مقدمة
يعتبر اجتياح ويكسفورد، الذي وقع في الفترة من 2 إلى 11 أكتوبر 1649، خلال الغزو الكرومويلي لإيرلندا، جزءًا من الحرب الأيرلندية التي امتدت من عام 1641 إلى عام 1653، من الأحداث المأساوية التي شهدتها تلك الحقبة. تمثل هذه الواقعة نقطة سوداء في تاريخ العلاقات الإنجليزية الأيرلندية، وتجسد وحشية الحرب في القرن السابع عشر.
خلفية تاريخية
تعود جذور الصراع إلى التوترات الدينية والسياسية التي كانت تعصف بإنجلترا وإيرلندا في تلك الفترة. كانت إيرلندا، ذات الأغلبية الكاثوليكية، تحت الحكم الإنجليزي البروتستانتي. تفاقمت الأمور بسبب مصادرة الأراضي من الأيرلنديين الكاثوليك ومنحها للمستوطنين الإنجليز والاسكتلنديين البروتستانت. أدت هذه السياسات إلى اندلاع تمرد عام 1641، والذي سرعان ما تحول إلى حرب أهلية شاملة.
في إنجلترا، كانت الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651) مستعرة بين الملكيين، المؤيدين للملك تشارلز الأول، والبرلمانيين، بقيادة أوليفر كرومويل. بعد إعدام الملك تشارلز الأول في عام 1649، قرر كرومويل غزو إيرلندا لإخماد التمرد الأيرلندي وتعزيز سلطة البرلمان الإنجليزي.
كانت ويكسفورد مدينة ساحلية مهمة تقع في جنوب شرق إيرلندا. كانت المدينة مركزًا تجاريًا مزدهرًا وميناءً حيويًا. بحلول عام 1649، كانت ويكسفورد تحت سيطرة الكونفدرالية الأيرلندية الكاثوليكية، وهي تحالف من الكاثوليك الأيرلنديين الذين سعوا إلى الحكم الذاتي والحقوق الدينية.
وصول كرومويل إلى ويكسفورد
وصل أوليفر كرومويل بجيشه إلى ويكسفورد في أوائل أكتوبر 1649. كان جيشه يتألف من حوالي 6000 جندي، وكان يتمتع بسمعة قاسية وفعالية عالية. كان كرومويل مصممًا على إخضاع إيرلندا بقوة السلاح، ولم يكن يتردد في استخدام العنف لتحقيق أهدافه.
بدأ كرومويل على الفور في محاصرة ويكسفورد. قام بنشر مدافعه حول المدينة وبدأ في قصف الأسوار. كان المدافعون عن ويكسفورد، بقيادة الكولونيل سينوت، أقل عددًا من قوات كرومويل وكانوا يفتقرون إلى التدريب والتجهيز الكافيين.
الاجتياح والمذبحة
في 11 أكتوبر 1649، تمكنت قوات كرومويل من اختراق أسوار ويكسفورد. بمجرد دخولهم المدينة، انخرط جنود كرومويل في أعمال عنف واسعة النطاق. تم قتل المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، بوحشية. تم حرق المنازل والمباني، ونهب المدينة بالكامل.
تشير التقديرات إلى أن ما بين 2000 و 3500 شخص قتلوا في اجتياح ويكسفورد. من بين القتلى كان هناك العديد من المدنيين العزل، بالإضافة إلى المدافعين عن المدينة. كان الاجتياح بمثابة مذبحة مروعة صدمت إيرلندا وأثارت غضبًا واسع النطاق.
يذكر أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أن الكولونيل سينوت، قائد الدفاع عن ويكسفورد، كان يتفاوض مع كرومويل لتسليم المدينة بشروط. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل أن تقتحم قوات كرومويل الأسوار. يجادل البعض بأن كرومويل أمر بالاجتياح والمذبحة عمدًا لترويع المدن الأخرى في إيرلندا وإجبارها على الاستسلام.
الجدل التاريخي
لا يزال اجتياح ويكسفورد موضوعًا مثيرًا للجدل بين المؤرخين. يجادل البعض بأن كرومويل كان مسؤولاً بشكل مباشر عن المذبحة، بينما يرى آخرون أن العنف كان نتيجة طبيعية للحرب في القرن السابع عشر.
