حياته وتعليمه
ولد براين سكايرمز في عام 1938. حصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة تولين في عام 1960، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بيتسبرغ في عام 1964. بعد حصوله على الدكتوراه، عمل سكايرمز في عدد من الجامعات المرموقة، بما في ذلك جامعة بنسلفانيا وجامعة ميشيغان، قبل أن يستقر في جامعة كاليفورنيا، إيرفين، حيث يشغل منصب أستاذ متميز.
أعماله الفلسفية
تغطي أعمال سكايرمز الفلسفية مجموعة واسعة من الموضوعات، ولكنها تتمحور بشكل خاص حول التقاطعات بين نظرية القرار، ونظرية الألعاب، وفلسفة العلم. يمكن تقسيم مساهماته الرئيسية إلى المجالات التالية:
- نظرية الألعاب التطورية: ربما يكون سكايرمز هو الأكثر شهرة بعمله الرائد في تطبيق نظرية الألعاب التطورية على المشكلات الفلسفية. لقد أوضح كيف يمكن للسلوك التعاوني أن ينشأ ويتطور حتى في غياب سلطة مركزية أو اتفاقيات ملزمة. يستخدم سكايرمز نماذج رياضية لفحص ديناميكيات التفاعلات الاستراتيجية، وكشف النقاب عن الظروف التي يصبح فيها التعاون استراتيجية مستقرة تطوريًا.
- فلسفة الاحتمالات: قدم سكايرمز مساهمات كبيرة في فهمنا لطبيعة الاحتمال. لقد استكشف العلاقة بين الاحتمال والمعتقد، وكيف يمكننا استخدام الاحتمال لاتخاذ القرارات في ظل عدم اليقين. يدافع سكايرمز عن وجهة نظر ذاتية للاحتمال، والتي ترى أن الاحتمالات هي درجات من الاعتقاد وليست حقائق موضوعية.
- الفلسفة الأخلاقية: طبق سكايرمز أدوات نظرية الألعاب التطورية على المشكلات الأخلاقية، واستكشف كيف يمكن للأعراف والقيم الأخلاقية أن تنشأ وتتطور من خلال التفاعلات بين الأفراد. يجادل بأن الأخلاق ليست مجموعة ثابتة من القواعد، بل هي نظام ديناميكي يتطور بمرور الوقت استجابة للتغيرات في البيئة الاجتماعية.
- فلسفة العلم: ساهم سكايرمز في مجموعة متنوعة من القضايا في فلسفة العلم، بما في ذلك طبيعة القانون العلمي، ومشكلة الاستقراء، ودور النماذج في التفسير العلمي. وهو مدافع عن وجهة نظر طبيعية للعلم، والتي تؤكد على أهمية الأدلة التجريبية في تقييم النظريات العلمية.
نظرية الألعاب التطورية والأخلاق
أحد أبرز جوانب عمل سكايرمز هو تطبيقه لنظرية الألعاب التطورية على الأخلاق. تقليديا، تعامل الفلاسفة مع الأخلاق كمجموعة من المبادئ العقلانية التي يجب على الأفراد اتباعها. ومع ذلك، يرى سكايرمز أن الأخلاق هي نتاج التطور، وأن الأعراف والقيم الأخلاقية تطورت لأنها عززت التعاون والبقاء على قيد الحياة في البيئات الاجتماعية. يستخدم سكايرمز نماذج رياضية لفحص كيف يمكن للأعراف الأخلاقية المختلفة أن تتطور وتنتشر في السكان. على سبيل المثال، درس تطور الصدق والثقة والعدالة.
يوضح سكايرمز أن السلوك التعاوني ليس دائمًا مثاليًا، ولكنه يمكن أن يكون استراتيجية مستقرة تطوريًا في ظل ظروف معينة. على سبيل المثال، في لعبة “معضلة السجين”، قد يكون التعاون (أي عدم الخيانة) مفيدًا للطرفين على المدى الطويل، ولكن هناك دائمًا حافز للخيانة لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل. ومع ذلك، إذا تكررت اللعبة عدة مرات، فقد يصبح التعاون استراتيجية مستقرة تطوريًا، حيث يتعلم الأفراد أن يثقوا ببعضهم البعض وأن يعاقبوا المخالفين.
