تشكيل اللجنة وتعيينها
في أوائل شهر يونيو من عام 1776، وفي خضم تصاعد التوترات مع بريطانيا العظمى، كان الكونجرس القاري الثاني مجتمعًا في فيلادلفيا لمناقشة مستقبل المستعمرات. وبعد نقاشات حادة، بدأت فكرة إعلان الاستقلال تكتسب زخمًا. وفي السابع من يونيو، قدم ريتشارد هنري لي، مندوب فيرجينيا، قرارًا تاريخيًا يدعو الكونجرس إلى إعلان استقلال المستعمرات المتحدة عن بريطانيا العظمى.
أدرك الكونجرس أهمية هذا القرار، وقرر تشكيل لجنة لصياغة وثيقة تشرح أسباب هذا الإعلان. وفي 11 يونيو 1776، تم تعيين لجنة الخمسة، المؤلفة من جون آدامز، وبنجامين فرانكلين، وتوماس جيفرسون، وروبرت ليفينغستون، وروجر شيرمان. كان الهدف من هذا التعيين هو جمع مجموعة من العقول اللامعة التي تمثل وجهات نظر وخبرات متنوعة، وتكليفها بمهمة صياغة إعلان الاستقلال.
- جون آدامز: محامٍ ومندوب من ماساتشوستس، عُرف بذكائه الحاد ودفاعه القوي عن الحقوق الاستعمارية.
- بنجامين فرانكلين: سياسي ودبلوماسي وعالم ومخترع بارز من بنسلفانيا، يحظى باحترام واسع النطاق بفضل حكمته وخبرته.
- توماس جيفرسون: محامٍ ومزارع ومندوب من فيرجينيا، اشتهر بأسلوبه الكتابي الأنيق وفهمه العميق للفلسفة السياسية.
- روبرت ليفينغستون: محامٍ وسياسي بارز من نيويورك، لعب دورًا مهمًا في الشؤون الاستعمارية.
- روجر شيرمان: رجل أعمال وسياسي من كونيتيكت، عُرف بحكمته العملية وقدرته على إيجاد حلول وسط.
اختيار توماس جيفرسون كمُعدّ رئيسي
بعد تشكيل اللجنة، كان عليهم أن يقرروا من سيتولى مهمة صياغة الوثيقة الأولية. بعد مداولات، تم تكليف توماس جيفرسون بهذه المسؤولية الحاسمة. كان جيفرسون معروفًا بمهاراته الكتابية الاستثنائية ومعرفته الواسعة بالفلسفة السياسية، مما جعله الخيار الأمثل لهذه المهمة. علاوة على ذلك، كان جيفرسون يتمتع بشخصية لطيفة وقدرة على العمل بفعالية مع الآخرين، وهما صفتان ضروريتان لضمان التوصل إلى توافق في الآراء داخل اللجنة.
على الرغم من أن جيفرسون كان أصغر أعضاء اللجنة، إلا أن خبرته في كتابة المقالات والخطابات السياسية كانت معروفة جيدًا. بالإضافة إلى ذلك، كان يتمتع بفهم عميق لحقوق الإنسان الطبيعية ومبادئ الحكم الذاتي، وهي المفاهيم التي أراد الكونجرس التأكيد عليها في إعلان الاستقلال. لذلك، وافقت اللجنة بالإجماع على أن جيفرسون هو الشخص الأنسب لصياغة المسودة الأولية للوثيقة التاريخية.
عملية الصياغة والمراجعة
بعد تكليفه بمهمة صياغة إعلان الاستقلال، انطلق توماس جيفرسون في العمل على الفور. استعان بمعرفته الواسعة بالفلسفة السياسية، وخاصة أفكار جون لوك، بالإضافة إلى إعلانات الحقوق الاستعمارية السابقة، لصياغة مسودة قوية ومقنعة. ركز جيفرسون على التأكيد على الحقوق الطبيعية للإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والحرية والسعي وراء السعادة، بالإضافة إلى تبرير حق المستعمرات في الانفصال عن بريطانيا العظمى بسبب سلسلة من المظالم المزعومة.
