تاريخ التطوير
بدأ تطوير دبليو 84 في أوائل الثمانينيات استجابة لحاجة الجيش الأمريكي إلى رأس حربي نووي أكثر أمانًا وموثوقية لصاروخ كروز الأرضي بي جي إم-109 جي جرايفون. كان الهدف هو استبدال الرأس الحربي دبليو 80 المستخدم في صواريخ كروز الأخرى، وذلك بتصميم يوفر أمانًا محسنًا ضد الحوادث العرضية وتخزينًا أسهل.
تم تصميم دبليو 84 في مختبر لورانس ليفرمور الوطني (LLNL)، وهو أحد مختبرين الأسلحة النووية الرئيسيين في الولايات المتحدة. تميز التصميم الجديد بتركيز كبير على ميزات السلامة، بما في ذلك استخدام متفجرات غير حساسة (IHE) لتقليل خطر التفجير العرضي. كما تضمن نظام أمان محسّن لمنع التفجير غير المصرح به.
بعد سلسلة من الاختبارات والتجارب الناجحة، تم الإنتاج الكامل لدبليو 84 في عام 1985. تم تصنيع ما يقدر بنحو 325 رأسًا حربيًا، وتم نشرها مع صواريخ جرايفون في قواعد في أوروبا الغربية، وخاصة في ألمانيا الغربية والمملكة المتحدة وإيطاليا.
التصميم والمواصفات
كان دبليو 84 رأسًا حربيًا نوويًا حراريًا مصممًا لإنتاج قوة تفجيرية متغيرة، تتراوح بين 0.2 كيلوطن إلى 150 كيلوطن. تم تحقيق هذه المرونة من خلال آلية تتيح تغيير كمية المواد الانشطارية المستخدمة في التفجير. هذا سمح للقادة العسكريين بتكييف القوة التفجيرية لتناسب الهدف المحدد، مما يقلل من الأضرار الجانبية المحتملة.
المواصفات الرئيسية لدبليو 84:
- النوع: رأس حربي نووي حراري
- الوزن: حوالي 388 رطلاً (176 كجم)
- الطول: 13 بوصة (33 سم)
- القطر: 11 بوصة (28 سم)
- القوة التفجيرية: قابلة للتعديل، من 0.2 كيلوطن إلى 150 كيلوطن
- الناقل: صاروخ كروز الأرضي بي جي إم-109 جي جرايفون
تم تصميم دبليو 84 مع التركيز على السلامة والأمن. استخدم متفجرات غير حساسة (IHE) لتقليل خطر التفجير العرضي في حالة وقوع حادث. كما تضمن نظام أمان معقدًا لمنع التفجير غير المصرح به. تم تصميم هذه الميزات لضمان عدم إمكانية تفجير السلاح إلا بأمر من السلطات المختصة.
النشر والانسحاب
تم نشر دبليو 84 مع صواريخ كروز الأرضية بي جي إم-109 جي جرايفون في قواعد في أوروبا الغربية خلال الثمانينيات. كان الهدف من هذا النشر هو مواجهة التهديد السوفيتي، وخاصة صواريخ إس إس-20 متوسطة المدى. تم نشر صواريخ جرايفون في ألمانيا الغربية والمملكة المتحدة وإيطاليا، مما يوفر للناتو قدرة ردع نووي إضافية.
ومع ذلك، فإن نشر صواريخ جرايفون أثار جدلاً كبيرًا. اعتبر الكثيرون أن الصواريخ تشكل تهديدًا لاستقرار أوروبا، حيث يمكن إطلاقها في غضون مهلة قصيرة جدًا. أدت الاحتجاجات واسعة النطاق إلى مفاوضات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بهدف الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى.
في عام 1987، تم التوقيع على معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (INF Treaty) بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. حظرت المعاهدة جميع الصواريخ النووية والتقليدية التي تطلق من الأرض والتي يتراوح مداها بين 500 و 5500 كيلومتر. ونتيجة لذلك، كان على كلا البلدين إزالة وتدمير صواريخهما متوسطة المدى.
