مقدمة
ألساندرو جوزيبي أنطونيو أناستازيو فولتا (بالإيطالية: Alessandro Giuseppe Antonio Anastasio Volta) (18 فبراير 1745 – 5 مارس 1827) كان عالم فيزياء وكيمياء إيطاليًا، يُنسب إليه اختراع البطارية الكهربائية وتطويرها، وهو الإنجاز الذي أحدث ثورة في مجال الكهرباء. قبل اختراع فولتا للبطارية، كان العلماء يعتمدون على طرق مثل الاحتكاك لتوليد الكهرباء الساكنة، وهي طرق محدودة وغير عملية لتجارب مستدامة. فتح اختراع الفولتا إمكانيات جديدة للدراسة والتطبيق العملي للظواهر الكهربائية.
نشأته وتعليمه
ولد ألساندرو فولتا في كومو، وهي بلدة تقع في منطقة لومبارديا شمال إيطاليا، لعائلة تنتمي إلى طبقة النبلاء. تلقى تعليمه في البداية في المنزل، ثم التحق بمدرسة دينية. على الرغم من ذلك، سرعان ما أظهر اهتمامًا كبيرًا بالعلوم، وتحديدًا الكهرباء. بدلاً من اتباع المسار الديني الذي خططته له عائلته، قرر فولتا تكريس نفسه لدراسة العلوم، وهو قرار أثبت أنه سيغير مسار التاريخ العلمي.
في شبابه، أجرى فولتا العديد من التجارب الكهربائية، مستفيدًا من أي فرصة متاحة له للتعمق في هذا المجال الناشئ. لم تكن هذه التجارب مجرد هواية، بل كانت بمثابة الأساس الذي بنيت عليه اكتشافاته اللاحقة.
اختراع المكثف
في سبعينيات القرن الثامن عشر، بدأ فولتا في التركيز على دراسة المكثفات، وهي الأجهزة التي تخزن الشحنات الكهربائية. قام بتحسين تصميم المكثف الموجود آنذاك، مكثف ليدن، عن طريق استبدال الماء الموجود بداخله بلوحين معدنيين مفصولين بطبقة عازلة. هذا التصميم الجديد جعل المكثف أكثر كفاءة وقدرة على تخزين كميات أكبر من الشحنات الكهربائية.
يعتبر اختراع فولتا للمكثف المحسن خطوة مهمة نحو فهم وتطوير الأجهزة الكهربائية. لقد مهد الطريق لاختراعه الأعظم، البطارية الفولتية.
الخلاف مع غالڤاني
في أواخر القرن الثامن عشر، اندلع جدل علمي بين فولتا والعالم الإيطالي لويجي غالڤاني. كان غالڤاني قد اكتشف أن أرجل الضفادع الميتة تتقلص عند ملامستها لمعدنين مختلفين. فسر غالڤاني هذه الظاهرة على أنها دليل على وجود “كهرباء حيوانية” داخل الأنسجة الحية.
عارض فولتا تفسير غالڤاني، واقترح أن الكهرباء لم تأت من الحيوان نفسه، بل من التفاعل بين المعدنين المختلفين والرطوبة الموجودة في الأنسجة. أجرى فولتا سلسلة من التجارب لدعم فرضيته، مما أدى في النهاية إلى اختراع البطارية الكهربائية.
اختراع البطارية الكهربائية (العمود الفولتي)
في عام 1800، قدم فولتا اختراعه الشهير، البطارية الفولتية (Pile Voltaique)، إلى الجمعية الملكية في لندن. تتكون البطارية من أقراص من الزنك والنحاس مكدسة فوق بعضها البعض، مفصولة بقطعة قماش مبللة بمحلول ملحي. أظهر فولتا أن هذا الجهاز قادر على إنتاج تيار كهربائي مستمر، وهو ما لم يكن ممكنًا من قبل.
أحدث اختراع البطارية الكهربائية ثورة في مجال الكهرباء. لأول مرة، أصبح لدى العلماء مصدر موثوق وثابت للكهرباء، مما فتح الباب أمام تجارب واكتشافات جديدة. تم استخدام البطارية الفولتية في مجموعة متنوعة من التطبيقات، من التجارب العلمية إلى التلغرافات المبكرة.
