<![CDATA[
نشأة الدولة الدُرَّانية وتأسيسها
تعود جذور الدولة الدُرَّانية إلى فترة ضعف الدولة الصفوية في بلاد فارس وتراجع سلطة المغول في الهند. استغل أحمد شاه الدُرَّاني، وهو قائد عسكري بارز في جيش نادر شاه، هذه الفوضى ليشق طريقه نحو السلطة. بعد اغتيال نادر شاه في عام 1747، وجد أحمد شاه نفسه في وضع يسمح له بتوحيد القبائل البشتونية المتناحرة تحت راية واحدة.
في اجتماع حاسم عُقد في قندهار، انتُخب أحمد شاه زعيماً وقائداً، وأُعلن عن تأسيس الدولة الدُرَّانية. اتخذ أحمد شاه لقب “دُرِّ دُران” (لؤلؤة اللآلئ)، ومن هنا جاء اسم الدولة الدُرَّانية. كانت قندهار بمثابة العاصمة الأولى للدولة، وسرعان ما بدأت في التوسع والانتشار.
أحمد شاه الدُرَّاني: المؤسس والقائد
يُعتبر أحمد شاه الدُرَّاني شخصية محورية في تاريخ أفغانستان. لم يكن مجرد قائد عسكري ناجح، بل كان أيضاً سياسياً محنكاً ورجل دولة يتمتع برؤية. قاد جيوشه في سلسلة من الحملات العسكرية التي وسعت رقعة الدولة الدُرَّانية، وأخضع العديد من المناطق والقبائل لسلطته.
تميز عهد أحمد شاه بالإصلاحات الإدارية والقضائية، فضلاً عن تشجيع التجارة والفنون. سعى إلى تحقيق الاستقرار والازدهار في الدولة، وقام ببناء العديد من المساجد والمدارس والمستشفيات. كما أنه كان شاعراً وأديباً، وترك إرثاً ثقافياً قيماً.
التوسع العسكري للدولة الدُرَّانية
شهدت الدولة الدُرَّانية في عهد أحمد شاه توسعاً عسكرياً كبيراً. قاد أحمد شاه جيوشه في عدة حملات ناجحة، بما في ذلك:
- السيطرة على كابل: تمكن أحمد شاه من السيطرة على كابل، التي أصبحت فيما بعد العاصمة الصيفية للدولة الدُرَّانية.
- غزو البنجاب: غزا أحمد شاه منطقة البنجاب في الهند، وهزم جيوش السيخ في معركة حاسمة.
- معركة باني بت الثالثة: في عام 1761، قاد أحمد شاه جيوشه إلى معركة باني بت الثالثة ضد إمبراطورية ماراثا، وحقق نصراً ساحقاً. عزز هذا النصر مكانة الدولة الدُرَّانية كقوة إقليمية مهيمنة.
- التوسع نحو الغرب: امتدت فتوحات أحمد شاه نحو الغرب، حيث سيطر على أجزاء من خراسان وإيران الشرقية.
بفضل هذه الحملات العسكرية، امتدت الدولة الدُرَّانية من كشمير في الشمال الشرقي إلى بلوشستان في الجنوب الغربي، ومن خراسان في الغرب إلى السند في الشرق.
نظام الحكم والإدارة في الدولة الدُرَّانية
اعتمدت الدولة الدُرَّانية نظام حكم ملكي وراثي، حيث كان السلطان هو الحاكم المطلق. ومع ذلك، كان السلطان محاطاً بمجموعة من الوزراء والمستشارين الذين يساعدونه في إدارة شؤون الدولة. لعبت القبائل البشتونية دوراً هاماً في نظام الحكم، حيث كان زعماء القبائل يتمتعون بنفوذ كبير في مناطقهم.
