نشأته وحياته المبكرة
ولد حيدر الكزبري في دمشق لعائلة دمشقية عريقة. تلقى تعليمه الأولي في مدارس دمشق، ثم التحق بالكلية العسكرية ليشق طريقه في السلك العسكري. منذ صغره، أظهر الكزبري تفوقًا في دراسته ومهارات قيادية واضحة، مما جعله محط أنظار قادته وزملائه. تميز بشخصية قوية وطموحة، وكان يتمتع بحس وطني عالٍ ورغبة في خدمة بلاده.
بعد تخرجه من الكلية العسكرية، انخرط الكزبري في صفوف الجيش السوري، وتدرج في الرتب العسكرية بسرعة بفضل كفاءته وجدارته. شارك في العديد من المهام والعمليات العسكرية، وأظهر شجاعة وبسالة في مواجهة التحديات. اكتسب خبرة واسعة في مجال القيادة والتخطيط العسكري، وأصبح محل ثقة واحترام رؤسائه ومرؤوسيه.
الجمهورية العربية المتحدة
في عام 1958، تم الإعلان عن قيام الجمهورية العربية المتحدة، وهي الوحدة التي جمعت بين مصر وسوريا تحت قيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر. في البداية، لاقت هذه الوحدة ترحيبًا واسعًا في سوريا، حيث اعتبرها الكثيرون خطوة نحو تحقيق الوحدة العربية المنشودة. ومع ذلك، سرعان ما بدأت تظهر بعض المشاكل والتحديات التي أثرت سلبًا على هذه الوحدة.
أحد أهم هذه المشاكل كان التهميش الذي شعرت به بعض القيادات السورية في ظل الجمهورية العربية المتحدة. حيث تركزت السلطة في يد الرئيس عبد الناصر والمسؤولين المصريين، وتم تهميش دور القيادات السورية في اتخاذ القرارات الهامة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تلق قبولًا لدى بعض الفئات في المجتمع السوري.
ازدادت حالة الاستياء والتذمر في صفوف الجيش السوري، حيث شعر العديد من الضباط بأنهم مهمشون ومقصيون عن مواقع صنع القرار. بدأ بعض الضباط في التفكير في طرق للتعبير عن هذا الاستياء، والبحث عن حلول للأزمة التي كانت تعصف بالجمهورية العربية المتحدة. كان حيدر الكزبري من بين هؤلاء الضباط، حيث كان يشعر بقلق بالغ إزاء مستقبل سوريا ومصيرها في ظل هذه الوحدة.
انقلاب 1961
في 28 سبتمبر 1961، قاد حيدر الكزبري مجموعة من الضباط السوريين في انقلاب عسكري أطاح بحكومة الوحدة مع مصر. كان هذا الانقلاب بمثابة نقطة تحول في تاريخ سوريا الحديث، حيث أدى إلى تفكك الجمهورية العربية المتحدة وعودة سوريا كدولة مستقلة ذات سيادة.
تم التخطيط للانقلاب بعناية فائقة، حيث تم اختيار الضباط المشاركين بعناية لضمان نجاح العملية. تمكن الكزبري ورفاقه من السيطرة على المواقع الحيوية في دمشق وغيرها من المدن السورية، وإعلان بيان الانقلاب عبر الإذاعة والتلفزيون. لاقى الانقلاب ترحيبًا من قبل بعض الفئات في المجتمع السوري، في حين عارضه البعض الآخر.
بعد نجاح الانقلاب، تم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة الدكتور مأمون الكزبري، وتولت مهمة إدارة شؤون البلاد والإعداد لانتخابات جديدة. تم اتخاذ عدد من القرارات الهامة، بما في ذلك إلغاء القوانين والقرارات التي اتخذت في ظل الجمهورية العربية المتحدة، وإعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية.
أثار الانقلاب ردود فعل متباينة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فقد أدانت مصر الانقلاب بشدة، واعتبرته خيانة للوحدة العربية. في المقابل، أيدت بعض الدول العربية الأخرى الانقلاب، واعتبرته حقًا للشعب السوري في تقرير مصيره. أما على الصعيد الدولي، فقد اتخذت معظم الدول موقفًا محايدًا، ودعت إلى حل الأزمة بالطرق السلمية.
ما بعد الانقلاب
بعد تفكك الجمهورية العربية المتحدة، شهدت سوريا فترة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. تعاقبت الحكومات، وتزايدت الصراعات الداخلية بين مختلف الفصائل السياسية والعسكرية. حاول بعض القادة السياسيين والعسكريين إعادة الوحدة مع مصر، في حين عارض ذلك البعض الآخر. استمرت حالة عدم الاستقرار حتى قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963.
لعب حيدر الكزبري دورًا هامًا في هذه الفترة الانتقالية، حيث سعى إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. شارك في العديد من المبادرات والمفاوضات الرامية إلى حل الخلافات بين الفصائل المختلفة، وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات التي كانت تواجه سوريا. إلا أنه ابتعد تدريجياً عن المشهد السياسي بعد صعود حزب البعث إلى السلطة.
على الرغم من الدور الذي لعبه في انقلاب عام 1961، إلا أن حيدر الكزبري لم يحصل على التقدير الذي يستحقه في تاريخ سوريا الحديث. يعتبره البعض بطلاً قوميًا أنقذ سوريا من الهيمنة المصرية، في حين يعتبره البعض الآخر خائنًا للوحدة العربية. بغض النظر عن هذه الآراء المتضاربة، فإن حيدر الكزبري يبقى شخصية محورية في تاريخ سوريا الحديث، ولا يمكن تجاهل دوره في تغيير مسار الأحداث السياسية والعسكرية في البلاد.
حياته لاحقًا ووفاته
بعد ابتعاده عن السياسة، عاش حيدر الكزبري حياة هادئة نسبياً. ابتعد عن الأضواء والشهرة، وركز على حياته الشخصية وعائلته. حافظ على علاقات جيدة مع بعض زملائه وأصدقائه، لكنه تجنب الظهور في وسائل الإعلام أو المشاركة في أي أنشطة سياسية.
توفي حيدر الكزبري عام 1996 بعد صراع طويل مع المرض. ترك وراءه إرثًا معقدًا ومثيرًا للجدل، حيث يظل شخصية محورية في تاريخ سوريا الحديث. تتباين الآراء حول دوره في انقلاب عام 1961، لكن لا يمكن إنكار تأثيره الكبير على مسار الأحداث السياسية والعسكرية في البلاد.
خاتمة
حيدر الكزبري، ضابط سوري لعب دورًا بارزًا في انقلاب عام 1961 الذي أنهى الوحدة مع مصر. شخصية مثيرة للجدل، يعتبره البعض بطلاً قوميًا بينما يراه آخرون خائنًا للوحدة العربية. بغض النظر عن الرأي، يبقى الكزبري شخصية محورية في تاريخ سوريا الحديث، وتستحق دراسة متأنية لفهم دوره وتأثيره على الأحداث السياسية والعسكرية في البلاد.