الكلدان القدماء
الأصول والتاريخ المبكر: ظهر الكلدان القدماء كقبائل سامية غربية هاجرت إلى جنوب بلاد ما بين النهرين في الألفية الأولى قبل الميلاد. استقروا في منطقة الأهوار الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي من بلاد بابل، وشكلوا عدة ممالك وإمارات صغيرة. لم يكونوا في الأصل مجموعة موحدة سياسياً أو عرقياً، بل ائتلافاً من القبائل التي تشاركت لغة وثقافة متشابهة.
الصعود إلى السلطة في بابل: على الرغم من أنهم كانوا في البداية قوة هامشية، إلا أن الكلدان تمكنوا تدريجياً من اكتساب النفوذ في بابل. بحلول القرن السابع قبل الميلاد، تمكنوا من الاستيلاء على العرش البابلي، وأسسوا ما يعرف بالسلالة الكلدانية أو البابلية الحديثة. أشهر ملوك هذه السلالة هو نبوخذ نصر الثاني، الذي اشتهر بفتوحاته الواسعة وإعادة بناء مدينة بابل لتصبح واحدة من أعظم مدن العالم القديم.
الإمبراطورية الكلدانية (البابلية الحديثة): تحت حكم نبوخذ نصر وخلفائه، توسعت الإمبراطورية الكلدانية لتشمل معظم الشرق الأدنى القديم، بما في ذلك بلاد الشام ومصر. شهدت بابل في هذه الفترة ازدهاراً ثقافياً واقتصادياً غير مسبوق، وأصبحت مركزاً للعلم والفن والأدب. تشتهر هذه الفترة أيضاً بإنشاء حدائق بابل المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم.
السقوط والنهاية: لم يدم حكم الكلدان طويلاً. في عام 539 قبل الميلاد، غزا الإمبراطور الفارسي كورش الكبير بابل، وأنهى الإمبراطورية الكلدانية. على الرغم من سقوطهم السياسي، استمر الكلدان في الوجود كمجموعة عرقية وثقافية في بلاد ما بين النهرين لعدة قرون لاحقة.
اللغة والثقافة: تحدث الكلدان القدماء لهجة من اللغة الآرامية، وهي لغة سامية وثيقة الصلة باللغة العبرية والعربية. كانت لديهم ثقافة غنية ومتطورة، تأثرت بالحضارات البابلية والآشورية السابقة. اشتهروا بمعرفتهم بعلم الفلك والرياضيات، فضلاً عن فنهم وأدبهم.
الكلدان المعاصرون
الأصول والهوية: الكلدان المعاصرون هم مجموعة عرقية ودينية مسيحية تعيش في العراق وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا. يعتبرون أنفسهم أحفاد الكلدان القدماء، على الرغم من أن العلاقة المباشرة بين المجموعتين معقدة ومحل نقاش.
الدين: يتبع معظم الكلدان المعاصرين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وهي كنيسة شرقية كاثوليكية ذات طقوس ولغة آرامية. يرأس الكنيسة بطريرك بابل على الكلدان، ومقره في بغداد. هناك أيضاً عدد قليل من الكلدان الذين يتبعون الكنيسة الآشورية الشرقية أو كنائس مسيحية أخرى.
اللغة: يتحدث الكلدان المعاصرون لهجة حديثة من اللغة الآرامية الشرقية، تعرف باللغة الكلدانية الحديثة أو السورث. هذه اللغة وثيقة الصلة باللغة الآرامية التي كان يتحدث بها الكلدان القدماء، ولكنها تطورت بشكل كبير على مر القرون.
التوزيع الجغرافي: يعيش معظم الكلدان المعاصرين في العراق، وخاصة في منطقة سهل نينوى حول الموصل وبغداد. توجد أيضاً مجتمعات كبيرة من الكلدان في سوريا وتركيا ولبنان وإيران. بسبب الحروب والاضطهاد في العقود الأخيرة، هاجر العديد من الكلدان إلى دول أخرى، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوروبا.
التحديات المعاصرة: يواجه الكلدان المعاصرون العديد من التحديات في العصر الحديث، بما في ذلك التمييز الديني والعنف السياسي والتهجير. تعرضت مجتمعاتهم في العراق وسوريا لهجمات متكررة من قبل الجماعات المتطرفة، مما أدى إلى نزوح الآلاف من ديارهم. كما أنهم يواجهون تحديات اقتصادية واجتماعية، مثل البطالة والفقر وغياب الخدمات الأساسية.
الهوية الثقافية: على الرغم من التحديات التي يواجهونها، يحافظ الكلدان المعاصرون على هويتهم الثقافية الغنية. يتميزون بتقاليدهم الدينية والاجتماعية الفريدة، ولغتهم الآرامية، وموسيقاهم ورقصاتهم الشعبية، ومأكولاتهم اللذيذة. كما أنهم يساهمون بشكل كبير في مجتمعاتهم في جميع أنحاء العالم، في مجالات مثل التعليم والأعمال والفنون.
الشتات الكلداني: أدت الهجرة الجماعية للكلدان في العقود الأخيرة إلى ظهور شتات كلداني واسع الانتشار في جميع أنحاء العالم. توجد مجتمعات كلدانية كبيرة في الولايات المتحدة (خاصة في ميشيغان وكاليفورنيا)، وكندا (تورنتو)، وأستراليا (سيدني)، وأوروبا (السويد وألمانيا). يلعب الشتات الكلداني دوراً مهماً في دعم مجتمعاتهم الأصلية في الشرق الأوسط، من خلال إرسال الأموال والمساعدات، والدفاع عن حقوقهم.
أوجه التشابه والاختلاف بين الكلدان القدماء والمعاصرين
أوجه التشابه:
- الأصل الجغرافي: كلا المجموعتين مرتبطتان بمنطقة جنوب بلاد ما بين النهرين.
- اللغة: يتحدث الكلدان المعاصرون لهجة حديثة من اللغة الآرامية، وهي اللغة التي كان يتحدث بها الكلدان القدماء.
- الاسم: كلا المجموعتين تحملان نفس الاسم “الكلدان”.
أوجه الاختلاف:
- الدين: كان الكلدان القدماء يعبدون آلهة بلاد ما بين النهرين القديمة، بينما الكلدان المعاصرون هم مسيحيون.
- الفترة الزمنية: عاش الكلدان القدماء في الألفية الأولى قبل الميلاد، بينما الكلدان المعاصرون يعيشون في العصر الحديث.
- التنظيم السياسي: كان الكلدان القدماء قوة سياسية مستقلة لفترة قصيرة، بينما الكلدان المعاصرون هم أقلية عرقية ودينية في دول أخرى.
- الهوية: العلاقة بين المجموعتين معقدة، حيث يرى الكلدان المعاصرون أنفسهم أحفاد الكلدان القدماء، لكن هذا الادعاء محل نقاش تاريخي.
خاتمة
الكلدان، سواء كانوا القدماء الذين أسسوا إمبراطورية في بلاد ما بين النهرين أو المعاصرين الذين يواجهون تحديات في الحفاظ على هويتهم في العصر الحديث، يمثلون فصلاً هاماً في تاريخ الشرق الأوسط. إن فهم تاريخهم وثقافتهم يساعدنا على فهم التنوع الغني للمنطقة والتحديات التي تواجهها الأقليات الدينية والعرقية فيها.