لويجي فابري (Luigi Fabbri)

حياته المبكرة ونشأته

ولد لويجي فابري في 5 ديسمبر 1877 في مدينة فابريانو في منطقة ماركي بإيطاليا. نشأ في عائلة متواضعة، وعانى من الفقر والحرمان في صغره، مما أثر بشكل كبير على رؤيته للعالم وتوجهاته السياسية. في سن مبكرة، بدأ فابري يظهر اهتمامًا بالقضايا الاجتماعية والسياسية، وانخرط في الحركة الاشتراكية في نهاية القرن التاسع عشر. ومع ذلك، سرعان ما خاب أمله في الاشتراكية التقليدية، التي اعتبرها بيروقراطية وسلطوية، وبدأ يبحث عن بدائل أكثر جذرية.

في هذه الفترة، تعرف فابري على الأفكار اللاسلطوية من خلال كتابات ميخائيل باكونين وبيتر كروبوتكين وإريكو مالاتيستا، وغيرهم من المنظرين اللاسلطويين. تأثر فابري بشكل خاص بفكرة الحرية الفردية والرفض المطلق للسلطة، واعتنق اللاسلطوية كفلسفة سياسية واجتماعية.

نشاطه السياسي والكتابة

بدأ لويجي فابري نشاطه السياسي في أواخر القرن التاسع عشر، حيث انضم إلى العديد من المنظمات اللاسلطوية وشارك في الاحتجاجات والإضرابات والمظاهرات. كان فابري متحدثًا بارعًا وكاتبًا غزير الإنتاج، وساهم في العديد من الصحف والمجلات اللاسلطوية، مثل “L’Agitazione” و “Volontà” و “Pensiero e Volontà”.

ركزت كتابات فابري على نقد الرأسمالية والدولة والسلطة، والدفاع عن الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية والمساواة. كان فابري يعتقد أن الرأسمالية نظام استغلالي يؤدي إلى الفقر والتفاوت الاجتماعي، وأن الدولة أداة قمع في يد الطبقة الحاكمة. دعا فابري إلى إلغاء الدولة والرأسمالية، وإقامة مجتمع لاسلطوي قائم على التعاون والتضامن المتبادلين.

خلال الحرب العالمية الأولى، اتخذ فابري موقفًا مناهضًا للحرب، ودعا إلى السلام واللاعنف. اتُهم فابري بالهزيمة والتحريض على الفتنة، وسُجن عدة مرات بسبب أنشطته السياسية. بعد الحرب، استمر فابري في نشاطه اللاسلطوي، وشارك في تأسيس العديد من المنظمات اللاسلطوية، مثل “الاتحاد اللاسلطوي الإيطالي” (Unione Anarchica Italiana).

من أهم مؤلفات لويجي فابري:

  • “تأثيرات الأخلاق على المفهوم الاشتراكي للحياة” (L’influenza della morale sulle concezioni sociali della vita)
  • “الدولة والاشتراكية” (Stato e socialismo)
  • “بورجوازية في مواجهة الاشتراكية” (Borghesia contro socialismo)
  • “رسالة إلى الرفاق” (Lettera ai compagni)
  • “لاسلطوية وما بعده” (Anarchia… e non altro)
  • “ديكتاتورية وبروليتاريا” (Dittatura e proletariato)
  • “مقدمات” (Prefazioni)

معارضته للحرب العالمية الأولى

كان لويجي فابري من أشد المعارضين للحرب العالمية الأولى، حيث اعتبرها صراعًا إمبرياليًا لا يخدم مصالح الطبقة العاملة. دعا فابري إلى السلام واللاعنف، وحث العمال على رفض التجنيد والمشاركة في الحرب. بسبب موقفه المناهض للحرب، اتُهم فابري بالهزيمة والتحريض على الفتنة، وسُجن عدة مرات خلال الحرب.

