مقدمة
ستيفن ويليام كوفلر (24 أغسطس 1913 – 11 أكتوبر 1980) كان عالم وظائف الأعضاء العصبية هنغاريًا أمريكيًا. غالبًا ما يُشار إليه بأنه مؤسس علم الأعصاب الحديث، وقد قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للتشابكات العصبية، والخلايا الدبقية، ومعالجة المعلومات الحسية. تركز عمله الرائد على النظام البصري، وتحديداً شبكية العين، وكشف عن الآليات التي تستخدمها الخلايا العصبية لاستقبال ومعالجة ونقل المعلومات البصرية.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد ستيفن كوفلر في 24 أغسطس 1913 في باب، وهي بلدة صغيرة في المجر (النمسا-المجر آنذاك). كان والده طبيبًا، وتأثر كوفلر الشاب بوالده وعمله. تلقى تعليمه المبكر في فيينا، النمسا، حيث انتقلت عائلته عندما كان طفلاً.
بعد الانتهاء من المدرسة الثانوية، التحق كوفلر بكلية الطب في جامعة فيينا. خلال فترة وجوده في الجامعة، أصبح مفتونًا بعلم وظائف الأعضاء وعلم الأعصاب. حصل على شهادته في الطب عام 1937.
في عام 1938، بعد ضم النمسا من قبل ألمانيا النازية، هاجر كوفلر إلى أستراليا. وهناك، عمل باحثًا في معهد كانينغ للبحوث الطبية في سيدني. بدأ التحقيق في خصائص الخلايا العصبية في شبكية العين للحيوانات.
المسيرة المهنية
في عام 1946، انتقل كوفلر إلى الولايات المتحدة وانضم إلى مختبر علم وظائف الأعضاء العصبية في مستشفى جونز هوبكنز في بالتيمور. أصبح أستاذاً في علم وظائف الأعضاء في عام 1949، وترأس قسم علم الأدوية من 1960 إلى 1966.
خلال فترة وجوده في جامعة جونز هوبكنز، واصل كوفلر أبحاثه حول النظام البصري. اكتشف أن الخلايا العصبية في شبكية العين لديها حقول استقبالية، وهي مناطق محددة من شبكية العين عندما يتم تحفيزها، فإنها ستؤدي إلى استجابة الخلية العصبية. أظهر أيضًا أن هذه الحقول الاستقبالية يمكن أن تكون من نوعين: “تشغيل المركز/إيقاف المحيط” أو “إيقاف المركز/تشغيل المحيط”. وهذا يعني أن بعض الخلايا العصبية يتم تنشيطها بواسطة الضوء في مركز حقلها الاستقبالي وتثبيطها بواسطة الضوء في محيطها، بينما يحدث العكس بالنسبة للخلايا العصبية الأخرى.
في عام 1966، انتقل كوفلر إلى جامعة هارفارد، حيث أسس قسم علم الأحياء العصبية. وقد كان هذا القسم رائدًا في مجال علم الأعصاب، وجذب طلابًا وباحثين موهوبين من جميع أنحاء العالم. بقي كوفلر في جامعة هارفارد حتى وفاته في عام 1980.
أهم الإنجازات والاكتشافات
تشمل أهم مساهمات ستيفن كوفلر في علم الأعصاب:
- اكتشاف الحقول الاستقبالية: اكتشف كوفلر أن الخلايا العصبية في شبكية العين لديها حقول استقبالية، وهي مناطق محددة من شبكية العين عندما يتم تحفيزها، فإنها ستؤدي إلى استجابة الخلية العصبية. كان هذا اكتشافًا مهمًا لأنه أظهر أن الخلايا العصبية لا تستجيب للضوء بشكل عشوائي، ولكنها تستجيب لأنماط محددة من الضوء.
- تحديد أنواع الحقول الاستقبالية: حدد كوفلر نوعين من الحقول الاستقبالية: “تشغيل المركز/إيقاف المحيط” أو “إيقاف المركز/تشغيل المحيط”. وقد ساعد هذا الاكتشاف في شرح كيفية معالجة شبكية العين للمعلومات البصرية.
- دور الخلايا الدبقية: اكتشف كوفلر أن الخلايا الدبقية، وهي خلايا غير عصبية في الدماغ، تلعب دورًا مهمًا في وظيفة الدماغ. أظهر أن الخلايا الدبقية يمكن أن تنظم البيئة خارج الخلية للخلايا العصبية، ويمكن أن تؤثر أيضًا على النشاط المشبكي.
- تأثير التشابكات العصبية: درس كوفلر بشكل مكثف الآليات الفيزيولوجية الكهربية للإشارات المشبكية، خاصة في نقاط الاشتباك العصبي العضلي. اكتشف أن الناقل العصبي أستيل كولين يتسبب في إزالة استقطاب الغشاء الليفي العضلي، مما يؤدي إلى تقلص العضلات. ساعدت هذه الدراسات في وضع الأساس لفهمنا الحديث لنقل الإشارات المشبكية.
التأثير والإرث
كان لعمل ستيفن كوفلر تأثير عميق على مجال علم الأعصاب. ساعدت اكتشافاته في فهمنا لكيفية معالجة الدماغ للمعلومات الحسية، وكيف تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض. كان لعمله أيضًا تأثير كبير على تطوير علاجات جديدة للأمراض العصبية.
تخرج العديد من علماء الأعصاب البارزين من مختبر كوفلر، وأصبحوا قادة في هذا المجال بأنفسهم. كان من بين هؤلاء ديفيد هوبل وتورستن ويزل، اللذان حصلا على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب في عام 1981 لعملهما في النظام البصري. يوضح هذا التأثير العميق الذي أحدثه كوفلر على تطوير علم الأعصاب الحديث.
الجوائز والتكريمات
حصل ستيفن كوفلر على العديد من الجوائز والتكريمات لعمله، بما في ذلك:
- جائزة لويزا غروس هورويتز من جامعة كولومبيا (1976)
- جائزة ديكسون في الطب (1979)
- جائزة رالف دبليو جيرارد في علم الأعصاب (1979)
- عضوية الأكاديمية الوطنية للعلوم
- عضوية الجمعية الملكية
الحياة الشخصية
تزوج ستيفن كوفلر من فيليس كوفلر، وأنجبا ثلاثة أطفال. كان يتمتع بسمعة طيبة لكونه مرشدًا وداعمًا، وشجع طلابه على متابعة أفكارهم الخاصة. كان أيضًا موسيقيًا ماهرًا، وكان يعزف على البيانو والكمان.
وفاته
توفي ستيفن كوفلر في 11 أكتوبر 1980، عن عمر يناهز 67 عامًا، بسبب سرطان الرئة. لقد كان خسارة كبيرة لمجتمع علم الأعصاب. لقد ترك وراءه إرثًا من الاكتشافات والاختراقات التي شكلت مجال علم الأعصاب الحديث.
خاتمة
كان ستيفن كوفلر عالم أعصاب رائدًا قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للدماغ والجهاز العصبي. ساعدت اكتشافاته في فهمنا لكيفية معالجة الدماغ للمعلومات الحسية، وكيف تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض. كان لعمله أيضًا تأثير كبير على تطوير علاجات جديدة للأمراض العصبية. يعتبر ستيفن كوفلر شخصية محورية في تاريخ علم الأعصاب، وسيظل عمله يلهم الباحثين في هذا المجال لسنوات قادمة.