الخلفية والتخطيط
بعد نجاح مهام أبولو السابقة في هبوط البشر على سطح القمر واستعادة عينات جيولوجية قيمة، كانت أبولو 17 تهدف إلى توسيع المعرفة العلمية حول القمر بشكل أكبر. تم اختيار موقع الهبوط في وادي طوروس-ليترو، وهي منطقة ذات اهتمام جيولوجي خاص بسبب وجود صخور قديمة وتكوينات بركانية محتملة. كان من المتوقع أن توفر هذه المنطقة رؤى جديدة حول تاريخ القمر وتطوره.
تم اختيار الطاقم بعناية لضمان وجود خبرة كافية في مجالات الطيران والهندسة والعلوم. يوجين سيرنان، القائد، كان رائد فضاء مخضرمًا شارك في مهمتي جيميني 9A وأبولو 10. رونالد إيفانز، طيار وحدة القيادة، لم يسبق له أن سافر إلى الفضاء من قبل، لكنه كان يتمتع بخبرة واسعة في الطيران. هاريسون شميت، طيار الوحدة القمرية، كان عالم جيولوجيا يتمتع بخبرة واسعة في الجيولوجيا القمرية، مما يجعله إضافة قيمة إلى الطاقم.
أهداف المهمة
كانت أهداف أبولو 17 متعددة الأوجه، وتضمنت:
- استكشاف وادي طوروس-ليترو جيولوجيًا، وجمع عينات من الصخور والتربة لتحليلها في المختبرات على الأرض.
- نشر مجموعة متنوعة من الأدوات العلمية على سطح القمر، بما في ذلك مقياس الزلازل وجهاز قياس التدفق الحراري، لجمع البيانات حول البنية الداخلية للقمر والنشاط الحراري.
- إجراء تجارب فيزيائية وكيميائية على سطح القمر، مثل دراسة تفاعلات الجسيمات المشحونة مع الغلاف الجوي الرقيق للقمر.
- التقاط صور ومقاطع فيديو عالية الدقة لسطح القمر، وتوثيق الأنشطة التي يقوم بها رواد الفضاء.
- تقييم أداء المعدات والتقنيات المستخدمة في المهمة، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين للمهام المستقبلية.
مسار الرحلة
انطلقت أبولو 17 من مركز كينيدي للفضاء في 7 ديسمبر 1972، باستخدام صاروخ ساتورن الخامس القوي. بعد الوصول إلى المدار حول الأرض، تم تشغيل المرحلة الثالثة من الصاروخ لدفع المركبة الفضائية نحو القمر. استغرقت الرحلة إلى القمر حوالي ثلاثة أيام، وبعدها دخلت المركبة الفضائية في مدار حول القمر.
انفصلت الوحدة القمرية “تشالنجر”، التي يقودها سيرنان وشميت، عن وحدة القيادة والخدمة “أمريكا”، التي يقودها إيفانز، وبدأت في الهبوط نحو سطح القمر. هبطت الوحدة القمرية بنجاح في وادي طوروس-ليترو في 11 ديسمبر 1972.
قضى سيرنان وشميت حوالي ثلاثة أيام على سطح القمر، وقاموا بثلاث جولات استكشافية باستخدام المركبة القمرية المتجولة (LRV)، وهي مركبة كهربائية ذات أربع عجلات. جمعوا خلال هذه الجولات عينات جيولوجية متنوعة، ونشروا الأدوات العلمية، وأجروا التجارب. أمضوا ما مجموعه 22 ساعة تقريبًا في العمل خارج الوحدة القمرية.
بعد الانتهاء من أنشطتهم على سطح القمر، عاد سيرنان وشميت إلى الوحدة القمرية وأطلقوها مرة أخرى إلى مدار القمر. التقوا بوحدة القيادة والخدمة، وتم نقل العينات والأدوات والمعدات إلى الوحدة الرئيسية. تم التخلص من الوحدة القمرية في مدار حول القمر قبل أن تعود الوحدة الرئيسية إلى الأرض.
هبطت وحدة القيادة “أمريكا” في المحيط الهادئ في 19 ديسمبر 1972، وتم انتشالها بواسطة سفينة تابعة للبحرية الأمريكية. تم نقل رواد الفضاء إلى مركز الحجر الصحي للتأكد من عدم وجود أي تلوث قمري.