الاحتمالية والمعرفة
يعتبر سكايرمز من أبرز المدافعين عن المفهوم الذاتي للاحتمالية. يرفض فكرة أن الاحتمالات هي حقائق موضوعية موجودة بشكل مستقل عن معتقداتنا. بدلاً من ذلك، يرى أن الاحتمالات هي مجرد درجات من الاعتقاد التي يمتلكها الأفراد. على سبيل المثال، قد أقول إنني أعتقد بنسبة 80٪ أن فريقي المفضل سيفوز في المباراة القادمة. وفقًا لسكايرمز، هذا يعني ببساطة أنني مستعد للمراهنة على فوز فريقي بنسبة 4 إلى 1. لا يوجد أي شيء موضوعي في الاحتمال 80٪. إنه مجرد انعكاس لدرجة اعتقادي.
يعترف سكايرمز بأن وجهة النظر الذاتية للاحتمالية قد تبدو مثيرة للجدل، لكنه يجادل بأنها أكثر واقعية من وجهات النظر الموضوعية. يشير إلى أنه في الحياة الواقعية، غالبًا ما نضطر إلى اتخاذ قرارات في ظل عدم اليقين، وعندما لا يكون لدينا معلومات كاملة، يجب علينا الاعتماد على معتقداتنا وتقديراتنا الذاتية. يقترح سكايرمز أن الاحتمالية الذاتية هي أفضل أداة لدينا لاتخاذ القرارات في مثل هذه الحالات.
الإرث والتأثير
ترك براين سكايرمز بصمة لا تمحى على الفلسفة المعاصرة، وخاصة في مجالات نظرية الألعاب التطورية، وفلسفة الاحتمالات، والفلسفة الأخلاقية. لقد ألهم عمله جيلاً من الفلاسفة والعلماء، ويستمر في التأثير على الأبحاث في مجموعة متنوعة من المجالات. لقد كتب سكايرمز عددًا من الكتب والمقالات المؤثرة، بما في ذلك: “الاحتمالية والسبب” (1980)، و “تطور العقد الاجتماعي” (1996)، و “الإشارات من جحيمنا: أصول التواصل التعاوني” (2010).
بصفته أستاذًا، كان سكايرمز معلمًا ملتزمًا ومحفزًا. لقد أشرف على العديد من طلاب الدكتوراه الذين أصبحوا بدورهم فلاسفة بارزين. يتميز تدريسه بالوضوح والدقة، وقدرته على جعل الأفكار المعقدة في متناول الطلاب. بالإضافة إلى ذلك، كان سكايرمز شخصية بارزة في الحياة الفلسفية، حيث شارك في العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل. لقد كان دائمًا على استعداد لمناقشة الأفكار مع الآخرين، وكان معروفًا بروح الدعابة والذكاء لديه.
أهم المؤلفات
- الاحتمالية والسبب (Probability and Causation): يعتبر هذا الكتاب من أهم الأعمال في فلسفة الاحتمالات، ويستكشف العلاقة بين الاحتمال والسببية. يقدم سكايرمز رؤية ذاتية للاحتمالية ويطبقها على مشاكل السببية.
- تطور العقد الاجتماعي (Evolution of the Social Contract): يستخدم هذا الكتاب نظرية الألعاب التطورية لفهم أصول التعاون والأعراف الاجتماعية. يجادل سكايرمز بأن العقد الاجتماعي ليس اتفاقًا واعياً بين الأفراد، بل هو نتاج التطور.
- الإشارات من جحيمنا: أصول التواصل التعاوني (Signals from Noise: The Origins of Communication): يدرس هذا الكتاب كيف يمكن للتواصل التعاوني أن ينشأ ويتطور في غياب اللغة. يستخدم سكايرمز نماذج نظرية الألعاب التطورية لفهم كيف يمكن للأفراد أن يتعلموا التواصل مع بعضهم البعض بشكل فعال.
الجوائز والتكريمات
تقديراً لمساهماته المتميزة في الفلسفة، حصل براين سكايرمز على العديد من الجوائز والتكريمات، بما في ذلك:
- زمالة غوغنهايم
- زمالة المركز الوطني للعلوم الإنسانية
- جائزة لاناتوس من الجمعية الفلسفية الأمريكية
خاتمة
براين سكايرمز هو فيلسوف مؤثر ترك بصمة عميقة على الفلسفة المعاصرة. من خلال عمله الرائد في نظرية الألعاب التطورية، وفلسفة الاحتمالات، والفلسفة الأخلاقية، قدم رؤى قيمة حول طبيعة التعاون، والمعرفة، والقيم الأخلاقية. تظل مساهماته ذات صلة ومؤثرة، مما يجعله شخصية بارزة في الفكر الفلسفي.