كتب فابري العديد من المقالات والكتيبات التي تدين الحرب وتدعو إلى السلام. كان فابري يعتقد أن الحرب هي نتيجة حتمية للرأسمالية والدولة، وأن السبيل الوحيد لتحقيق السلام هو إلغاء هاتين المؤسستين. دعا فابري إلى ثورة اجتماعية عالمية تطيح بالرأسمالية والدولة، وتقيم مجتمعًا لاسلطويًا قائمًا على التعاون والتضامن المتبادلين.

معارضته للفاشية

بعد صعود الفاشية في إيطاليا في عشرينيات القرن الماضي، أصبح لويجي فابري من أشد معارضي بينيتو موسوليني ونظامه. كان فابري يعتقد أن الفاشية هي شكل من أشكال الحكم الاستبدادي الذي يقمع الحريات الفردية ويخدم مصالح الطبقة الحاكمة. دعا فابري إلى مقاومة الفاشية بكل الوسائل، بما في ذلك المقاومة المسلحة.

في عام 1926، اضطر فابري إلى مغادرة إيطاليا بسبب اضطهاد الفاشيين. ذهب فابري إلى المنفى في الأوروغواي، حيث استمر في نشاطه اللاسلطوي والكتابة. كتب فابري العديد من المقالات والكتيبات التي تدين الفاشية وتدعو إلى مقاومتها. كان فابري يعتقد أن الفاشية هي تهديد للحرية والديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وأن السبيل الوحيد لهزيمة الفاشية هو توحيد جميع القوى التقدمية.

سنواته الأخيرة ووفاته

قضى لويجي فابري سنواته الأخيرة في المنفى في الأوروغواي، حيث استمر في نشاطه اللاسلطوي والكتابة. توفي فابري في 24 يونيو 1935 في مونتيفيديو، عن عمر يناهز 57 عامًا. ترك فابري وراءه إرثًا غنيًا من الكتابات والأفكار التي ألهمت العديد من الأجيال من اللاسلطويين والناشطين الاجتماعيين.

على الرغم من أنه عاش في فترة مضطربة وشهد العديد من الأحداث التاريخية الهامة، ظل لويجي فابري مخلصًا لمبادئه اللاسلطوية، ودافع عن الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية والمساواة حتى نهاية حياته. يعتبر فابري شخصية بارزة في تاريخ الحركة اللاسلطوية، وقد ساهمت كتاباته وأفكاره في تطوير النظرية والممارسة اللاسلطوية.

إرثه وتأثيره

لا يزال إرث لويجي فابري يلهم اللاسلطويين والناشطين الاجتماعيين في جميع أنحاء العالم. تعتبر كتابات فابري مصدرًا قيمًا للأفكار والتحليلات حول القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. لقد أثرت أفكار فابري في العديد من الحركات الاجتماعية والسياسية، مثل الحركة المناهضة للعولمة وحركة العدالة الاجتماعية وحركة حقوق الإنسان.

تظل كتابات فابري ذات صلة اليوم كما كانت في حياته. إن نقده للرأسمالية والدولة والسلطة يتردد صداه لدى العديد من الأشخاص الذين يشعرون بالإحباط من الظلم والتفاوت الاجتماعي. إن دعوته إلى الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية والمساواة لا تزال تشكل مصدر إلهام للناشطين الذين يناضلون من أجل عالم أفضل.

خاتمة

كان لويجي فابري لاسلطويًا إيطاليًا بارزًا، وكاتبًا غزير الإنتاج، ومعلمًا ملتزمًا. كرس حياته للدفاع عن الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية والمساواة، وترك وراءه إرثًا غنيًا من الكتابات والأفكار التي لا تزال تلهم اللاسلطويين والناشطين الاجتماعيين في جميع أنحاء العالم. لقد كان فابري شخصية مثيرة للجدل في عصره، لكنه بلا شك كان مفكرًا مؤثرًا وداعية قويًا للتغيير الاجتماعي.

المراجع