مقدمة
واجهة المشطة هي الجزء المزخرف من واجهة قصر المشتى الأموي السكني الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن الميلادي. يعتبر قصر المشتى أحد أهم الأمثلة الباقية على العمارة الأموية المبكرة، وتقع آثاره في الأردن، على بعد حوالي 30 كيلومترًا جنوب شرق عمان. تُعد الواجهة المزخرفة تحفة فنية فريدة من نوعها، وتجسد روعة الفن الإسلامي في تلك الحقبة الزمنية.
تاريخ قصر المشتى
بدأ بناء قصر المشتى في عهد الخليفة الأموي الوليد بن يزيد (حكم من 743 إلى 744 م). ومع ذلك، لم يكتمل البناء بالكامل، ويعتقد أن القصر قد تم التخلي عنه بعد فترة وجيزة من وفاة الوليد بن يزيد، ربما بسبب الاضطرابات السياسية التي شهدتها الدولة الأموية في تلك الفترة. لم يُستخدم القصر أبدًا كإقامة دائمة، لكنه كان من المفترض أن يكون قصرًا شتويًا أو ربما نقطة تجمع للقبائل البدوية المتحالفة مع الأمويين.
يشتق اسم “المشتى” من الكلمة العربية “شتاء”، مما يشير إلى الغرض المقصود من القصر كمقر شتوي. على الرغم من عدم اكتمال البناء، إلا أن الهيكل الضخم للقصر والواجهة المزخرفة تشهد على طموح الأمويين وإتقانهم للفنون المعمارية.
وصف الواجهة
تتكون الواجهة من جدار حجري طويل مزين بنقوش بارزة ومنحوتات معقدة. يمتد طول الواجهة الأصلية حوالي 55 مترًا، وارتفاعها حوالي 5 أمتار. تم تقسيم الواجهة إلى ثلاثة أقسام رئيسية: قسم مركزي كبير وقسمان جانبيان أصغر حجمًا. يتميز القسم المركزي بتصميم أكثر تفصيلاً وزخرفة مقارنة بالقسمين الجانبيين.
تتكون الزخارف الموجودة على الواجهة من مجموعة متنوعة من العناصر الزخرفية، بما في ذلك:
- الزخارف النباتية: تشمل أوراق الأقنثة، والكرمة، وأنماط نباتية أخرى متكررة.
- الزخارف الهندسية: تتضمن أشكالًا هندسية معقدة مثل النجوم والمضلعات.
- الزخارف الحيوانية: تصور مجموعة متنوعة من الحيوانات، بما في ذلك الأسود، والثيران، والطيور، والحيوانات الأسطورية مثل الغريفين.
تتميز المنحوتات بأسلوب واقعي نسبيًا، وتظهر اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل. يعكس هذا الاهتمام بالتفاصيل تأثير الفن البيزنطي والفارسي، اللذين كانا منتشرين في المنطقة في ذلك الوقت.
نقل الواجهة إلى برلين
في عام 1903، قام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بإهداء جزء كبير من واجهة المشطة إلى الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني. تم تفكيك الواجهة بعناية فائقة ونقلها إلى برلين، حيث أعيد تجميعها وعرضها في متحف بيرغامون. تعتبر واجهة المشطة اليوم واحدة من أهم القطع الأثرية الإسلامية في المتحف.
أثار نقل الواجهة جدلاً واسعًا في ذلك الوقت، وما زال يثير تساؤلات حول أخلاقيات نقل الآثار الثقافية من مواقعها الأصلية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار الأهمية الكبيرة للواجهة كمثال رائع على الفن الإسلامي، وكمصدر قيم لفهم العمارة والثقافة الأموية.
الأسلوب الفني للواجهة
تعتبر واجهة المشطة مثالًا بارزًا على الفن الأموي، الذي يجمع بين عناصر من التقاليد الفنية المختلفة. يمكن ملاحظة تأثير الفن البيزنطي والروماني في استخدام الأعمدة والتيجان والزخارف النباتية. كما يظهر تأثير الفن الفارسي في استخدام الزخارف الحيوانية والأنماط الهندسية المعقدة.
يتميز الفن الأموي أيضًا بأسلوبه المميز في تصوير الكائنات الحية. على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تحظر تصوير الكائنات الحية بشكل كامل، إلا أن الفنانين الأمويين وجدوا طرقًا مبتكرة للتعبير عن أنفسهم من خلال استخدام الرموز والإشارات. على سبيل المثال، غالبًا ما يتم تصوير الحيوانات في وضعيات رمزية، أو يتم دمجها في أنماط زخرفية معقدة.
الأهمية الثقافية والتاريخية
تحظى واجهة المشطة بأهمية ثقافية وتاريخية كبيرة لعدة أسباب:
- تمثل تحفة فنية فريدة من نوعها: تعتبر الواجهة مثالًا رائعًا على الفن الإسلامي في العصر الأموي، وتجسد روعة الزخرفة والمنحوتات في تلك الحقبة الزمنية.
- تقدم نظرة ثاقبة على العمارة الأموية: توفر الواجهة معلومات قيمة حول أساليب البناء والزخرفة المستخدمة في العمارة الأموية.
- تعكس التنوع الثقافي في العصر الأموي: تظهر الواجهة تأثير التقاليد الفنية المختلفة على الفن الأموي، مما يعكس التنوع الثقافي الذي كان يميز الدولة الأموية.
- تعتبر شاهدًا على تاريخ المنطقة: تشهد الواجهة على تاريخ قصر المشتى، وعلى الأحداث التاريخية التي شهدتها المنطقة في العصر الأموي.
الجهود المبذولة للحفاظ على الموقع الأصلي
على الرغم من نقل الواجهة المزخرفة إلى برلين، إلا أن بقايا قصر المشتى في الأردن لا تزال قائمة، وتشكل موقعًا أثريًا مهمًا. تبذل الحكومة الأردنية وعدد من المنظمات الدولية جهودًا كبيرة للحفاظ على الموقع وحمايته من التدهور. تشمل هذه الجهود:
- تنفيذ أعمال الترميم والصيانة: يتم تنفيذ أعمال ترميم وصيانة دورية لبقايا القصر للحفاظ عليها من التدهور الناتج عن عوامل الطقس والتعرية.
- توفير الحماية الأمنية للموقع: يتم توفير الحماية الأمنية للموقع لمنع أعمال التخريب والنهب.
- تطوير الموقع كموقع سياحي: يتم تطوير الموقع كموقع سياحي لجذب الزوار وتوعيتهم بأهميته التاريخية والثقافية.
- إجراء البحوث والدراسات الأثرية: يتم إجراء البحوث والدراسات الأثرية لفهم تاريخ القصر وثقافته بشكل أفضل.
خاتمة
واجهة المشطة هي تحفة فنية فريدة من نوعها تعكس روعة الفن الإسلامي في العصر الأموي. على الرغم من نقلها إلى برلين، إلا أنها لا تزال تحظى بأهمية ثقافية وتاريخية كبيرة. كما أن بقايا قصر المشتى في الأردن تمثل موقعًا أثريًا هامًا يجب الحفاظ عليه وحمايته للأجيال القادمة.