مقدمة
العُقاب النساري (Pandion haliaetus) هو طائر جارح متوسط إلى كبير الحجم، وهو متخصص في أكل الأسماك وله توزيع عالمي. تعرضت الأنواع الفرعية الأوروبية لانخفاض حاد في أعدادها خلال القرن العشرين، ولكن بفضل جهود الحماية المكثفة، شهدت أعدادها انتعاشًا ملحوظًا، خاصة في بريطانيا العظمى.
تاريخ العُقاب النساري في بريطانيا
كان العُقاب النساري ذات يوم من الطيور الشائعة في جميع أنحاء بريطانيا، ولكن بحلول أوائل القرن العشرين، انقرضت كطائر تكاثر بسبب الاضطهاد البشري، وخاصة من قبل جامعي البيض والرماة. آخر عش تكاثر معروف في إنجلترا كان في عام 1840، بينما تم تدمير آخر عش تكاثر معروف في اسكتلندا في عام 1916 بالقرب من بحيرة لوموند.
بدأ العُقاب النساري في العودة إلى بريطانيا في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما بدأت الطيور المهاجرة من الدول الاسكندنافية في التوقف في اسكتلندا. في عام 1954، تم إنشاء أول عش ناجح في بحيرة غارتن بمقاطعة أنجوس. لعبت السيدة دافني واردلي دورًا حاسمًا في حماية هذا العش الأول، حيث أقامت حراسة على مدار الساعة لحمايته من جامعي البيض المحتملين.
منذ ذلك الحين، استمر عدد العُقاب النساري في بريطانيا في الازدياد بشكل مطرد. تم بذل جهود كبيرة لحماية أعشاشها وتوفير مواقع تعشيش مناسبة. وتشمل هذه الجهود توفير منصات تعشيش اصطناعية، ورصد الأعشاش بانتظام، وتثقيف الجمهور حول أهمية حماية هذه الطيور الرائعة.
جهود الحماية والنجاح
كانت جهود الحماية المبكرة حاسمة في نجاح عودة العُقاب النساري إلى بريطانيا. تضافرت جهود العديد من المنظمات والأفراد لحماية هذه الطيور من الاضطهاد وضمان حصولها على مواقع تعشيش آمنة. تشمل بعض المنظمات الرئيسية التي شاركت في هذه الجهود الجمعية الملكية لحماية الطيور (RSPB) وصندوق الغابات و Scottish Natural Heritage.
تشمل استراتيجيات الحماية الرئيسية ما يلي:
- حماية الأعشاش: مراقبة الأعشاش بانتظام لحمايتها من الاضطهاد أو التخريب.
- توفير منصات تعشيش اصطناعية: إنشاء منصات تعشيش آمنة ومناسبة في المواقع التي يحتمل أن تتكاثر فيها العُقاب النساري.
- تثقيف الجمهور: زيادة الوعي بأهمية حماية العُقاب النساري وتشجيع الناس على الإبلاغ عن أي نشاط مشبوه.
- التعاون مع أصحاب الأراضي: العمل مع أصحاب الأراضي لضمان إدارة الأراضي بطريقة صديقة للعُقاب النساري.
بفضل هذه الجهود، ازداد عدد العُقاب النساري في بريطانيا بشكل ملحوظ. يوجد الآن أكثر من 250 زوجًا من العُقاب النساري تتكاثر في بريطانيا، معظمها في اسكتلندا. ومع ذلك، تتوسع أيضًا إلى أجزاء أخرى من بريطانيا، مثل إنجلترا وويلز.
سلوك العُقاب النساري
العُقاب النساري طائر جارح رشيق وقوي. يتميز بجناحيه الطويلين والضيقين ومنقاره المعقوف الحاد. يتميز أيضًا برؤيته الحادة للغاية، والتي يستخدمها لتحديد موقع الأسماك في الماء.
العُقاب النساري هو صياد متخصص للأسماك. يطير فوق الماء بحثًا عن الأسماك، وعندما يحدد موقع فريسة، فإنه يغوص بسرعة نحو الماء ويمسك بالسمكة بمخالبه القوية. غالبًا ما يطير العُقاب النساري بالسمكة ووجهها للأمام لتقليل مقاومة الرياح.
