مقدمة
سول غاريث “غاري” ديفيس (بالإنجليزية: Sol Gareth “Garry” Davis) (27 يوليو 1921 – 24 يوليو 2013) كان ناشط سلام دوليًا اشتهر بتخليه عن جنسيته الأمريكية في عام 1948 في باريس، فرنسا، ردًا على الحرب العالمية الثانية. اعتقد ديفيس أن الدول القومية هي السبب الجذري للحرب، وسعى إلى إنشاء عالم بدون حدود وحكومة عالمية.
بعد تخليه عن جنسيته، أعلن ديفيس نفسه “مواطنًا للعالم” وبدأ في حملة للدعوة إلى السلام والحكومة العالمية. أسس “سجل المواطنين العالميين” وبدأ في إصدار “جواز سفر عالمي”.
على الرغم من أن أفكاره غالبًا ما كانت مثيرة للجدل، إلا أن ديفيس ألهم الكثيرين برسالة السلام والوحدة. لقد كان شخصية بارزة في حركة السلام العالمية حتى وفاته في عام 2013.
نشأته وحياته المبكرة
ولد غاري ديفيس في بار هاربورد، مين، في 27 يوليو 1921. كان والده، مايرون ديفي، قائد أوركسترا مشهور، وكانت والدته، إيلنور جونز، ممثلة. نشأ ديفيس في بيئة فنية وثقافية حفزته على التفكير بشكل مستقل وتحدي الأعراف المجتمعية.
التحق ديفيس بجامعة كارنيجي ميلون قبل أن يخدم في القوات الجوية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. كان هذا التجنيد نقطة تحول في حياته، حيث شهد عن كثب الدمار والفظائع التي سببتها الحرب. تركت هذه التجربة أثرًا عميقًا عليه وأيقظت فيه الرغبة في العمل من أجل السلام.
بعد الحرب، درس ديفيس في جامعة السوربون في باريس، حيث بدأ في تطوير فلسفته الخاصة حول المواطنة العالمية والسلام. تأثر بشدة بالفكر الفلسفي الوجودي واللاعنف، وبدأ في رؤية الدول القومية كعقبة رئيسية أمام تحقيق السلام العالمي.
التخلي عن الجنسية الأمريكية
في عام 1948، اتخذ غاري ديفيس قرارًا جريئًا بالتخلي عن جنسيته الأمريكية أمام سفارة الولايات المتحدة في باريس. كان هذا العمل احتجاجًا رمزيًا على الحرب والقومية. أعلن ديفيس نفسه “مواطنًا للعالم” وأكد أن ولاءه الأول هو للإنسانية جمعاء، وليس لدولة معينة.
أثار هذا العمل ضجة كبيرة وجذب انتباه وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم. أصبح ديفيس رمزًا للسلام والوحدة العالمية، واعتبره البعض بطلاً، بينما انتقده آخرون باعتباره مثيرًا للمشاكل ومخالفًا للقانون.
بعد تخليه عن جنسيته، واجه ديفيس صعوبات في التنقل والسفر، حيث لم يعد يحمل وثيقة هوية رسمية. ومع ذلك، لم يمنعه ذلك من مواصلة حملته من أجل السلام العالمي.
المواطنة العالمية والحكومة العالمية
بعد تخليه عن جنسيته، كرس غاري ديفيس حياته للدعوة إلى المواطنة العالمية والحكومة العالمية. اعتقد أن الدول القومية هي السبب الجذري للحروب والصراعات، وأن الحل الوحيد لتحقيق السلام الدائم هو إنشاء حكومة عالمية ديمقراطية تحكم العالم بأسره.
أسس ديفيس “سجل المواطنين العالميين” وبدأ في إصدار “جواز سفر عالمي” كرمز للمواطنة العالمية. على الرغم من أن هذا الجواز لم يكن معترفًا به رسميًا من قبل معظم الدول، إلا أنه اكتسب شعبية بين الناشطين والمؤيدين لفكرة المواطنة العالمية.
قام ديفيس بالعديد من الرحلات حول العالم، حيث ألقى محاضرات وشارك في مظاهرات واجتمع مع قادة سياسيين ودينيين لنشر رسالته عن السلام والوحدة العالمية. سعى إلى إقناع الناس بأنهم أولاً وقبل كل شيء مواطنون للعالم، وأن عليهم العمل معًا من أجل حل المشاكل العالمية المشتركة.
