مقدمة
التنغرية (المعروفة أيضًا باسم التنغرية أو التنجرية أو التنغرانية) هي ديانة تركية ويينيسية ومنغولية عرقية نشأت في سهول أوراسيا. تتمحور حول عبادة السماء الزرقاء الأبدية، المعروفة باسم تنغري، الروح العليا التي يعتقد أنها تحكم كل الوجود. على الرغم من أنها غالبًا ما توصف بأنها شكل من أشكال الشامانية، إلا أن التنغرية تحمل عناصر مميزة تجعلها نظامًا دينيًا فريدًا بذاته.
أصل وتاريخ التنغرية
تعود جذور التنغرية إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث ظهرت بين القبائل الرحل في آسيا الوسطى. لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل الهوية الثقافية والروحية للشعوب التركية والمنغولية، مثل الهون والترك والكازاخ والقرغيز والأويغور والمغول. كانت التنغرية هي الديانة المهيمنة بين هذه الشعوب حتى ظهور البوذية والإسلام والمسيحية، والتي بدأت في الانتشار والتأثير في المنطقة خلال العصور الوسطى.
في العصور القديمة، كانت التنغرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقيادة السياسية. كان الخاقانات، أو الحكام، يُعتبرون ممثلين لتنغري على الأرض، ويستمدون سلطتهم وشرعيتهم من السماء. كان يُعتقد أن الخاقان يتمتع بعلاقة خاصة مع تنغري، وأن حكمه يعكس إرادة السماء. تراجعت أهمية التنغرية تدريجيًا مع تحول هذه الشعوب إلى ديانات أخرى، لكنها لم تختف تمامًا، وظلت حاضرة في الممارسات والتقاليد الشعبية.
المعتقدات والممارسات الأساسية
تتضمن التنغرية مجموعة متنوعة من المعتقدات والممارسات، ولكن بعض العناصر الأساسية تشمل:
- عبادة تنغري: الإيمان بالسماء الزرقاء الأبدية كإله أعلى، خالق ومهيمن على الكون.
- تبجيل الأرواح: احترام وتبجيل الأرواح الموجودة في الطبيعة، مثل أرواح الجبال والأنهار والأشجار.
- أهمية الأجداد: تكريم الأجداد والاعتقاد بأنهم يلعبون دورًا في حياة أحفادهم.
- الشامانية: الاعتماد على الشامان كوسيط بين عالم البشر وعالم الأرواح.
- الطقوس والاحتفالات: أداء الطقوس والاحتفالات الدينية للاحتفال بالمناسبات الهامة، مثل ولادة طفل أو الزواج أو الحصاد.
تنغري: يمثل تنغري القوة العليا والعدالة المطلقة. يُعتقد أنه يحكم مصير البشر ويحدد مسار الأحداث. غالبًا ما يتم تصويره على أنه قوة مجردة وغير شخصية، ولكنه أيضًا يتمتع بالقدرة على التدخل في شؤون البشر.
الأرواح: تلعب الأرواح دورًا مهمًا في التنغرية. يُعتقد أن كل شيء في الطبيعة، من الجبال الشاهقة إلى أصغر الحشرات، يمتلك روحًا. يجب على البشر أن يحترموا هذه الأرواح وأن يعيشوا في وئام معها لتجنب غضبها.
الشامان: الشامان هم أفراد يتمتعون بقدرات خاصة تمكنهم من التواصل مع عالم الأرواح. يقومون بدور الوسطاء بين البشر والأرواح، ويساعدون في علاج المرضى، والتنبؤ بالمستقبل، وتقديم المشورة للمجتمع. غالبًا ما يخضع الشامان لتدريب مكثف ويتعلمون كيفية الدخول في حالة النشوة للتواصل مع الأرواح.
التنغرية في العصر الحديث
على الرغم من أن التنغرية لم تعد الديانة المهيمنة في آسيا الوسطى، إلا أنها لا تزال حية في الذاكرة الثقافية للشعوب التركية والمنغولية. في السنوات الأخيرة، كان هناك اهتمام متزايد بإحياء التنغرية كجزء من حركة أوسع لإعادة اكتشاف الهوية الثقافية والتراث الروحي.
