خلفية الأحداث
في السنوات التي سبقت انتخابات عام 1928، شهدت روديسيا الجنوبية نقاشًا سياسيًا واجتماعيًا متزايدًا حول مستقبل البلاد. بعد حصولها على الحكم الذاتي في عام 1923، واجهت روديسيا الجنوبية خيارات صعبة بشأن علاقاتها مع بريطانيا وجيرانها في الجنوب. كان حزب الإصلاح، الذي كان في السلطة منذ عام 1923، يميل نحو الحفاظ على قدر أكبر من الاستقلالية داخل الإمبراطورية البريطانية، بينما دعا حزب روديسيا إلى اندماج أوثق مع جنوب إفريقيا، معتقدين أن ذلك سيجلب فوائد اقتصادية وأمنية.
كانت قضية الاندماج مع جنوب إفريقيا قضية خلافية بشدة. كان لدى البعض مخاوف بشأن السياسات العنصرية التي كانت سائدة في جنوب إفريقيا في ذلك الوقت، بينما رأى آخرون أن الاندماج هو الحل الأمثل للمشاكل الاقتصادية التي تواجه روديسيا الجنوبية. تفاقمت هذه الانقسامات بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية في أواخر العشرينات من القرن الماضي، مما زاد من حدة المخاوف بشأن مستقبل البلاد.
الأحزاب المتنافسة
- حزب الإصلاح: كان الحزب الحاكم بقيادة رئيس الوزراء هوارد أونزوورث موفات. دعا الحزب إلى الحفاظ على قدر أكبر من الاستقلالية داخل الإمبراطورية البريطانية وتطوير اقتصاد روديسيا الجنوبية بشكل مستقل.
- حزب روديسيا: كان حزبًا معارضًا جديدًا نسبيًا بقيادة السير تشارلز كوغلان (ابن رئيس الوزراء الأول لروديسيا الشمالية). دعا الحزب إلى اندماج أوثق مع جنوب إفريقيا، معتقدين أن ذلك سيجلب فوائد اقتصادية وأمنية.
- حزب العمال: كان يمثل مصالح العمال البيض في روديسيا الجنوبية. كان الحزب صغيرًا نسبيًا، لكنه لعب دورًا مهمًا في السياسة الروديسية في ذلك الوقت.
القضايا الرئيسية في الحملة الانتخابية
ركزت الحملة الانتخابية لعام 1928 بشكل أساسي على القضايا التالية:
- مستقبل روديسيا الجنوبية: كانت القضية المهيمنة هي مستقبل روديسيا الجنوبية وعلاقاتها مع الإمبراطورية البريطانية وجنوب إفريقيا. دعا حزب الإصلاح إلى الحفاظ على الاستقلالية، بينما دعا حزب روديسيا إلى الاندماج مع جنوب إفريقيا.
- الاقتصاد: كانت الأزمة الاقتصادية العالمية تؤثر على روديسيا الجنوبية، وكانت الأحزاب تتنافس على تقديم حلول لتحسين الاقتصاد.
- العلاقات العرقية: كانت العلاقات العرقية قضية حساسة في روديسيا الجنوبية، حيث كان السكان البيض يتمتعون بامتيازات كبيرة مقارنة بالسكان الأفارقة. لم يتم تناول هذه القضية بشكل مباشر في الحملة الانتخابية، ولكنها كانت حاضرة في الخلفية.
نتائج الانتخابات
أدت انتخابات عام 1928 إلى النتائج التالية:
- حزب الإصلاح: 12 مقعدًا
- حزب روديسيا: 11 مقعدًا
- حزب العمال: 3 مقاعد
- مستقلون: 4 مقاعد
لم يتمكن أي من الحزبين من تحقيق أغلبية ساحقة، مما أدى إلى برلمان معلق. اضطر حزب الإصلاح إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العمال والمستقلين للبقاء في السلطة. كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ روديسيا الجنوبية التي يتم فيها تشكيل حكومة ائتلافية.
تداعيات الانتخابات
كانت لانتخابات عام 1928 تداعيات كبيرة على روديسيا الجنوبية. أظهرت النتائج أن البلاد كانت منقسمة بشدة حول مسألة الاندماج مع جنوب إفريقيا. كما أظهرت أن حزب الإصلاح كان يفقد شعبيته، وأن حزب روديسيا كان يكتسب قوة.
