مقدمة
عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، صحابي جليل وشاعر من شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد قادة معركة مؤتة. يُكنى أبا محمد، وقيل أبو رواحة. شهد بيعة العقبة وشهد بدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان من السابقين إلى الإسلام ومن الأنصار الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم وآووه.
نشأته وحياته قبل الإسلام
ولد عبد الله بن رواحة في يثرب (المدينة المنورة) ونشأ في قبيلة الخزرج. لم تذكر المصادر الكثير عن حياته قبل الإسلام، إلا أنه كان معروفاً بفطنته ورجاحة عقله، وكان له مكانة مرموقة في قومه. كان يجيد القراءة والكتابة، وهو أمر نادر في ذلك الوقت، مما يدل على اهتمامه بالعلم والمعرفة. عرف بالشعر وكان له ذوق رفيع فيه.
إسلامه وهجرته
كان عبد الله بن رواحة من أوائل الأنصار الذين أسلموا، حيث بايع النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية. كان إسلامه نقطة تحول في حياته، حيث كرس نفسه لخدمة الإسلام ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم. بعد بيعة العقبة، هاجر عبد الله بن رواحة إلى مكة مع من هاجر من الأنصار، ثم عاد إلى المدينة المنورة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
دوره في نصرة الإسلام
المشاركة في الغزوات: شارك عبد الله بن رواحة في جميع الغزوات والمشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبلى فيها بلاءً حسناً. كان شجاعاً مقداماً لا يخشى في الله لومة لائم. شهد بدراً وأحداً والخندق وخيبر وفتح مكة وحنيناً وتبوك، وغيرها من الغزوات.
شاعر الرسول: كان عبد الله بن رواحة من شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يدافع عن الإسلام بشعره ويرد على شعراء المشركين. كان شعره يمتاز بالقوة والجزالة والإخلاص. من أشهر أشعاره قصيدته التي رثى فيها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بعد استشهاده في معركة أحد.
المساهمة في نشر العلم: كان عبد الله بن رواحة حريصاً على نشر العلم وتعليم الناس أمور دينهم. كان يجلس في المسجد النبوي ويعلم الناس القرآن والسنة. كان يتميز بالحكمة والرفق في دعوته إلى الله.
توليه بعض المهام: كلفه الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض المهام، مثل جمع الزكاة من بعض القبائل، وتولي بعض الأمور الإدارية في المدينة المنورة.
معركة مؤتة واستشهاده
كانت معركة مؤتة من أبرز الأحداث التي شارك فيها عبد الله بن رواحة، وكانت خاتمة حياته. قاد النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى مؤتة لمواجهة الروم وحلفائهم من العرب. أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة على الجيش، وقال: “فإن قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة”.
اشتبك المسلمون مع الروم في معركة شرسة غير متكافئة، حيث كان عدد الروم أضعاف عدد المسلمين. استشهد زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب، فحمل الراية عبد الله بن رواحة. تردد عبد الله بن رواحة قليلاً قبل أن يقتحم صفوف الروم، ثم أنشد قائلاً:
أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعة أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة
ثم اقتحم صفوف الروم وقاتل بشجاعة حتى استشهد رضي الله عنه. كان استشهاده في معركة مؤتة دليلاً على صدق إيمانه وإخلاصه لله ورسوله.
صفاته وأخلاقه
اتصف عبد الله بن رواحة بالعديد من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة، منها:
- الإيمان العميق: كان إيمانه قوياً راسخاً لا يتزعزع، وكان يظهر ذلك في جميع أقواله وأفعاله.
- الشجاعة والإقدام: كان شجاعاً مقداماً لا يخشى في الله لومة لائم، وكان يتقدم الصفوف في المعارك والغزوات.
- الكرم والجود: كان كريماً جواداً ينفق ماله في سبيل الله، وكان يساعد المحتاجين والفقراء.
- التواضع والزهد: كان متواضعاً زاهداً في الدنيا، لا يطمح إلى المناصب أو الشهرة.
- الحكمة والعقل: كان حكيماً عاقلاً يتميز برجاحة العقل وسداد الرأي.
- الشعر البليغ: كان شاعراً بليغاً يدافع عن الإسلام بشعره ويرد على شعراء المشركين.
مكانته وفضله
كان عبد الله بن رواحة من أفضل الصحابة وأجلهم، وكان له مكانة مرموقة عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند الصحابة. قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “نِعمَ الأميرُ عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ”. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في رؤيا رآها، فدل ذلك على مكانته الرفيعة عند الله.
كان عبد الله بن رواحة من السابقين إلى الإسلام ومن الأنصار الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم وآووه. كان من أهل بيعة العقبة وشهد بدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان له دور كبير في نصرة الإسلام ونشر العلم والدعوة إلى الله.
أسرته
تزوج عبد الله بن رواحة من عمرة بنت قيس، وأنجب منها ابنه محمد الذي كان أيضاً من الصحابة. كما تزوج من غيرها وأنجب أولاداً آخرين.
أقوال مأثورة عنه
رويت عن عبد الله بن رواحة بعض الأقوال المأثورة التي تدل على حكمته وعقله، منها:
- “إن استطعت أن تخلو إلى الله بخلوة، فافعل”.
- “إن الرجل ليضرب عن يمينه وعن شماله، فيعلم أنه قد أخطأ، فيرجع إلى الحق، وإن الرجل ليضرب عن يمينه وعن شماله، فيعلم أنه قد أصاب، فيرجع إلى الباطل”.
- “لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والذل أحب إليه من العز، والمرض أحب إليه من الصحة”.
خاتمة
عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، صحابي جليل وشاعر فذ، بذل حياته في خدمة الإسلام ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم. كان مثالاً يحتذى به في الإيمان والشجاعة والكرم والتواضع. استشهد في معركة مؤتة وهو يدافع عن الإسلام، فسطر بدمه أروع صفحات البطولة والفداء. نسأل الله تعالى أن يرضى عنه وأن يجمعنا به في جنات النعيم.