بعد أن أكمل جيفرسون المسودة الأولية، قدمها إلى بقية أعضاء اللجنة للمراجعة والتدقيق. اجتمع أعضاء اللجنة لمناقشة المسودة وإجراء التعديلات والتحسينات اللازمة. قدم كل عضو من أعضاء اللجنة مساهمات قيمة، بناءً على خبراتهم ووجهات نظرهم المتنوعة. على سبيل المثال، اقترح بنجامين فرانكلين عدة تغييرات طفيفة في الصياغة لتحسين وضوح الوثيقة وقوتها. وبالمثل، قدم جون آدامز اقتراحات قيمة بشأن الهيكل العام والحجج المقدمة في الإعلان.
كانت عملية المراجعة والتدقيق شاملة ودقيقة. عمل أعضاء اللجنة معًا بشكل تعاوني لضمان أن يعكس الإعلان بدقة مشاعر وأهداف الكونجرس القاري الثاني. تم أخذ كل كلمة وجملة في الاعتبار بعناية، وتم إجراء التغييرات اللازمة لضمان أن تكون الوثيقة قوية ومقنعة قدر الإمكان.
تقديم الإعلان إلى الكونجرس القاري
بعد الانتهاء من عملية الصياغة والمراجعة، قدمت لجنة الخمسة إعلان الاستقلال إلى الكونجرس القاري في 28 يونيو 1776. استقبل الكونجرس الإعلان باهتمام كبير، وبدأ على الفور في مناقشته ومناقشته بالتفصيل. على مدار عدة أيام، فحص أعضاء الكونجرس الوثيقة بعناية، واقترحوا المزيد من التعديلات والتحسينات.
كانت المناقشات حول إعلان الاستقلال مكثفة وشاملة. أعرب بعض المندوبين عن تحفظات بشأن جوانب معينة من الإعلان، بينما دافع آخرون عنه بحماس. ومع ذلك، بعد أيام من المناقشات، توصل الكونجرس في النهاية إلى توافق في الآراء بشأن النص النهائي للإعلان. في 4 يوليو 1776، صوت الكونجرس رسميًا على اعتماد إعلان الاستقلال، مما يمثل لحظة تاريخية في تاريخ الولايات المتحدة.
بعد اعتماد إعلان الاستقلال، تم إرساله إلى طابعة لطباعته وتوزيعه على نطاق واسع. تم إرسال نسخ من الإعلان إلى جميع أنحاء المستعمرات، حيث تم قراءتها بصوت عالٍ أمام الجمهور. أثار الإعلان حماسًا كبيرًا ووفر حافزًا جديدًا للقضية الثورية. كما ساعد على حشد الدعم الدولي للقضية الأمريكية، حيث سعت دول أخرى إلى فهم أسباب إعلان المستعمرات استقلالها.
تأثير لجنة الخمسة وإرثها
لعبت لجنة الخمسة دورًا حاسمًا في صياغة إعلان الاستقلال، وهي وثيقة محورية في التاريخ الأمريكي. من خلال الجمع بين خبراتهم ووجهات نظرهم المتنوعة، تمكنت اللجنة من إنشاء إعلان قوي ومقنع يعكس مشاعر وأهداف الكونجرس القاري الثاني. كان لإعلان الاستقلال تأثير عميق على مسار التاريخ الأمريكي، حيث ألهم أجيالًا من الأمريكيين للنضال من أجل الحرية والمساواة.
كان لأعضاء لجنة الخمسة مسيرة مهنية متميزة في حد ذاتها. أصبح جون آدامز ثاني رئيس للولايات المتحدة، بينما شغل توماس جيفرسون منصب الرئيس الثالث. أصبح بنجامين فرانكلين شخصية رائدة في حركة التنوير الأمريكية، ولعب دورًا مهمًا في تأمين الدعم الفرنسي للقضية الأمريكية. خدم روبرت ليفينغستون وروجر شيرمان في مناصب حكومية مهمة وساهموا في تطوير الأمة الجديدة.
لا تزال لجنة الخمسة تُذكر اليوم كرمز للتعاون والقيادة والالتزام بالمثل العليا للحرية والمساواة. يظل إعلان الاستقلال بمثابة شهادة قوية على قوة الأفكار وأهمية النضال من أجل الحرية. سيستمر إرث لجنة الخمسة في إلهام الأجيال القادمة من الأمريكيين في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
كانت لجنة الخمسة مجموعة من خمسة رجال لعبوا دورًا حاسمًا في تشكيل تاريخ الولايات المتحدة. من خلال صياغة إعلان الاستقلال، ساعدوا في إطلاق الأمة في طريقها نحو الحرية والديمقراطية. يظل إرثهم مصدر إلهام للأجيال القادمة.