استمرت الحكومة الائتلافية التي تم تشكيلها بعد الانتخابات حتى عام 1933، عندما تم حلها. في الانتخابات التي تلت ذلك، فاز حزب روديسيا بأغلبية ساحقة، وتولى السلطة. لم يتم الاندماج مع جنوب إفريقيا في نهاية المطاف، وظلت روديسيا الجنوبية مستعمرة بريطانية حتى إعلان الاستقلال من جانب واحد في عام 1965.
تحليل تفصيلي للنتائج
لتحليل نتائج انتخابات 1928 بشكل تفصيلي، يجب النظر إلى عدة عوامل:
أولاً: الانقسام الجغرافي. كان حزب الإصلاح يتمتع بدعم قوي في المناطق الريفية، بينما كان حزب روديسيا يتمتع بدعم قوي في المناطق الحضرية. يعكس هذا الانقسام الاختلافات في المصالح بين المزارعين ورجال الأعمال. كان المزارعون يفضلون الحفاظ على الاستقلالية لحماية مصالحهم الزراعية، بينما كان رجال الأعمال يعتقدون أن الاندماج مع جنوب إفريقيا سيجلب فرصًا اقتصادية جديدة.
ثانيًا: الدعم العرقي. كان حزب الإصلاح يتمتع بدعم قوي من السكان البيض من أصل بريطاني، بينما كان حزب روديسيا يتمتع بدعم قوي من السكان البيض من أصل أفريكاني. يعكس هذا الانقسام الاختلافات في الثقافة واللغة بين هاتين المجموعتين.
ثالثًا: دور حزب العمال. على الرغم من صغر حجمه، لعب حزب العمال دورًا مهمًا في السياسة الروديسية في ذلك الوقت. كان الحزب قادرًا على الحصول على ثلاثة مقاعد في البرلمان، وكان له تأثير كبير على تشكيل الحكومة الائتلافية.
رابعًا: دور المستقلين. فاز أربعة مستقلين بمقاعد في البرلمان. لعب هؤلاء المستقلون دورًا حاسمًا في تحديد نتائج الانتخابات، حيث كان عليهم أن يختاروا بين دعم حزب الإصلاح أو حزب روديسيا.
تأثير الأزمة الاقتصادية
لا يمكن إغفال تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على نتائج انتخابات عام 1928. كانت الأزمة الاقتصادية تؤثر بشدة على روديسيا الجنوبية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض أسعار السلع الزراعية. استغل حزب روديسيا هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لانتقاد حزب الإصلاح، مدعيًا أن الاندماج مع جنوب إفريقيا سيجلب حلولًا اقتصادية.
العلاقات العرقية وتأثيرها الخفي
على الرغم من أن العلاقات العرقية لم تكن قضية رئيسية في الحملة الانتخابية، إلا أنها كانت حاضرة في الخلفية. كان السكان البيض يتمتعون بامتيازات كبيرة مقارنة بالسكان الأفارقة، وكان هناك قلق متزايد بشأن مستقبل العلاقات العرقية في روديسيا الجنوبية. ربما أثرت هذه المخاوف على كيفية تصويت بعض الناخبين، على الرغم من أنها لم يتم التعبير عنها صراحة.
تطورات لاحقة
بعد انتخابات عام 1928، استمر النقاش حول مستقبل روديسيا الجنوبية. في عام 1930، تم إجراء استفتاء حول مسألة الاندماج مع جنوب إفريقيا. صوت غالبية الناخبين ضد الاندماج، مما أنهى هذه القضية إلى حد كبير. ومع ذلك، ظلت قضية العلاقات مع الإمبراطورية البريطانية قضية مهمة في السياسة الروديسية حتى إعلان الاستقلال من جانب واحد في عام 1965.
خاتمة
كانت انتخابات روديسيا الجنوبية العامة لعام 1928 حدثًا حاسمًا في تاريخ البلاد. أظهرت الانتخابات أن روديسيا الجنوبية كانت منقسمة بشدة حول مسألة مستقبلها، وأن حزب الإصلاح كان يفقد شعبيته. أدت نتائج الانتخابات إلى تشكيل حكومة ائتلافية غير مستقرة، واستمر النقاش حول مستقبل البلاد لسنوات عديدة بعد ذلك. تعكس هذه الانتخابات التحديات المعقدة التي واجهت روديسيا الجنوبية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وكيف شكلت تلك التحديات مستقبل البلاد.