العُقاب النساري طائر مهاجر. يقضي فصل الشتاء في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ويعود إلى بريطانيا في الربيع للتكاثر. غالبًا ما يعود العُقاب النساري إلى نفس موقع التعشيش عامًا بعد عام.
موطن العُقاب النساري
يفضل العُقاب النساري العيش بالقرب من المسطحات المائية الكبيرة، مثل البحيرات والأنهار والسواحل. يحتاج إلى الوصول إلى المياه الصافية الغنية بالأسماك لضمان حصوله على الغذاء الكافي. كما يحتاج إلى وجود أشجار أو هياكل أخرى مناسبة لبناء أعشاشه.
تعتبر الغابات الصنوبرية مثالية للعُقاب النساري، حيث توفر أشجارًا طويلة وقوية لبناء الأعشاش. ومع ذلك، يمكن للعُقاب النساري أيضًا أن يعشش في مناطق أخرى، مثل المستنقعات والأراضي الزراعية، طالما أنها تلبي احتياجاته من الغذاء ومواقع التعشيش.
تهديدات للعُقاب النساري
على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته جهود الحماية، لا يزال العُقاب النساري يواجه بعض التهديدات في بريطانيا. تشمل هذه التهديدات ما يلي:
- الاضطهاد: على الرغم من أن الاضطهاد المباشر أقل شيوعًا مما كان عليه في الماضي، إلا أنه لا يزال يشكل تهديدًا للعُقاب النساري، خاصة في بعض المناطق.
- تدمير الموائل: يمكن أن يؤدي تدمير الموائل المناسبة للعُقاب النساري إلى تقليل عدد مواقع التعشيش المتاحة وتقليل إمدادات الغذاء.
- التلوث: يمكن أن يؤثر التلوث في المسطحات المائية على إمدادات الأسماك ويؤثر سلبًا على صحة العُقاب النساري.
- التغير المناخي: يمكن أن يؤثر التغير المناخي على توزيع الأسماك وأنماط الهجرة للعُقاب النساري.
مشاهدة العُقاب النساري
هناك العديد من الأماكن في بريطانيا حيث يمكن للناس مشاهدة العُقاب النساري. تشمل بعض المواقع الأكثر شعبية ما يلي:
- بحيرة غارتن، اسكتلندا: هي أول موقع تعشيش ناجح للعُقاب النساري في بريطانيا، ولا يزال موقعًا مهمًا للتكاثر حتى اليوم. يوجد مركز للزوار حيث يمكن للناس مشاهدة العُقاب النساري عن قرب.
- منتجع كوينتري، اسكتلندا: هو موقع آخر مهم للعُقاب النساري في اسكتلندا. يوجد مركز للزوار حيث يمكن للناس مشاهدة العُقاب النساري عن قرب.
- محمية باوزي فورث الطبيعية، اسكتلندا: هي محمية طبيعية حيث يمكن للناس مشاهدة العُقاب النساري وهي تصطاد الأسماك في نهر تاي.
- مشروع العُقاب النساري في روتلاند ووتر، إنجلترا: هو مشروع ناجح لإعادة إدخال العُقاب النساري إلى إنجلترا. يوجد مركز للزوار حيث يمكن للناس مشاهدة العُقاب النساري عن قرب.
عند مشاهدة العُقاب النساري، من المهم احترام الطيور وموطنها. يجب على الناس الابتعاد عن الأعشاش وعدم إزعاج الطيور بأي شكل من الأشكال. يجب على الناس أيضًا اتباع أي إرشادات أو تعليمات مقدمة من قبل موظفي المحمية.
خاتمة
يمثل انتعاش العُقاب النساري في بريطانيا قصة نجاح رائعة في مجال الحفاظ على البيئة. بفضل جهود الحماية المستمرة، ازداد عدد هذه الطيور الرائعة بشكل ملحوظ، وأصبحت الآن مرة أخرى مشهدًا شائعًا في العديد من المناطق. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لحماية العُقاب النساري وموطنه وضمان استمرار ازدهار هذه الطيور في المستقبل.