النتائج العلمية
كانت أبولو 17 ناجحة للغاية في تحقيق أهدافها العلمية. جمع رواد الفضاء أكثر من 110 كيلوغرامات من الصخور والتربة القمرية، والتي قدمت رؤى قيمة حول تاريخ القمر وتطوره. على سبيل المثال، تم العثور على صخور بازلتية بركانية قديمة جدًا في وادي طوروس-ليترو، مما يشير إلى أن القمر كان أكثر نشاطًا بركانيًا في الماضي مما كان يعتقد سابقًا.
كما وفرت الأدوات العلمية التي تم نشرها على سطح القمر بيانات مهمة حول البنية الداخلية للقمر والنشاط الزلزالي. كشفت البيانات التي تم جمعها بواسطة مقياس الزلازل عن وجود زلازل قمرية ضعيفة، مما يشير إلى أن القمر لا يزال نشطًا جيولوجيًا، وإن كان بدرجة أقل بكثير من الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت التجارب التي أجريت على سطح القمر معلومات قيمة حول تفاعلات الجسيمات المشحونة مع الغلاف الجوي الرقيق للقمر، وحول خصائص التربة القمرية.
الأهمية التاريخية
تعتبر أبولو 17 مهمة تاريخية لعدة أسباب. إنها المهمة المأهولة الأخيرة التي هبطت على سطح القمر، وهي تمثل ذروة برنامج أبولو الطموح. كما أنها كانت أول مهمة تضم عالم جيولوجيا ضمن الطاقم، مما ساهم في زيادة الفهم العلمي للقمر.
تركت أبولو 17 إرثًا دائمًا في مجال استكشاف الفضاء. ألهمت المهمة أجيالًا من العلماء والمهندسين ورواد الفضاء، وساعدت في تطوير تقنيات جديدة تستخدم في مهام الفضاء الحالية والمستقبلية. كما أنها أكدت على أهمية التعاون الدولي في مجال استكشاف الفضاء، حيث شاركت العديد من الدول في برنامج أبولو.
تحديات المهمة
على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته أبولو 17، إلا أنها واجهت بعض التحديات خلال المهمة. أحد هذه التحديات كان صعوبة التنقل في التضاريس الوعرة لوادي طوروس-ليترو. كان على رواد الفضاء أن يكونوا حذرين للغاية أثناء القيادة بالمركبة القمرية المتجولة لتجنب الحوادث.
تحدى آخر كان الحاجة إلى الحفاظ على إمدادات الأكسجين والماء والطاقة أثناء العمل على سطح القمر. كان على رواد الفضاء أن يكونوا فعالين في استخدام مواردهم لضمان قدرتهم على إكمال جميع مهامهم بأمان.
بالإضافة إلى ذلك، كان على رواد الفضاء التعامل مع بيئة معادية على سطح القمر، بما في ذلك درجات الحرارة القصوى والإشعاع الشمسي المكثف.
التراث المستمر
لا تزال أبولو 17 مصدر إلهام للعلماء والمهندسين وعامة الناس على حد سواء. تواصل العينات والبيانات التي تم جمعها خلال المهمة المساهمة في فهمنا للقمر والنظام الشمسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقنيات والأساليب التي تم تطويرها لبرنامج أبولو لا تزال تستخدم اليوم في استكشاف الفضاء.
مع عودة العالم إلى التركيز على استكشاف الفضاء، بما في ذلك خطط للعودة إلى القمر، فإن دروس أبولو 17 تظل ذات صلة. من خلال الدراسة الدقيقة لنجاحات وتحديات هذه المهمة التاريخية، يمكننا الاستعداد بشكل أفضل للمساعي المستقبلية في الفضاء.
خاتمة
كانت أبولو 17 مهمة تاريخية ومهمة للغاية في برنامج أبولو التابع لناسا. كانت المهمة الأخيرة التي هبط فيها البشر على سطح القمر، وقدمت مساهمات كبيرة في فهمنا للقمر والنظام الشمسي. على الرغم من التحديات التي واجهت رواد الفضاء، فقد نجحوا في إكمال جميع أهدافهم العلمية وعادوا إلى الأرض بسلام. لا يزال إرث أبولو 17 يلهم أجيالًا من العلماء والمهندسين ورواد الفضاء.