مقدمة
بوريوثيريا (Boreoeutheria، وتعني “الوحوش الحقيقية الشمالية”) هي رتبة عليا من الثدييات المشيمية التي تجمع الرتبتين العظيمتين Euarchontoglires و Laurasiatheria. وهي تمثل إحدى المجموعتين الرئيسيتين اللتين انقسمت إليهما الثدييات المشيمية بعد انقراض الديناصورات غير الطيرية في نهاية العصر الطباشيري. المجموعة الأخرى هي الأطلنطيات (Atlantogenata)، التي تشمل الثدييات الموجودة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية. تشير الأدلة الجزيئية والأحفورية إلى أن البوريوثيريا تطورت في المنطقة الشمالية من العالم، ومن هنا جاء اسمها.
أصل التسمية
اسم “بوريوثيريا” مشتق من كلمتين يونانيتين: “Boreas” (Βορέας) وتعني “الشمال” أو “الرياح الشمالية”، و “theria” (θηρίον) وتعني “وحش” أو “حيوان”. يشير الاسم إلى الأصل الجغرافي المفترض لهذه المجموعة من الثدييات في نصف الكرة الشمالي.
التصنيف والتطور
يعتبر تصنيف بوريوثيريا من المواضيع المعقدة والمتطورة باستمرار، حيث تعتمد على البيانات الجزيئية (الحمض النووي) والأحفورية. بشكل عام، تتضمن البوريوثيريا الرتبتين العظيمتين الرئيسيتين التاليتين:
- Euarchontoglires: تشمل هذه الرتبة العليا القوارض والأرانب والزبابات الشجرية والكولوبيات (الليمور الطائر) والرئيسيات.
- Laurasiatheria: تشمل هذه الرتبة العليا مجموعة متنوعة من الثدييات مثل آكلات اللحوم (القطط والكلاب والدببة وغيرها)، والخفافيش، والحافريات (الخيول ووحيد القرن والتابير وغيرها)، والقنافذ، وآكلات النمل الحرشفي، والحيتانيات (الحيتان والدلافين وخنازير البحر).
يشير التحليل الجزيئي إلى أن الانقسام بين البوريوثيريا والأطلنطيات حدث منذ حوالي 65-75 مليون سنة، في نهاية العصر الطباشيري. بعد ذلك، انقسمت البوريوثيريا إلى رتبها العظيمة Euarchontoglires و Laurasiatheria. الوقت الدقيق لهذا الانقسام لا يزال قيد النقاش، ولكن يُقدر أنه حدث منذ حوالي 60-70 مليون سنة.
Euarchontoglires
تتميز Euarchontoglires بتنوعها الكبير في الحجم والشكل والسلوك. تشمل هذه المجموعة بعضًا من أكثر الثدييات شيوعًا على وجه الأرض، مثل الفئران والسناجب والأرانب. كما أنها تشمل الرئيسيات، التي تضم القرود والبابون والغوريلا والبشر.
تشمل الميزات المشتركة بين Euarchontoglires وجود قواطع كبيرة تستخدم للقضم والقرض، بالإضافة إلى قدرتها على التكيف مع مجموعة واسعة من البيئات. بعض الأنواع، مثل القوارض، معروفة بقدرتها على التكاثر بسرعة، بينما الأنواع الأخرى، مثل الرئيسيات، تتميز بذكائها وتعقيدها الاجتماعي.
فيما يلي بعض المجموعات الرئيسية داخل Euarchontoglires:
- القوارض (Rodentia): أكبر رتبة من الثدييات، تشمل الفئران والجرذان والسناجب والقنادس وغيرها. تتميز بقواطعها الحادة التي تنمو باستمرار.
- الأرانب (Lagomorpha): تشمل الأرانب والأرانب البرية والبيكا. تتميز بوجود مجموعتين من القواطع في الفك العلوي.
- الزبابات الشجرية (Scandentia): مجموعة صغيرة من الثدييات الشبيهة بالسناجب تعيش في جنوب شرق آسيا.
- الكولوبيات (Dermoptera): تشمل نوعين فقط من الثدييات المعروفة باسم الليمور الطائر. تتميز بوجود غشاء جلدي يربط بين أطرافها، مما يسمح لها بالانزلاق بين الأشجار.
