الكَنِيسَةَ سَتُرْفَعُ قَبْلَ الضِّيقَةِ العَظِيمَةِ، بَيْنَمَا يَرَى التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ أَنَّ الكَنِيسَةَ سَتَمُرُّ بِالضِّيقَةِ وَتَكُونُ مُشَارِكَةً فِي المُلكِ الأَلْفِيِّ.
- طَبِيعَةُ المُلكِ: يَرَى التَّرَقُّبُ الإِقْتِصَادِيُّ أَنَّ المُلكَ الأَلْفِيَّ سَيَكُونُ مُلْكًا حَرْفِيًّا عَلَى الأَرْضِ، بَيْنَمَا يَرَى التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ أَنَّ المُلكَ سَيَكُونُ رُوحِيًّا وَجَسَدِيًّا، بِحَيْثُ تَشْهَدُ الأَرْضُ تَغَيُّرًا وَبَرَكَةً.
- تَرْتِيبُ الأَحْدَاثِ: يَخْتَلِفَانِ فِي تَفْسِيرِ تَرْتِيبِ أَحْدَاثِ النِّهَايَةِ، خَاصَّةً فِي عَلاقَةِ الكَنِيسَةِ بِالضِّيقَةِ العَظِيمَةِ.
أَهَمِّيَّةُ التَّرَقُّبِ الأَلْفِيِّ التَّارِيخِيِّ
يُقَدِّمُ التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ بَعْضَ المُمَيِّزَاتِ الهَامَّةِ:
- الرَّجَاءُ وَالتَّشْجِيعُ: يُعْطِي رَجَاءً لِلمُؤْمِنِينَ في وَجْهِ الصُّعُوبَاتِ وَالاضْطِهَادِ، وَيُشَجِّعُهُمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالإِيمَانِ.
- تَأْكِيدُ عَلاقَةِ الكَنِيسَةِ بِالعَالَمِ: يُبَيِّنُ أَهَمِّيَّةَ دَوْرِ الكَنِيسَةِ في العَالَمِ، وَدُخُولِها في صِرَاعِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ.
- دَافِعٌ لِلتَّوْبَةِ وَالقَدَاسَةِ: يَحُثُّ المُؤْمِنِينَ عَلَى العَيْشِ بِقَدَاسَةٍ وَتَوْبَةٍ، اسْتِعْدَادًا لِلُقَاءِ المَسِيحِ.
النَّقْدُ وَالتَّحَدِّيَاتُ
يُوَاجِهُ التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ بَعْضَ النَّقْدِ وَالتَّحَدِّيَاتِ:
- صُعُوبَةُ التَّفْسِيرِ: يَقُولُ المُنْتَقِدُونَ أَنَّ تَفْسِيرَ سِفْرِ الرُّؤْيَا رَمْزِيٌّ وَغَيْرُ وَاضِحٍ.
- عَدَمُ وُجُودِ إِجْمَاعٍ: لَيْسَ هُنَاكَ إِجْمَاعٌ فِي الآرَاءِ حَوْلَ تَفْسِيرِ الأَحْدَاثِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ حَتَّى بَيْنَ أَتْبَاعِ التَّرَقُّبِ الأَلْفِيِّ التَّارِيخِيِّ.
- تَأْثِيرُهُ عَلَى العَمَلِ: قَدْ يَؤُثِّرُ في بَعْضِ الأَحْيَانِ عَلَى المُشَارَكَةِ فِي القَضَايَا الاجْتِمَاعِيَّةِ وَالعَمَلِ لِتَغْيِيرِ العَالَمِ.
خاتمة
التَّرَقُّبُ الأَلْفِيُّ التَّارِيخِيُّ يُمَثِّلُ رُؤْيَةً مُهِمَّةً مِنْ رُؤَى النِّهَايَةِ فِي عِلْمِ اللاَّهُوتِ المَسِيحِيِّ. يَسْتَنِدُ هَذَا النَّظَامُ إِلَى تَفْسِيرٍ أَلْفِيٍّ للكِتَابِ المُقَدَّسِ، مُؤَكِّدًا عَلَى عَوْدَةِ المَسِيحِ الجَسَدِيَّةِ وَإِقَامَةِ مُلْكِهِ الأَلْفِيِّ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ وُجُودِ بَعْضِ التَّحَدِّيَاتِ وَالاخْتِلافَاتِ فِي التَّفْسِيرِ، إِلَّا أَنَّهُ يَبْقَى نِظَامًا يُقَدِّمُ رَجَاءً وَتَشْجِيعًا لِلمُؤْمِنِينَ، وَيُسَاهِمُ فِي تَشْكِيلِ فَهْمِ المَسِيحِيِّينَ لِلْمُسْتَقْبَلِ.