- أهمية الاختراع: يعتبر اختراع البطارية الكهربائية علامة فارقة في تاريخ العلوم والتكنولوجيا. لقد وفر للعلماء أداة قوية لدراسة الكهرباء وتطبيقاتها، ومهد الطريق لاختراعات مثل المحركات الكهربائية والمصابيح الكهربائية وغيرها الكثير.
- تركيب البطارية: تتكون البطارية الفولتية من خلايا متراصة، وكل خلية تتكون من قرصين معدنيين مختلفين (عادةً الزنك والنحاس) يفصل بينهما إلكتروليت (محلول ملحي أو حمضي). التفاعل الكيميائي بين المعدنين والإلكتروليت ينتج فرق جهد كهربائي بين القرصين.
- مبدأ العمل: يعتمد عمل البطارية على تفاعلات الأكسدة والاختزال. يتأكسد الزنك (يفقد إلكترونات) عند القطب السالب، بينما تختزل أيونات الهيدروجين (تكتسب إلكترونات) عند القطب الموجب. هذا التفاعل يخلق تدفقًا للإلكترونات عبر الدائرة الخارجية، مما ينتج تيارًا كهربائيًا.
تكريمه والجوائز
حظي ألساندرو فولتا بالعديد من التكريمات والجوائز خلال حياته المهنية. في عام 1801، استدعاه نابليون بونابرت إلى باريس لعرض اختراعه. أعجب نابليون بالبطارية الفولتية لدرجة أنه منح فولتا لقب كونت وعينه عضوًا في مجلس الشيوخ الإيطالي.
تكريمًا لإسهاماته في مجال الكهرباء، تم تسمية وحدة قياس الجهد الكهربائي “فولت” (Volt) على اسمه.
إسهامات أخرى
بالإضافة إلى اختراع البطارية الكهربائية، قدم فولتا إسهامات كبيرة في مجالات أخرى من الفيزياء والكيمياء، بما في ذلك:
- دراسة الغازات: اكتشف فولتا غاز الميثان وطور طريقة لعزله وتجميعه.
- المقياس الكهربائي: قام فولتا بتطوير أنواع مختلفة من المقاييس الكهربائية لقياس الشحنات الكهربائية.
- نظرية السعة الكهربائية: ساهم فولتا في تطوير فهمنا للسعة الكهربائية، وهي قدرة الجسم على تخزين الشحنات الكهربائية.
تأثيره على العلم والتكنولوجيا
لا يمكن المبالغة في تقدير تأثير ألساندرو فولتا على العلم والتكنولوجيا. لقد فتح اختراعه للبطارية الكهربائية آفاقًا جديدة للبحث والتطوير في مجال الكهرباء، ومهد الطريق للعديد من الاختراعات والاكتشافات اللاحقة. تعتبر البطارية الكهربائية اليوم جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حيث تستخدم في مجموعة واسعة من التطبيقات، من الأجهزة المحمولة إلى السيارات الكهربائية.
السنوات الأخيرة ووفاته
قضى فولتا سنواته الأخيرة في عزلة في منزله في كومو، حيث واصل إجراء التجارب والدراسات العلمية. توفي في 5 مارس 1827 عن عمر يناهز 82 عامًا.
إرثه
لا يزال إرث ألساندرو فولتا حيًا حتى اليوم. يُذكر كواحد من أعظم العلماء في التاريخ، ومساهماته في مجال الكهرباء لا تزال تلهم العلماء والمهندسين في جميع أنحاء العالم. اسمه محفور في التاريخ العلمي إلى الأبد، وسيظل اختراعه للبطارية الكهربائية يمثل نقطة تحول في مسيرة التقدم البشري.
خاتمة
كان ألساندرو فولتا عالمًا فيزيائيًا وكيميائيًا إيطاليًا بارزًا، اشتهر باختراعه البطارية الكهربائية، وهي إنجاز غير مسار العلوم والتكنولوجيا. من خلال تفننه في التجارب ورؤيته الثاقبة، تمكن فولتا من تقديم مساهمات جوهرية في فهمنا للكهرباء وتطبيقاتها. لا تزال إسهاماته تلهم العلماء والمهندسين حتى يومنا هذا، ويُعتبر اختراعه للبطارية الكهربائية حجر الزاوية في التكنولوجيا الحديثة.