قُسمت الدولة إلى عدة ولايات أو مقاطعات، وكان على رأس كل ولاية حاكم يعينه السلطان. كان الحكام مسؤولين عن جمع الضرائب والحفاظ على الأمن وتنفيذ أوامر السلطان. اعتمدت الدولة الدُرَّانية نظاماً قضائياً يعتمد على الشريعة الإسلامية والقانون العرفي.
الاقتصاد والتجارة في عهد الدولة الدُرَّانية
ازدهر الاقتصاد والتجارة في عهد الدولة الدُرَّانية. شجعت الدولة التجارة الداخلية والخارجية، وقامت ببناء الطرق والجسور لتسهيل حركة البضائع. كانت أفغانستان تقع على طريق الحرير القديم، مما جعلها مركزاً تجارياً هاماً يربط بين الشرق والغرب.
اشتهرت أفغانستان بإنتاج الفواكه المجففة والسجاد والمنسوجات. كانت هذه المنتجات تُصدر إلى مختلف أنحاء العالم. كما استوردت أفغانستان السلع المصنعة من أوروبا والهند والصين.
الثقافة والفنون في الدولة الدُرَّانية
شهدت الدولة الدُرَّانية ازدهاراً ثقافياً وفنياً. شجع أحمد شاه الدُرَّاني العلماء والشعراء والفنانين، وقام ببناء العديد من المساجد والمدارس والمكتبات. أصبحت كابل مركزاً ثقافياً هاماً، واجتذبت العلماء والشعراء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
ازدهرت الأدب الفارسي والبشتوني في عهد الدولة الدُرَّانية. كتب العديد من الشعراء قصائد في مدح أحمد شاه الدُرَّاني وانتصاراته. كما ازدهرت الفنون الزخرفية والعمارة، وتميزت بالجمع بين العناصر الفارسية والهندية والمحلية.
خلفاء أحمد شاه الدُرَّاني وضعف الدولة
بعد وفاة أحمد شاه الدُرَّاني في عام 1772، خلفه ابنه تيمور شاه. نقل تيمور شاه العاصمة من قندهار إلى كابل. لم يكن تيمور شاه يتمتع بنفس قدرات والده القيادية والإدارية، وبدأت الدولة في الضعف في عهده.
توالى على حكم الدولة الدُرَّانية عدد من الحكام الضعفاء الذين لم يتمكنوا من الحفاظ على وحدة الدولة. اندلعت الصراعات الداخلية بين الأمراء والقبائل، وتدخلت القوى الأجنبية في شؤون الدولة. فقدت الدولة الدُرَّانية أجزاء كبيرة من أراضيها، وتفككت في النهاية في أوائل القرن التاسع عشر.
تأثير الدولة الدُرَّانية وإرثها
على الرغم من قصر عمرها نسبياً، تركت الدولة الدُرَّانية بصمة واضحة على تاريخ المنطقة. ساهمت الدولة في توحيد القبائل البشتونية، ووضعت الأساس لأفغانستان الحديثة. كما أنها لعبت دوراً هاماً في الحفاظ على استقلال أفغانستان في وجه التدخلات الأجنبية.
لا يزال أحمد شاه الدُرَّاني يُعتبر بطلاً قومياً في أفغانستان. يُذكر بإنجازاته العسكرية والإدارية والثقافية. كما أن الدولة الدُرَّانية تُمثل فترة ذهبية في تاريخ أفغانستان، حيث شهدت البلاد ازدهاراً اقتصادياً وثقافياً.
خاتمة
الدولة الدُرَّانية، التي أسسها أحمد شاه الدُرَّاني في القرن الثامن عشر، كانت قوة إقليمية مؤثرة في آسيا الوسطى والجنوبية. تميزت بالتوسع العسكري، والإصلاحات الإدارية، والازدهار الثقافي. على الرغم من ضعفها وتفككها لاحقاً، تركت الدولة الدُرَّانية إرثاً هاماً في تاريخ أفغانستان والمنطقة، ولا يزال أحمد شاه الدُرَّاني يُعتبر بطلاً قومياً في أفغانستان.