تاريخ مفهوم القدر الظاهري
يعود مفهوم القدر الظاهري إلى العالم الفلكي الإغريقي هيبارخوس في القرن الثاني قبل الميلاد. قام هيبارخوس بتصنيف النجوم التي رآها بالعين المجردة إلى ستة أقدار. النجوم الأكثر سطوعًا صُنفت على أنها من القدر الأول، بينما النجوم الأكثر خفوتًا صُنفت على أنها من القدر السادس. لم يكن هذا التصنيف مبنيًا على قياسات دقيقة للسطوع، بل كان تقديرًا بصريًا.
لاحقًا، قام بطليموس بتوسيع هذا النظام في كتابه المجسطي. استمر هذا النظام في الاستخدام لعدة قرون، مع بعض التعديلات الطفيفة.
في القرن التاسع عشر، تم تطوير مقياس كمي للقدر الظاهري. قام نورمان روبرت بوجسون بتحديد أن نجمًا من القدر الأول هو 100 مرة أكثر سطوعًا من نجم من القدر السادس. بناءً على ذلك، وضع مقياسًا لوغاريتميًا بحيث يمثل كل قدر زيادة في السطوع بمعامل 5√100، أو حوالي 2.512. يُعرف هذا المعامل باسم نسبة بوجسون.
كيفية عمل مقياس القدر الظاهري
مقياس القدر الظاهري هو مقياس لوغاريتمي معكوس. هذا يعني أن الأرقام الأصغر تشير إلى أجسام أكثر سطوعًا، وأن الفرق بقدر واحد في القدر الظاهري يتوافق مع اختلاف في السطوع بمعامل 2.512 تقريبًا. على سبيل المثال، النجم الذي له قدر ظاهري 1 هو أكثر سطوعًا بحوالي 2.512 مرة من النجم الذي له قدر ظاهري 2، وأكثر سطوعًا بحوالي 6.31 مرة من النجم الذي له قدر ظاهري 3 (2.512 * 2.512).
بسبب طبيعة المقياس اللوغاريتمية، يمكن أن يكون للنجوم والكواكب الساطعة جدًا قيم قدر ظاهري سالبة. على سبيل المثال، يبلغ القدر الظاهري للشمس حوالي -26.7، بينما يبلغ القدر الظاهري للقمر الكامل حوالي -12.7. يمكن أيضًا أن يكون للأجسام الخافتة جدًا، مثل المجرات البعيدة، قيم قدر ظاهري موجبة كبيرة.
تُستخدم المعادلة التالية لحساب العلاقة بين سطوع جسمين وقدرهما الظاهري:
m1 – m2 = -2.5 log10 (b1 / b2)
حيث:
- m1 و m2 هما القدران الظاهريان للجسمين.
- b1 و b2 هما سطوع الجسمين.
القدر الظاهري والقدر المطلق
من المهم التمييز بين القدر الظاهري والقدر المطلق. القدر الظاهري هو سطوع الجرم كما يُرى من الأرض، بينما القدر المطلق هو سطوع الجرم كما يُرى من مسافة 10 فراسخ فلكية (حوالي 32.6 سنة ضوئية). القدر المطلق هو مقياس لسطوع الجرم الجوهري، في حين أن القدر الظاهري يعتمد على سطوع الجرم الجوهري وعلى المسافة بينه وبين الأرض.
لفهم الفرق بشكل أفضل، تخيل مصباحين متطابقين. إذا كان أحد المصباحين أقرب إليك من الآخر، فسيبدو المصباح الأقرب أكثر سطوعًا. سيكون للمصباحين نفس القدر المطلق (لأنهما متطابقان)، لكن سيكون لهما قدران ظاهريان مختلفان.
عوامل تؤثر على القدر الظاهري
هناك عدة عوامل يمكن أن تؤثر على القدر الظاهري لجرم سماوي:
- السطوع الجوهري: كلما كان الجرم أكثر سطوعًا في الأصل، كان قدره الظاهري أصغر (أكثر سلبية).
- المسافة: كلما كان الجرم أبعد، كان قدره الظاهري أكبر (أكثر إيجابية). يقل السطوع مع مربع المسافة.