أعماله ونشاطاته
- إنشاء “سجل المواطنين العالميين”: وهو منظمة تهدف إلى تسجيل الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مواطنين عالميين.
- إصدار “جواز سفر عالمي”: وهو وثيقة هوية رمزية تهدف إلى تمثيل المواطنة العالمية.
- السفر حول العالم: أجرى ديفيس العديد من الرحلات حول العالم لإلقاء محاضرات والمشاركة في المظاهرات والاجتماع مع القادة لنشر رسالته.
- تأسيس “المدن العالمية”: وهي مجتمعات تهدف إلى تطبيق مبادئ المواطنة العالمية.
- تأليف الكتب: كتب ديفيس العديد من الكتب حول أفكاره وفلسفته، بما في ذلك “جواز سفري إلى العالم” و “الحرب على السلام”.
انتقادات وآراء معارضة
واجهت أفكار غاري ديفيس حول المواطنة العالمية والحكومة العالمية العديد من الانتقادات والآراء المعارضة. جادل البعض بأن الولاء للدولة القومية ضروري للحفاظ على الهوية الثقافية والاستقرار السياسي. كما أعرب البعض عن مخاوفهم من أن الحكومة العالمية قد تؤدي إلى فقدان الديمقراطية والحرية الفردية.
انتقد البعض الآخر أساليب ديفيس في الاحتجاج والنشاط، واعتبروها مثيرة للجدل وغير فعالة. ومع ذلك، دافع ديفيس عن أساليبه بحجة أنها ضرورية لجذب الانتباه إلى قضيته وإثارة النقاش حول قضايا السلام والوحدة العالمية.
على الرغم من الانتقادات، استمر ديفيس في الدفاع عن أفكاره حتى وفاته، وألهم الكثيرين برسالة السلام والأمل في مستقبل أفضل للبشرية.
تأثيره وإرثه
ترك غاري ديفيس إرثًا دائمًا كواحد من أبرز دعاة السلام والمواطنة العالمية في القرن العشرين. ألهمت أفكاره وحركته العديد من الناشطين والمفكرين الذين يسعون إلى بناء عالم أكثر عدلاً وسلامًا.
على الرغم من أن رؤيته للحكومة العالمية لم تتحقق بالكامل، إلا أن أفكاره حول المواطنة العالمية والتعاون الدولي لا تزال ذات صلة في عالم اليوم، حيث تواجه البشرية تحديات عالمية معقدة مثل تغير المناخ والفقر والإرهاب.
يستمر “سجل المواطنين العالميين” و “جواز السفر العالمي” في الوجود كرموز لأفكار ديفيس، ويذكراننا بأهمية العمل معًا كبشر من أجل بناء عالم أفضل للجميع.
حياته الشخصية ووفاته
تزوج غاري ديفيس أربع مرات ولديه خمسة أطفال. عاش حياة متواضعة وبسيطة، وكرس معظم وقته وجهده لنشاطاته في مجال السلام والمواطنة العالمية.
توفي غاري ديفيس في 24 يوليو 2013، قبل ثلاثة أيام من عيد ميلاده الثاني والتسعين، في مدينة باريس التي شهدت بداية رحلته نحو العالمية والسلام. ترك وراءه إرثًا غنيًا من الأفكار والأعمال التي ستستمر في إلهام الأجيال القادمة.
خاتمة
كان غاري ديفيس شخصية فريدة ومثيرة للجدل، ولكنه كان أيضًا مناصرًا قويًا للسلام والوحدة العالمية. من خلال تخليه عن جنسيته الأمريكية وإعلانه نفسه مواطنًا للعالم، تحدى ديفيس المفاهيم التقليدية للهوية والولاء، ودعا إلى عالم يتجاوز الحدود القومية والخلافات السياسية. على الرغم من أن رؤيته لم تتحقق بالكامل، إلا أن أفكاره لا تزال ذات صلة اليوم، وتذكرنا بأهمية العمل معًا كبشر من أجل بناء عالم أفضل للجميع.