التأسيس والاندماج
تعود جذور “مستشارون عبر البحار” إلى الرغبة في تجميع الخبرات والكفاءات الأمريكية المتميزة في مجالات الهندسة والإدارة لخدمة جهود إعادة الإعمار العالمي. في عام 1946، اتحدت إحدى عشرة شركة رائدة، كل منها تمتلك سجلًا حافلًا بالإنجازات، لتشكيل كيانًا موحدًا قادرًا على تولي مشاريع واسعة النطاق. شملت هذه الشركات:
- Stone & Webster Engineering Corporation
- Ford, Bacon & Davis
- Coverdale & Colpitts
- Ebasco Services Incorporated
- Jackson & Moreland
- J.G. White Engineering Corporation
- Knappen Tippetts Abbett Engineering Co.
- Lyons Planning & Research
- Sanderson & Porter
- Slocum & Fuller
- United Engineers & Constructors Inc.
هذا الاندماج لم يكن مجرد تجميع للأسماء، بل كان تجميعًا للخبرات المتراكمة والمعرفة الفنية والإدارية التي شكلت قوة دافعة للشركة الوليدة. سرعان ما أصبحت “مستشارون عبر البحار” مرجعًا عالميًا في مجال الاستشارات الهندسية والإدارية.
نطاق العمل والمشاريع
تخصصت “مستشارون عبر البحار” في تخطيط وتنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى، بما في ذلك:
- محطات توليد الطاقة: تصميم وإنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية بأنواعها المختلفة (تقليدية، نووية، مائية).
- شبكات النقل: تخطيط وتصميم وتنفيذ الطرق والجسور والسكك الحديدية والموانئ والمطارات.
- المشاريع الصناعية: تقديم الاستشارات الهندسية والإدارية للمشاريع الصناعية المختلفة، بدءًا من المصانع الصغيرة وحتى المجمعات الصناعية الكبيرة.
- مشاريع الري والصرف: تصميم وتنفيذ مشاريع الري والصرف الزراعي لزيادة الإنتاجية الزراعية وتحسين إدارة الموارد المائية.
- التنمية الحضرية: تخطيط وتصميم المدن الجديدة وتطوير المدن القائمة، مع مراعاة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
من أبرز المشاريع التي شاركت فيها الشركة مشروع “خطة النقطة الرابعة” للرئيس الأمريكي هاري ترومان، والتي هدفت إلى تقديم المساعدة الفنية والاقتصادية للدول النامية في جميع أنحاء العالم. كما شاركت الشركة في مشاريع تنموية كبرى في إيران، بما في ذلك تطوير البنية التحتية النفطية والصناعية.
الدور في التنمية الإيرانية
لعبت “مستشارون عبر البحار” دورًا هامًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إيران خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. قدمت الشركة الاستشارات الفنية والإدارية للحكومة الإيرانية في مجالات متعددة، بما في ذلك:
- تطوير قطاع النفط: ساهمت الشركة في تطوير البنية التحتية النفطية الإيرانية، بما في ذلك خطوط الأنابيب والمصافي ومحطات التصدير.
- تطوير الصناعة: قدمت الشركة الاستشارات الفنية للمشاريع الصناعية المختلفة، بما في ذلك مصانع النسيج والسكر والإسمنت.
- تطوير الزراعة: ساهمت الشركة في مشاريع الري والصرف الزراعي لتحسين الإنتاجية الزراعية وزيادة دخل المزارعين.
- تطوير البنية التحتية: شاركت الشركة في مشاريع بناء الطرق والجسور والمطارات والموانئ لتحسين شبكة النقل في إيران.
كان لوجود “مستشارون عبر البحار” في إيران تأثير كبير على تحديث الاقتصاد الإيراني وتطوير البنية التحتية. ساهمت الشركة في تدريب الكوادر الإيرانية ونقل المعرفة الفنية والإدارية، مما ساعد على بناء القدرات المحلية في مختلف المجالات.
التحديات والانتقادات
على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها “مستشارون عبر البحار”، إلا أنها لم تسلم من التحديات والانتقادات. واجهت الشركة صعوبات في التكيف مع الظروف المحلية في بعض البلدان التي عملت فيها، كما تعرضت لانتقادات بسبب تركيزها على المشاريع الكبرى ذات التكنولوجيا المتقدمة، والتي قد لا تكون مناسبة لاحتياجات المجتمعات المحلية. بالإضافة إلى ذلك، واجهت الشركة اتهامات بالفساد والمحاباة في بعض المشاريع التي شاركت فيها.
حل الشركة
تم حل شركة “مستشارون عبر البحار” في عام 1962. يعزى هذا الحل إلى عدة عوامل، بما في ذلك:
- تغير المناخ السياسي: شهدت فترة الستينيات تغيرات سياسية كبيرة في العديد من البلدان النامية، مما أثر على بيئة عمل الشركات الأجنبية.
- زيادة المنافسة: ازدادت المنافسة في سوق الاستشارات الهندسية والإدارية، مما أثر على قدرة “مستشارون عبر البحار” على الفوز بالمشاريع الكبرى.
- الخلافات الداخلية: نشأت خلافات داخلية بين الشركات المساهمة في “مستشارون عبر البحار”، مما أضعف قدرة الشركة على اتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع.
على الرغم من حلها، تركت “مستشارون عبر البحار” إرثًا كبيرًا في مجال الاستشارات الهندسية والإدارية. ساهمت الشركة في تطوير البنية التحتية والاقتصاديات للعديد من الدول، وقدمت نموذجًا للتعاون الدولي في مجال التنمية.
إرث الشركة
يمكن تلخيص إرث “مستشارون عبر البحار” في النقاط التالية:
- المساهمة في التنمية العالمية: لعبت الشركة دورًا هامًا في إعادة الإعمار والتنمية في مختلف أنحاء العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
- نقل المعرفة والخبرة: ساهمت الشركة في تدريب الكوادر المحلية ونقل المعرفة الفنية والإدارية، مما ساعد على بناء القدرات المحلية في مختلف المجالات.
- تطوير معايير الجودة: ساهمت الشركة في تطوير معايير الجودة في مجال الاستشارات الهندسية والإدارية.
- نموذج للتعاون الدولي: قدمت الشركة نموذجًا للتعاون الدولي في مجال التنمية، من خلال تجميع الخبرات والكفاءات الأمريكية لخدمة جهود التنمية العالمية.
خاتمة
كانت شركة “مستشارون عبر البحار” (Overseas Consultants, Inc.) كيانًا فريدًا من نوعه في تاريخ الاستشارات الهندسية والإدارية. تأسست نتيجة اندماج شركات رائدة، ولعبت دورًا محوريًا في مشاريع التنمية وإعادة الإعمار حول العالم، خاصةً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. على الرغم من حلها في النهاية، إلا أن إرثها لا يزال حاضرًا في البنية التحتية والاقتصاديات للعديد من الدول، وفي المعايير المهنية التي ساهمت في تطويرها.