نشأته وحياته
ولد ألفرد جاري في لافال بفرنسا. عانى في طفولته من انفصال والديه، وعاش مع جده لأمه الذي كان أستاذًا جامعيًا. كان لهذه الفترة أثر كبير على شخصيته وتفكيره. التحق بمدرسة رين الثانوية، حيث أظهر نبوغًا في الأدب واللغات، وكتب أولى مسرحياته.
انتقل جاري إلى باريس للدراسة في مدرسة الفنون الجميلة، لكنه سرعان ما تركها ليتفرغ للكتابة. عاش حياة بوهيمية، محاطًا بالفنانين والكتاب الطليعيين. كان معروفًا بشخصيته الغريبة وأسلوب حياته غير التقليدي. كان يرتدي ملابس غريبة ويتحدث بطريقة مسرحية، مما جعله شخصية محبوبة ومثيرة للاهتمام في الأوساط الأدبية والفنية الباريسية.
أوبو روي: عمل أيقوني
تعتبر مسرحية “أوبو روي” أشهر أعمال جاري وأكثرها تأثيرًا. تدور أحداث المسرحية حول شخصية “الأب أوبو”، وهو طاغية كريه وفاسد يسعى إلى السلطة بأي ثمن. المسرحية مليئة بالفكاهة السوداء والعنف والعبثية، وتنتقد السلطة والجشع والغباء البشري.
أثارت “أوبو روي” ضجة كبيرة عند عرضها الأول في عام 1896. صدمت المسرحية الجمهور والنقاد بسبب لغتها الفظة ومشاهدها العنيفة وشخصياتها الكاريكاتورية. ومع ذلك، سرعان ما أصبحت المسرحية علامة فارقة في تاريخ المسرح، وألهمت العديد من الكتاب والفنانين في القرن العشرين. يعتبر “الأب أوبو” شخصية رمزية تمثل أسوأ ما في الطبيعة البشرية، وقد ظهرت هذه الشخصية في العديد من الأعمال الفنية والأدبية اللاحقة.
استخدم جاري في “أوبو روي” لغة مبتكرة وغريبة، تجمع بين العامية واللغة الأدبية الرفيعة. كما استخدم تقنيات مسرحية غير تقليدية، مثل استخدام الأقنعة والديكورات البسيطة والمؤثرات الصوتية الغريبة. كان هدف جاري هو خلق تجربة مسرحية صادمة ومثيرة للتفكير، تجبر الجمهور على التساؤل عن قيمهم ومعتقداتهم.
تأثير جاري على الأدب والفن
كان لألفرد جاري تأثير كبير على الأدب والفن في القرن العشرين. يعتبر رائدًا لحركة العبثية، التي تسعى إلى تصوير العالم على أنه مكان لا معنى له وفوضوي. كما كان له تأثير كبير على المسرح السريالي، الذي يهدف إلى استكشاف اللاوعي والعالم الداخلي للإنسان.
ألهمت أعمال جاري العديد من الكتاب والفنانين، مثل أوجين يونسكو وصامويل بيكيت وجون ميرو وسلفادور دالي. كما أثر على العديد من الحركات الفنية والأدبية، مثل الدادائية والسريالية والمسرح اللامعقول. يعتبر جاري شخصية محورية في تاريخ الأدب والفن الحديث، ولا تزال أعماله تثير الجدل والإعجاب حتى اليوم.
بالإضافة إلى “أوبو روي”، كتب جاري العديد من الأعمال الأخرى، بما في ذلك الروايات والقصائد والمقالات. تتناول هذه الأعمال موضوعات متنوعة، مثل السلطة والجنس والموت والدين. تتميز كتابات جاري بأسلوبها الفريد والمبتكر، ولغتها الغريبة والساخرة، ورؤيتها السوداوية للعالم.
إرث ألفرد جاري
على الرغم من أن ألفرد جاري توفي عن عمر يناهز 34 عامًا فقط، إلا أنه ترك إرثًا أدبيًا وفنيًا كبيرًا. تعتبر أعماله من أهم الأعمال في الأدب الفرنسي الحديث، ولا تزال تلهم الكتاب والفنانين في جميع أنحاء العالم. يعتبر جاري شخصية مثيرة للجدل ومحورية في تاريخ الأدب والفن، وسيظل اسمه مرتبطًا إلى الأبد بحركة العبثية والمسرح السريالي.
إن شخصية ألفرد جاري نفسها أصبحت جزءًا من إرثه. كان معروفًا بأسلوبه الغريب في الحياة، وارتدائه للملابس غير التقليدية، وشخصيته المثيرة للجدل. لقد عاش حياته كأنه يؤدي دورًا مسرحيًا دائمًا، وهذا ما جعله شخصية لا تُنسى في تاريخ الأدب والفن.
تستمر أعمال جاري في إثارة النقاش والجدل حتى اليوم. يرى البعض فيها انتقادًا لاذعًا للسلطة والمجتمع، بينما يرى البعض الآخر فيها مجرد عبثية لا معنى لها. ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن ينكر أن جاري كان كاتبًا وفنانًا موهوبًا ومبتكرًا، وأن أعماله تركت بصمة لا تُمحى على الأدب والفن الحديث.
مؤلفات أخرى
- أيام وليالي (Les Jours et les Nuits, roman d’un déserteur): رواية نشرت عام 1897، تتناول موضوعات الهوية والتمرد.
- مسيح مضاد (Le Surmâle): رواية خيال علمي نشرت عام 1902، تتناول موضوعات العلم والتكنولوجيا والجنس.
- أفعال وأقوال الدكتور فاوسترول، العالم المخيف (Gestes et opinions du docteur Faustroll, pataphysicien): رواية نشرت بعد وفاته عام 1911، وتعتبر من أهم أعماله، حيث يقدم فيها مفهوم “علم ما وراء الطبيعة” (Pataphysics).
علم ما وراء الطبيعة (Pataphysics)
يعتبر مفهوم “علم ما وراء الطبيعة” (Pataphysics) الذي ابتكره جاري من أهم مساهماته الفكرية. يعرف جاري علم ما وراء الطبيعة بأنه “علم الحلول الخيالية”، أو “علم القوانين التي تحكم الاستثناءات”. إنه علم يسعى إلى فهم العالم من خلال دراسة الحالات الشاذة والاستثناءات، وليس من خلال القوانين العامة.
يعتبر علم ما وراء الطبيعة فلسفة ساخرة ومتشائمة، ترفض فكرة وجود نظام أو معنى في العالم. إنه علم يسعى إلى فهم العبث والفوضى واللا منطق في الوجود. كان لعلم ما وراء الطبيعة تأثير كبير على العديد من الحركات الفنية والأدبية، مثل السريالية والدادائية والمسرح اللامعقول.
أسس جاري “كلية علم ما وراء الطبيعة” (Collège de ‘Pataphysique) عام 1948، وهي جمعية سرية تهدف إلى دراسة وتطوير علم ما وراء الطبيعة. لا تزال الكلية موجودة حتى اليوم، وتضم أعضاء من جميع أنحاء العالم.
خاتمة
ألفرد جاري، الكاتب الفرنسي المثير للجدل، ترك بصمة لا تُمحى على الأدب والفن في القرن العشرين. بفضل مسرحيته الشهيرة “أوبو روي” ومفهومه المبتكر لـ “علم ما وراء الطبيعة”، أصبح جاري رمزًا للعبثية والتمرد والابتكار. على الرغم من حياته القصيرة، استطاع جاري أن يؤثر على العديد من الكتاب والفنانين، ولا تزال أعماله تلهم وتثير الجدل حتى اليوم.