التأسيس والنشأة
تعود جذور تنظيم القاعدة إلى فترة الحرب السوفيتية في أفغانستان في الثمانينيات. حيث تدفق آلاف المتطوعين المسلمين من مختلف أنحاء العالم، بدعم من الولايات المتحدة وباكستان، لمساعدة المجاهدين الأفغان في قتال القوات السوفيتية. كان من بين هؤلاء المتطوعين أسامة بن لادن، وهو شاب سعودي ثري، وعبد الله عزام، وهو داعية فلسطيني.
أسس بن لادن وعزام “مكتب الخدمات” في بيشاور، باكستان، لتقديم الدعم المالي واللوجستي للمجاهدين. بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان عام 1989، تحول تركيز بن لادن وعزام إلى قضايا أخرى، مثل دعم الحركات الإسلامية في دول أخرى ومحاربة النفوذ الأمريكي في العالم الإسلامي. اغتيل عبد الله عزام في عام 1989، وتولى أسامة بن لادن قيادة التنظيم بشكل كامل.
في عام 1996، أعلن بن لادن “الحرب على الولايات المتحدة”، متهماً إياها باحتلال الأراضي المقدسة في السعودية ودعم الأنظمة الفاسدة في العالم الإسلامي. بدأ التنظيم في تنفيذ سلسلة من الهجمات ضد أهداف أمريكية، بما في ذلك تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، وتفجير المدمرة الأمريكية كول في عام 2000.
أيديولوجيا التنظيم
تستند أيديولوجيا تنظيم القاعدة إلى تفسير متطرف للإسلام السني، يتبنى مفهوم الجهاد العالمي ويعتبر العنف وسيلة مشروعة لتحقيق أهدافه. يرى التنظيم أن العالم منقسم إلى معسكرين: معسكر الإسلام ومعسكر الكفر، وأن المسلمين ملزمون بمحاربة الكفار حتى يسود الإسلام في جميع أنحاء العالم.
يعتبر التنظيم أن الأنظمة الحاكمة في معظم الدول الإسلامية مرتدة عن الإسلام، لأنها لا تحكم بالشريعة الإسلامية وتتعاون مع الغرب. ويدعو إلى إسقاط هذه الأنظمة وإقامة دولة إسلامية عالمية تحكم بالشريعة. كما يرفض التنظيم الديمقراطية والعلمانية والقومية، ويعتبرها أفكاراً غربية تتعارض مع الإسلام.
تستند أيديولوجية التنظيم إلى كتابات عدد من المفكرين الإسلاميين المتطرفين، مثل سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وابن تيمية. يركز التنظيم على مفهوم “الولاء والبراء”، أي وجوب موالاة المسلمين ومعاداة الكفار، ويعتبر أن موالاة الكفار كفر.
- الجهاد العالمي: يعتبر التنظيم أن الجهاد فريضة على كل مسلم، وأن المسلمين ملزمون بمحاربة الكفار في أي مكان في العالم.
- إقامة الدولة الإسلامية: يهدف التنظيم إلى إقامة دولة إسلامية عالمية تحكم بالشريعة الإسلامية.
- محاربة النفوذ الغربي: يعتبر التنظيم أن الغرب هو العدو الرئيسي للإسلام، ويسعى إلى طرد النفوذ الغربي من العالم الإسلامي.
- رفض الديمقراطية والعلمانية: يرفض التنظيم الديمقراطية والعلمانية والقومية، ويعتبرها أفكاراً غربية تتعارض مع الإسلام.
الهجمات الإرهابية
نفذ تنظيم القاعدة العديد من الهجمات الإرهابية الكبيرة في مختلف أنحاء العالم، مما أسفر عن مقتل وإصابة آلاف الأشخاص. من أبرز هذه الهجمات:
- تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا (1998): أسفر التفجيران عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الآلاف.
- تفجير المدمرة الأمريكية كول (2000): أسفر التفجير عن مقتل 17 بحاراً أمريكياً.
- هجمات 11 سبتمبر (2001): استهدفت الهجمات مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص.
- تفجيرات مدريد (2004): أسفرت التفجيرات عن مقتل 193 شخصاً وإصابة الآلاف.
- تفجيرات لندن (2005): أسفرت التفجيرات عن مقتل 52 شخصاً وإصابة المئات.
بعد هجمات 11 سبتمبر، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها “الحرب على الإرهاب”، والتي استهدفت تنظيم القاعدة وحلفاءه في أفغانستان وباكستان ودول أخرى. أدت الحرب إلى مقتل أسامة بن لادن في عام 2011، وتفكيك العديد من معاقل التنظيم، ولكن التنظيم لا يزال نشطاً في مناطق مختلفة من العالم.
فروع التنظيم
يمتلك تنظيم القاعدة العديد من الفروع والجماعات التابعة له في مختلف أنحاء العالم. من أبرز هذه الفروع:
- تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: ينشط في شمال وغرب أفريقيا.
- تنظيم القاعدة في جزيرة العرب: ينشط في اليمن والسعودية.
- جبهة النصرة: كانت فرعاً لتنظيم القاعدة في سوريا، ثم انفصلت عنه وغيرت اسمها إلى “هيئة تحرير الشام”.
- حركة الشباب المجاهدين: تنشط في الصومال.
تعتبر هذه الفروع مستقلة إلى حد كبير عن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة، ولكنها تتبنى نفس الأيديولوجية وتعمل على تحقيق نفس الأهداف.
الوضع الحالي للتنظيم
على الرغم من مقتل أسامة بن لادن وتفكيك العديد من معاقله، لا يزال تنظيم القاعدة يمثل تهديداً أمنياً خطيراً. يعتمد التنظيم حالياً على فروعه والجماعات التابعة له في مناطق مختلفة من العالم لتنفيذ هجمات إرهابية وتجنيد مقاتلين جدد.
كما يستغل التنظيم الفراغ الأمني والصراعات في بعض الدول، مثل سوريا واليمن وليبيا، لتعزيز نفوذه وتوسيع نطاق عملياته. يواجه التنظيم منافسة من تنظيمات إرهابية أخرى، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولكنه لا يزال قادراً على شن هجمات كبيرة وإلهام أفراد وجماعات أخرى لتنفيذ هجمات مماثلة.
خاتمة
تنظيم القاعدة هو تنظيم إرهابي خطير يهدف إلى إقامة دولة إسلامية عالمية من خلال العنف والإرهاب. تأسس التنظيم في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، ونفذ العديد من الهجمات الإرهابية الكبيرة في مختلف أنحاء العالم. على الرغم من مقتل أسامة بن لادن وتفكيك العديد من معاقله، لا يزال التنظيم يمثل تهديداً أمنياً خطيراً، ويعتمد على فروعه والجماعات التابعة له لتنفيذ هجمات إرهابية وتجنيد مقاتلين جدد.