في بعض الجمهوريات التركية، مثل قيرغيزستان وكازاخستان، أصبحت التنغرية تحظى بشعبية متزايدة، خاصة بين المثقفين والقوميين. يُنظر إليها على أنها بديل أصيل للإسلام والبوذية والمسيحية، وتوفر أساسًا للهوية الوطنية المستقلة.
بالإضافة إلى ذلك، تثير التنغرية اهتمامًا متزايدًا بين الباحثين والعلماء المهتمين بدراسة الأديان الأصلية للشعوب التركية والمنغولية. يتم إجراء المزيد من الأبحاث حول تاريخ التنغرية ومعتقداتها وممارساتها، مما يساعد على فهم أفضل لهذا النظام الديني الفريد.
التنغرية والشامانية: أوجه التشابه والاختلاف
غالبًا ما يتم الخلط بين التنغرية والشامانية، وذلك بسبب وجود العديد من العناصر المشتركة بينهما. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن التنغرية هي نظام ديني متميز بذاته، وليس مجرد شكل من أشكال الشامانية.
أوجه التشابه:
- كلاهما يركز على العلاقة بين البشر وعالم الأرواح.
- كلاهما يعتمد على الشامان كوسيط بين العالمين.
- كلاهما يولي أهمية كبيرة للطبيعة والأرواح الموجودة فيها.
أوجه الاختلاف:
- التنغرية تركز بشكل أكبر على عبادة تنغري، الإله الأعلى.
- التنغرية تتضمن مجموعة أكثر تعقيدًا من المعتقدات والممارسات الدينية.
- التنغرية غالبًا ما تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالهوية الثقافية والسياسية لشعب معين.
بشكل عام، يمكن اعتبار الشامانية عنصرًا من عناصر التنغرية، ولكن التنغرية تتجاوز الشامانية لتشمل مجموعة أوسع من المعتقدات والممارسات الدينية.
التأثيرات الثقافية للتنغرية
تركت التنغرية بصمات واضحة على الثقافة التركية والمنغولية، ويمكن رؤية تأثيراتها في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الأدب والفن والموسيقى والفولكلور. على سبيل المثال، غالبًا ما تصور الأساطير التركية والمنغولية تنغري كإله خالق وقوة مهيمنة على الكون.
كما أن العديد من العادات والتقاليد التركية والمنغولية تعود إلى أصول تنغرية. على سبيل المثال، يعتبر تبجيل الأجداد وتقديم القرابين للأرواح من الممارسات الشائعة التي تعكس تأثير التنغرية.
بالإضافة إلى ذلك، أثرت التنغرية على الفن التركي والمنغولي، حيث غالبًا ما تصور اللوحات والمنحوتات رموزًا وشخصيات تنغرية. كما أن الموسيقى التركية والمنغولية تتضمن في بعض الأحيان عناصر من الطقوس الدينية التنغرية.
التنغرية والأديان الأخرى
تفاعلت التنغرية مع العديد من الأديان الأخرى على مر التاريخ، بما في ذلك البوذية والإسلام والمسيحية. في بعض الحالات، أدت هذه التفاعلات إلى التوفيق بين المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة. على سبيل المثال، تبنت بعض الشعوب التركية والمنغولية عناصر من البوذية والإسلام والمسيحية، ودمجتها في ممارساتها الدينية التنغرية.
في حالات أخرى، أدت التفاعلات بين التنغرية والأديان الأخرى إلى صراعات دينية. على سبيل المثال، واجه أتباع التنغرية في بعض الأحيان اضطهادًا من قبل السلطات الدينية البوذية والإسلامية والمسيحية.
بشكل عام، كانت العلاقة بين التنغرية والأديان الأخرى معقدة ومتنوعة، وتأثرت بالظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية المختلفة.
خاتمة
التنغرية هي ديانة عرقية تركية ويينيسية ومنغولية قديمة، تتمحور حول عبادة السماء الزرقاء الأبدية تنغري. لعبت دورًا هامًا في تشكيل الهوية الثقافية والروحية للشعوب التركية والمنغولية، ولا تزال تحظى بالتقدير والاحترام حتى اليوم. على الرغم من أنها غالبًا ما توصف بأنها شامانية، إلا أنها نظام ديني فريد بخصائصه المميزة. في العصر الحديث، تشهد التنغرية إحياءً واهتمامًا متزايدًا كجزء من حركة أوسع لإعادة اكتشاف التراث الثقافي والروحي.