كجزء من معاهدة INF، تم سحب صواريخ كروز الأرضية بي جي إم-109 جي جرايفون ورؤوسها الحربية دبليو 84 من الخدمة. بحلول عام 1991، تم تدمير جميع صواريخ جرايفون ورؤوسها الحربية، مما أنهى وجود دبليو 84 في الترسانة النووية الأمريكية.
الأمان والتخزين
نظرًا للطبيعة الحساسة للأسلحة النووية، فقد تم تصميم دبليو 84 مع التركيز الشديد على الأمان والتخزين الآمن. تم تخزين الرؤوس الحربية في مواقع آمنة للغاية، تخضع لحراسة مشددة وتدابير أمنية صارمة. تم تصميم هذه التدابير لمنع السرقة أو الوصول غير المصرح به أو التفجير العرضي.
تضمنت ميزات الأمان في دبليو 84 ما يلي:
- المتفجرات غير الحساسة (IHE): تقليل خطر التفجير العرضي في حالة وقوع حادث.
- نظام الأمان المحسن (EAS): منع التفجير غير المصرح به.
- الأقفال الأمنية: منع الوصول غير المصرح به إلى المكونات الحساسة.
- مراقبة البيئة: ضمان تخزين الرأس الحربي في الظروف المثالية.
بالإضافة إلى التدابير الأمنية المادية، تم تدريب الأفراد الذين تعاملوا مع دبليو 84 على إجراءات صارمة لضمان سلامتهم وسلامة السلاح. تم التأكيد على الالتزام الصارم بالبروتوكولات والإجراءات لمنع وقوع الحوادث.
الإرث
على الرغم من أن دبليو 84 لم تعد قيد الاستخدام، إلا أنها تظل جزءًا مهمًا من تاريخ الأسلحة النووية. كان تطويرها ونشرها وسحبها نتيجة لمعاهدة INF علامة فارقة في جهود الحد من التسلح خلال الحرب الباردة. يمثل دبليو 84 مثالًا على كيف يمكن للتكنولوجيا النووية أن تتطور بسرعة، وكيف يمكن للمعاهدات الدولية أن تلعب دورًا حاسمًا في السيطرة على انتشار الأسلحة النووية.
كما لعب دبليو 84 دورًا في تطوير تكنولوجيا السلامة النووية. أدى التركيز على المتفجرات غير الحساسة وأنظمة الأمان المحسنة إلى تحسين سلامة الأسلحة النووية الأخرى. ساهمت الدروس المستفادة من تصميم وإنتاج دبليو 84 في تطوير أسلحة نووية أكثر أمانًا وموثوقية.
مستقبل الأسلحة النووية
إن مستقبل الأسلحة النووية غير مؤكد. على الرغم من جهود الحد من التسلح، لا تزال هناك عدة دول تمتلك أسلحة نووية. إن خطر الانتشار النووي لا يزال قائماً، وهناك قلق من أن دولًا أخرى قد تسعى إلى تطوير أسلحة نووية في المستقبل.
ومع ذلك، هناك أيضًا أسباب للتفاؤل. استمرت الجهود الدبلوماسية للحد من انتشار الأسلحة النووية، وهناك وعي متزايد بأهوال الحرب النووية. يأمل الكثيرون في أن يؤدي استمرار الحوار والتعاون الدوليين إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية.
خاتمة
كان دبليو 84 رأسًا حربيًا نوويًا حراريًا أمريكيًا مصممًا للاستخدام على صاروخ كروز الأرضي بي جي إم-109 جي جرايفون. تم تطويره في مختبر لورانس ليفرمور الوطني، ودخل الخدمة في عام 1985 وتم سحبه في عام 1991 كنتيجة لمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى (INF Treaty). على الرغم من أنه لم يعد قيد الاستخدام، إلا أن دبليو 84 يظل جزءًا مهمًا من تاريخ الأسلحة النووية، ويمثل علامة فارقة في جهود الحد من التسلح خلال الحرب الباردة. كما لعب دورًا في تطوير تكنولوجيا السلامة النووية، وساهمت الدروس المستفادة من تصميمه وإنتاجه في تطوير أسلحة نووية أكثر أمانًا وموثوقية.