نشأته وتعليمه
ولد مكرم عبيد في مدينة قنا في صعيد مصر، لعائلة قبطية مرموقة. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مصر، ثم سافر إلى بريطانيا لمتابعة دراسته. التحق بجامعة أكسفورد، حيث درس القانون والعلوم السياسية، وتخرج منها بدرجة امتياز. خلال فترة دراسته في بريطانيا، اكتسب مكرم عبيد فهمًا عميقًا للديمقراطية الغربية والمؤسسات السياسية الحديثة، مما أثر بشكل كبير على رؤيته السياسية.
مسيرته السياسية المبكرة
بدأ مكرم عبيد مسيرته السياسية مبكرًا، حيث انضم إلى حزب الوفد، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في ذلك الوقت، وكان يمثل التيار الوطني المصري. سرعان ما صعد في صفوف الحزب، وتولى منصب السكرتير العام، وهو منصب هام للغاية في هيكل الحزب. لعب دورًا حيويًا في صياغة أيديولوجية الحزب وتنظيم صفوفه، وأصبح من المقربين من الزعيم التاريخي للحزب، سعد زغلول.
كان مكرم عبيد مؤمنًا قويًا بالديمقراطية والوحدة الوطنية، وعمل بجد لتحقيق هذه الأهداف. شارك في العديد من الانتخابات البرلمانية، وفاز بمقعد في البرلمان المصري لعدة دورات. من خلال منصبه كعضو في البرلمان، دافع عن حقوق المصريين، وعمل على سن القوانين التي تخدم مصالحهم. كان معروفًا بخطاباته النارية وقدرته على الإقناع، مما جعله شخصية مؤثرة في الحياة السياسية المصرية.
دوره في صياغة الدستور
كان لمكرم عبيد دور محوري في صياغة الدستور المصري عام 1923، والذي كان علامة فارقة في تاريخ مصر. شارك بفعالية في مناقشات اللجنة التي وضعت الدستور، وقدم اقتراحات مهمة ساهمت في إثراء الدستور وتعزيز مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. كان يرى أن الدستور هو الضمانة الأساسية لحقوق الشعب المصري وحرياته، وعمل على أن يعكس الدستور تطلعات المصريين إلى مستقبل أفضل.
الخلاف مع الوفد
على الرغم من ولائه لحزب الوفد، نشأ خلاف بين مكرم عبيد وقيادة الحزب، خاصة بعد وفاة سعد زغلول. اختلف مكرم عبيد مع بعض سياسات الحزب، ورأى أن هناك انحرافًا عن المبادئ التي تأسس عليها الحزب. أدى هذا الخلاف إلى استقالته من منصب السكرتير العام، ثم إلى فصله من الحزب في نهاية المطاف. على الرغم من ذلك، حافظ مكرم عبيد على شعبيته واحترامه في الشارع المصري.
دوره في الحكومة
شغل مكرم عبيد عددًا من المناصب الوزارية في الحكومات المصرية المتعاقبة. تولى حقيبة وزارة المالية، ووزارة المواصلات، وغيرها من الحقائب الوزارية. من خلال هذه المناصب، عمل على تنفيذ سياساته التي تهدف إلى تطوير الاقتصاد المصري، وتحسين البنية التحتية، وخدمة المواطنين. كان معروفًا بكفاءته ونزاهته، وحاول جاهدًا أن يخدم وطنه بأفضل ما لديه من قدرات.
دوره في القضايا الوطنية
كان مكرم عبيد من أشد المؤيدين للقضايا الوطنية المصرية، وخاصة قضية الاستقلال والتحرر من الاستعمار البريطاني. دافع عن حقوق المصريين في تقرير المصير، وعمل على تحقيق الاستقلال الكامل لمصر. شارك في العديد من المظاهرات والاحتجاجات ضد الاحتلال البريطاني، وألقى الخطب الحماسية التي تحث المصريين على التمسك بحقوقهم. كان يؤمن بأن الاستقلال هو السبيل الوحيد لتحقيق التنمية والازدهار لمصر.
بالإضافة إلى ذلك، كان مكرم عبيد من دعاة الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في مصر. كان يرى أن الوحدة الوطنية هي أساس قوة مصر، وعمل على تعزيز التسامح والتعايش بين جميع المصريين. دافع عن حقوق الأقباط، وعمل على منع التمييز ضدهم. كان يؤمن بأن مصر يجب أن تكون دولة لجميع المصريين، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم.
العلاقة مع الملك فاروق
كانت العلاقة بين مكرم عبيد والملك فاروق متوترة في بعض الأحيان. اختلف مكرم عبيد مع الملك حول بعض القضايا السياسية، وانتقد سياسات الملك. ومع ذلك، كان يحترم منصب الملك، وعمل على الحفاظ على علاقات جيدة مع القصر الملكي في حدود المعقول. كان يرى أن الملكية يجب أن تكون رمزًا للوحدة الوطنية، وأن تعمل على خدمة مصالح الشعب المصري.
السنوات الأخيرة والوفاة
في السنوات الأخيرة من حياته، ابتعد مكرم عبيد عن الحياة السياسية النشطة، ولكنه ظل يتابع الأحداث السياسية عن كثب. توفي في 5 يونيو 1961، تاركًا وراءه إرثًا سياسيًا كبيرًا. ترك مكرم عبيد بصمة واضحة في تاريخ مصر، ولا يزال يُذكر كأحد أبرز السياسيين المصريين الذين دافعوا عن الديمقراطية والوحدة الوطنية.
إرثه
يعتبر مكرم عبيد شخصية جدلية، فقد اختلف معه الكثيرون في آرائه، وتعرض لانتقادات حادة في بعض الأحيان. ومع ذلك، لا يمكن إنكار دوره البارز في الحياة السياسية المصرية. ترك مكرم عبيد إرثًا سياسيًا كبيرًا، يتمثل في إيمانه بالديمقراطية، ودعمه للقضايا الوطنية، وعمله على تحقيق الوحدة الوطنية. كان مثالًا للسياسي الذي يضع مصلحة وطنه فوق كل اعتبار، ويتمتع بشخصية قوية وقدرة فائقة على الإقناع. يظل مكرم عبيد شخصية محورية في فهم تاريخ مصر الحديث، ودرسًا في الوطنية والتفاني في خدمة الوطن.
خاتمة
كان مكرم عبيد باشا سياسيًا مصريًا بارزًا، لعب دورًا مهمًا في تشكيل الحياة السياسية في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين. من خلال مسيرته في حزب الوفد، ودوره في صياغة الدستور، ودعمه للقضايا الوطنية، ترك مكرم عبيد بصمة لا تمحى في تاريخ مصر. على الرغم من الخلافات التي واجهته، يبقى مكرم عبيد شخصية محورية في فهم تاريخ مصر الحديث، ورمزًا للوطنية والديمقراطية.
المراجع
- موقع الهيئة العامة للاستعلامات – مكرم عبيد: السياسي القومي المصري الذي طالب بالديمقراطية
- البوابة نيوز – مكرم عبيد.. “الوطني القبطي” الذي تحول إلى وزير مالية وصنع “الدستور”
- اليوم السابع – الذكرى السنوية لوفاة مكرم عبيد.. والذى طلب بأهمية دوره فى صياغة الدستور
- مصراوي – بالصور.. الذكرى 61 لوفاة مكرم عبيد في ذكرى السنوية لوفاته