- الامتصاص: يمكن للغبار والغاز الموجودين بين الجرم والراصد أن يمتصوا الضوء، مما يجعل الجرم يبدو أكثر خفوتًا. يُعرف هذا باسم الامتصاص بين النجوم.
- الغلاف الجوي للأرض: يمكن للغلاف الجوي للأرض أن يشتت الضوء ويمتصه، مما يجعل الأجرام تبدو أكثر خفوتًا. يؤثر هذا بشكل خاص على الأجرام القريبة من الأفق.
قياس القدر الظاهري
يتم قياس القدر الظاهري باستخدام أدوات تسمى المقاييس الضوئية. المقاييس الضوئية هي أجهزة حساسة للضوء تقيس كمية الضوء القادمة من جرم سماوي. يمكن للمقاييس الضوئية قياس القدر الظاهري بدقة كبيرة، غالبًا بأجزاء من المائة من القدر.
تستخدم المقاييس الضوئية مرشحات مختلفة لقياس الضوء بأطوال موجية مختلفة. هذا يسمح للفلكيين بدراسة خصائص النجوم والمجرات المختلفة. تشمل أنظمة المرشحات الشائعة نظام UBV (الأشعة فوق البنفسجية، الزرقاء، المرئية) ونظام SDSS (مسح سلون الرقمي للسماء).
استخدامات القدر الظاهري
يستخدم القدر الظاهري في مجموعة متنوعة من التطبيقات في علم الفلك:
- تصنيف النجوم: يستخدم القدر الظاهري لتصنيف النجوم حسب سطوعها الظاهري.
- تقدير المسافات: يمكن استخدام القدر الظاهري والقدر المطلق لتقدير المسافة إلى النجوم والمجرات.
- دراسة الامتصاص بين النجوم: يمكن استخدام القدر الظاهري لدراسة الامتصاص بين النجوم.
- الكشف عن النجوم المتغيرة: يمكن استخدام القدر الظاهري للكشف عن النجوم المتغيرة، وهي النجوم التي يتغير سطوعها بمرور الوقت.
- اكتشاف الكواكب الخارجية: يمكن استخدام القدر الظاهري للكشف عن الكواكب الخارجية من خلال مراقبة الانخفاض الطفيف في سطوع النجم عندما يعبر الكوكب أمامه (طريقة العبور).
القدر الظاهري للأجرام الشائعة
فيما يلي أمثلة على القدر الظاهري لبعض الأجرام السماوية الشائعة:
- الشمس: -26.7
- القمر الكامل: -12.7
- الزهرة (في أقصى سطوع): -4.7
- المشتري (في أقصى سطوع): -2.9
- سيريوس (ألمع نجم في السماء): -1.46
- الحد الأقصى للرؤية بالعين المجردة في سماء مظلمة: حوالي +6
تحديات قياس القدر الظاهري
على الرغم من أن قياس القدر الظاهري يبدو بسيطًا من الناحية النظرية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب على الفلكيين التغلب عليها للحصول على قياسات دقيقة:
- الغلاف الجوي للأرض: يمتص الغلاف الجوي للأرض الضوء ويشتته، مما يؤثر على القدر الظاهري المقاس. يجب على الفلكيين تصحيح هذا التأثير.
- تلوث الضوء: يمكن لتلوث الضوء من المدن أن يجعل من الصعب قياس القدر الظاهري للأجرام الخافتة.
- الأجهزة: يجب معايرة المقاييس الضوئية بعناية لضمان الحصول على قياسات دقيقة.
- النجوم المتغيرة: يجب أن يكون الفلكيون على دراية بالنجوم المتغيرة عند قياس القدر الظاهري، حيث يمكن أن يتغير سطوع هذه النجوم بمرور الوقت.
خاتمة
القدر الظاهري هو مفهوم أساسي في علم الفلك يسمح لنا بقياس سطوع الأجرام السماوية كما نراها من الأرض. على الرغم من أن هذا المقياس يعتمد على عوامل متعددة، بما في ذلك المسافة والامتصاص، إلا أنه يوفر معلومات قيمة حول طبيعة وخصائص النجوم والمجرات والأجرام الأخرى في الكون. فهم القدر الظاهري ضروري لفهم العديد من الظواهر الفلكية وإجراء البحوث العلمية.