يدعي منتقدو كرومويل أنه كان متعصبًا دينيًا سعى إلى إبادة الكاثوليك الأيرلنديين. يشيرون إلى خطاباته وكتاباته التي تعبر عن كراهية عميقة للكاثوليكية. كما يزعمون أنه أمر جنوده بقتل المدنيين في ويكسفورد كمثال لترهيب الآخرين.
من ناحية أخرى، يجادل أنصار كرومويل بأنه كان قائدًا عسكريًا فعالًا سعى إلى إخماد التمرد الأيرلندي واستعادة النظام في البلاد. يزعمون أن العنف في ويكسفورد كان نتيجة للفوضى والارتباك الذي أعقب اقتحام المدينة. كما يزعمون أن كرومويل لم يأمر بقتل المدنيين، وأن جنوده تصرفوا من تلقاء أنفسهم.
بغض النظر عن المسؤولية المباشرة، فإن اجتياح ويكسفورد يظل مثالًا مروعًا على وحشية الحرب وعواقب التعصب الديني والسياسي.
عواقب الاجتياح
كان لاجتياح ويكسفورد عواقب وخيمة على المدينة وسكانها. تم تدمير المدينة بالكامل تقريبًا، وقتل الآلاف من الأشخاص. كما أدى الاجتياح إلى ترويع المدن الأخرى في إيرلندا، مما أدى إلى استسلام العديد منها لكرومويل.
كان اجتياح ويكسفورد جزءًا من حملة كرومويل الأوسع نطاقًا لإخضاع إيرلندا. تمكن كرومويل من إخماد التمرد الأيرلندي بحلول عام 1653، وفرض حكمًا قاسيًا على البلاد. تم مصادرة الأراضي من الكاثوليك الأيرلنديين ومنحها للمستوطنين الإنجليز، وتم تقييد الحقوق الدينية والسياسية للكاثوليك.
تركت حملة كرومويل في إيرلندا ندوبًا عميقة في الذاكرة الأيرلندية. لا يزال الاجتياح يُذكر على أنه مثال على القسوة الإنجليزية والاضطهاد الديني. يعتبر كرومويل شخصية مكروهة في إيرلندا، ويُنظر إليه على أنه طاغية ومجرم حرب.
تأثيره على الحرب الأهلية الأيرلندية
كان لسقوط ويكسفورد تأثير كبير على مسار الحرب الأهلية الأيرلندية. فقد الكونفدراليون الأيرلنديون ميناءً حيويًا ومركزًا استراتيجيًا مهمًا. كما أضعفت المذبحة التي وقعت في ويكسفورد معنويات الكونفدراليين وأثارت الخوف والذعر في صفوفهم.
بعد ويكسفورد، واصل كرومويل حملته في إيرلندا، واستولى على مدن أخرى مثل دروغيدا. بحلول عام 1653، تمكن كرومويل من إخماد التمرد الأيرلندي وفرض حكمًا قاسيًا على البلاد.
إحياء الذكرى
يتم إحياء ذكرى اجتياح ويكسفورد في إيرلندا كل عام. تقام مراسم تأبين لإحياء ذكرى الضحايا، وتُنظم فعاليات ثقافية لتسليط الضوء على أهمية هذا الحدث في التاريخ الأيرلندي.
يوجد في ويكسفورد نصب تذكاري مخصص لضحايا الاجتياح. يعتبر النصب بمثابة تذكير بمأساة الماضي، ورمزًا للأمل في مستقبل أفضل.
خاتمة
اجتياح ويكسفورد هو حدث مأساوي في التاريخ الأيرلندي، يمثل نقطة سوداء في العلاقات الإنجليزية الأيرلندية. يجسد هذا الاجتياح وحشية الحرب في القرن السابع عشر، وعواقب التعصب الديني والسياسي. لا يزال الاجتياح يُذكر في إيرلندا على أنه مثال على القسوة والاضطهاد، ويتم إحياء ذكراه كل عام لإحياء ذكرى الضحايا، والتأكيد على أهمية السلام والتسامح.