<![CDATA[
نشأته وتعليمه
ولد فريدريك جونز بليس في جبل لبنان في 22 يناير 1859، لعائلة ذات خلفية تبشيرية. كان والده، دانيال بليس، مبشرًا أمريكيًا بارزًا ومؤسس الكلية السورية البروتستانتية (الجامعة الأمريكية في بيروت حاليًا). نشأ فريدريك في بيئة أكاديمية وثقافية غنية، مما أثر بشكل كبير على اهتمامه بالدراسات الشرقية وعلم الآثار.
تلقى بليس تعليمه الأولي في لبنان، ثم التحق بكلية أمهيرست في الولايات المتحدة، حيث درس اللغات الكلاسيكية والتاريخ. بعد تخرجه، عاد إلى لبنان وانضم إلى هيئة التدريس في الكلية السورية البروتستانتية، حيث قام بتدريس علم الآثار والتاريخ القديم. خلال هذه الفترة، بدأ بليس في تطوير اهتمامه بالتنقيبات الأثرية، وقام بزيارة العديد من المواقع الأثرية في فلسطين وسوريا.
مسيرته المهنية في علم الآثار
في عام 1890، انضم بليس إلى صندوق استكشاف فلسطين (Palestine Exploration Fund)، وهي منظمة بريطانية مكرسة للبحث والتنقيب في الأراضي المقدسة. تم تعيينه مديرًا للتنقيبات في تل الحسي (الذي يُعتقد أنه موقع مدينة لخيش القديمة) في فلسطين. استمرت أعمال التنقيب في تل الحسي لمدة ثلاث سنوات (1891-1893)، وأسفرت عن اكتشافات مهمة، بما في ذلك بقايا مدينة محصنة تعود إلى العصر البرونزي والعصر الحديدي، بالإضافة إلى العديد من القطع الأثرية التي ساهمت في فهم تاريخ المنطقة.
بعد الانتهاء من أعمال التنقيب في تل الحسي، انتقل بليس إلى القدس، حيث عمل كمدير للتنقيبات في المدينة القديمة بين عامي 1894 و 1897. خلال هذه الفترة، قام بليس وفريقه بالتنقيب في منطقة الجدار الجنوبي للحرم القدسي الشريف، حيث تم اكتشاف العديد من المباني والتحصينات التي تعود إلى العصور الهيرودية والأموية والصليبية. كما تم العثور على نقوش وكتابات قديمة ساهمت في فهم تاريخ القدس في العصور القديمة.
تميزت أعمال بليس في التنقيب بالدقة والمنهجية، حيث قام بتسجيل وتوثيق جميع الاكتشافات بعناية فائقة. كما قام بنشر العديد من التقارير والمقالات العلمية التي تصف نتائج أعمال التنقيب التي قام بها. ساهمت هذه التقارير والمقالات في تطوير علم الآثار في فلسطين، وأصبحت مرجعًا هامًا للباحثين والدارسين في هذا المجال.
أهم إنجازاته
- التنقيب في تل الحسي: اكتشاف بقايا مدينة لخيش القديمة، بما في ذلك التحصينات والمباني والقطع الأثرية التي تعود إلى العصر البرونزي والعصر الحديدي.
- التنقيب في القدس: اكتشاف مبانٍ وتحصينات تعود إلى العصور الهيرودية والأموية والصليبية في منطقة الجدار الجنوبي للحرم القدسي الشريف.
- توثيق وتسجيل الاكتشافات الأثرية: قام بتسجيل وتوثيق جميع الاكتشافات بعناية فائقة، ونشر تقارير ومقالات علمية تصف نتائج أعمال التنقيب.
- المساهمة في تطوير علم الآثار في فلسطين: ساهمت أعماله في تطوير علم الآثار في فلسطين، وأصبحت مرجعًا هامًا للباحثين والدارسين في هذا المجال.
مؤلفاته
نشر فريدريك جونز بليس العديد من الكتب والمقالات العلمية التي تصف نتائج أعمال التنقيب التي قام بها. من بين أهم مؤلفاته:
- A Mound of Many Cities; or, Tell el Hesy Excavated (1894): وصف لأعمال التنقيب في تل الحسي.
- Excavations at Jerusalem 1894-1897 (1898) (مع Archibald Dickie): وصف لأعمال التنقيب في القدس.
- The Development of Palestine Exploration (1906): نظرة عامة على تاريخ استكشاف فلسطين.
- Religion of Palestine Before the Exodus (1912): دراسة حول الدين في فلسطين قبل الخروج.
حياته اللاحقة ووفاته
بعد تقاعده من العمل في علم الآثار، استقر بليس في الولايات المتحدة، حيث استمر في الكتابة وإلقاء المحاضرات حول تاريخ فلسطين وعلم الآثار. توفي فريدريك جونز بليس في 3 يونيو 1937، عن عمر يناهز 78 عامًا. ترك بليس إرثًا هامًا في مجال علم الآثار، حيث ساهمت أعماله في فهم أعمق لتاريخ فلسطين وحضاراتها القديمة.
يعتبر بليس شخصية محورية في تاريخ علم الآثار في الشرق الأدنى، حيث كان من الرواد الذين وضعوا الأسس المنهجية للتنقيب والبحث الأثري في المنطقة. كما أن أعماله ساهمت في إثراء المعرفة التاريخية والثقافية عن فلسطين والقدس، ولا تزال مرجعًا هامًا للباحثين والدارسين حتى اليوم.
بالإضافة إلى مساهماته العلمية، كان بليس يتمتع بشخصية محبوبة ومحترمة، وكان يتمتع بعلاقات جيدة مع السكان المحليين في فلسطين. كان يؤمن بأهمية التعاون بين علماء الآثار والمجتمعات المحلية في الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للمنطقة.
خاتمة
كان فريدريك جونز بليس عالم آثار أمريكيًا رائدًا، اشتهر بأعمال التنقيب التي قام بها في فلسطين. ساهمت اكتشافاته وأبحاثه في فهم أعمق لتاريخ المنطقة وحضاراتها القديمة. يعتبر بليس من الشخصيات البارزة في تاريخ علم الآثار في الشرق الأدنى، حيث وضع الأسس المنهجية للتنقيب والبحث الأثري في المنطقة. ترك بليس إرثًا هامًا من الاكتشافات والمؤلفات التي لا تزال مرجعًا هامًا للباحثين والدارسين حتى اليوم.