- الرئيسيات (Primates): تشمل القرود والبابون والغوريلا والبشر. تتميز بأدمغتها الكبيرة وأيديها القابضة ورؤيتها المجسمة.
Laurasiatheria
Laurasiatheria هي رتبة عليا متنوعة أخرى من الثدييات المشيمية. تشمل هذه المجموعة بعضًا من أكثر الحيوانات المفترسة شهرة في العالم، مثل الأسود والذئاب والنمور. كما أنها تشمل مجموعة متنوعة من الحيوانات الأخرى، مثل الخفافيش والخيول والقنافذ.
تتميز Laurasiatheria بمجموعة واسعة من التكيفات التي تسمح لها بالعيش في مجموعة متنوعة من البيئات. بعض الأنواع، مثل الخفافيش، قادرة على الطيران، بينما الأنواع الأخرى، مثل الحيتان، تعيش في الماء. بعض الأنواع، مثل آكلات اللحوم، متخصصة في صيد الحيوانات الأخرى، بينما الأنواع الأخرى، مثل الحافريات، تتغذى على النباتات.
فيما يلي بعض المجموعات الرئيسية داخل Laurasiatheria:
- آكلات اللحوم (Carnivora): تشمل القطط والكلاب والدببة والأسود البحرية والفقمات وغيرها. تتميز بأسنانها الحادة التي تستخدم لتمزيق اللحوم.
- الخفافيش (Chiroptera): الثدييات الوحيدة القادرة على الطيران الحقيقي.
- الحافريات (Perissodactyla & Artiodactyla): تشمل الخيول ووحيد القرن والتابير والخنازير والغزلان والأبقار وغيرها. تتميز بوجود حوافر على أطرافها. تنقسم إلى فردية الأصابع (Perissodactyla) وزوجية الأصابع (Artiodactyla).
- القنافذ (Eulipotyphla): تشمل القنافذ والخلد والزبابات. تتميز بأنفها الطويل والحساس.
- آكلات النمل الحرشفي (Pholidota): تشمل آكلات النمل الحرشفي، وهي حيوانات مغطاة بحراشف صلبة.
- الحيتانيات (Cetacea): تشمل الحيتان والدلافين وخنازير البحر. تكيفت للعيش في الماء.
الأهمية التطورية
تعتبر دراسة بوريوثيريا مهمة لفهم تطور الثدييات المشيمية وتنوعها. من خلال تحليل البيانات الجزيئية والأحفورية، يمكن للعلماء تتبع أصول وتطور هذه المجموعة من الحيوانات، وفهم كيفية تكيفت مع البيئات المختلفة عبر الزمن الجيولوجي.
كما أن فهم العلاقات التطورية بين مجموعات مختلفة من البوريوثيريا يمكن أن يساعد في حل المشكلات المتعلقة بالحفاظ على التنوع البيولوجي. على سبيل المثال، من خلال تحديد الأنواع الأكثر عرضة للانقراض، يمكن للعلماء تطوير استراتيجيات لحمايتها.
التحديات في البحث
لا يزال البحث في بوريوثيريا يواجه العديد من التحديات. أحد هذه التحديات هو عدم اكتمال السجل الأحفوري، مما يجعل من الصعب تتبع تطور بعض المجموعات من الثدييات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون البيانات الجزيئية معقدة وصعبة التفسير، خاصة عندما يتعلق الأمر بتحديد العلاقات التطورية بين الأنواع المختلفة.
على الرغم من هذه التحديات، فإن البحث في بوريوثيريا مستمر، ويحقق العلماء تقدمًا مطردًا في فهم تطور هذه المجموعة المهمة من الثدييات.
خاتمة
بوريوثيريا هي رتبة عليا تضم مجموعة واسعة ومتنوعة من الثدييات المشيمية التي تطورت في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. تشمل هذه المجموعة Euarchontoglires (القوارض والرئيسيات وغيرها) و Laurasiatheria (آكلات اللحوم والخفافيش والحافريات وغيرها). دراسة بوريوثيريا ضرورية لفهم تطور الثدييات المشيمية وتنوعها، وللمساهمة في الحفاظ على التنوع البيولوجي.