نشأته وتعليمه
ولد هارولد فرنش دودج في لويل، ماساتشوستس، في عام 1893. تلقى تعليمه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية عام 1916. بعد تخرجه، انضم إلى شركة ويسترن إلكتريك (Western Electric)، وهي الشركة المصنعة لمعدات الهاتف التابعة لشركة AT&T. هذه البداية المهنية كانت حاسمة في تشكيل مسيرته المهنية في مجال الجودة.
مسيرته المهنية في مختبرات بل
قضى دودج معظم حياته المهنية في مختبرات بل (Bell Telephone Laboratories)، حيث عمل كمهندس ومستشار في مجال الجودة. كانت مختبرات بل في ذلك الوقت مركزًا للابتكار التكنولوجي، وكان دودج في طليعة تطوير الأساليب الإحصائية لتحسين جودة المنتجات والخدمات. انضم إلى المختبرات في عام 1917 و تقاعد منها عام 1958.
في مختبرات بل، تعاون دودج مع مجموعة من المهندسين والإحصائيين الموهوبين، بمن فيهم والتر شيوارت (Walter Shewhart)، الذي يُعتبر رائدًا في مجال مراقبة العمليات الإحصائية. عمل دودج وشيوارت معًا لتطوير مفاهيم وأساليب جديدة لمراقبة الجودة وتحسينها.
أخذ العينات القبولية
يعتبر هارولد دودج من الرواد في مجال أخذ العينات القبولية، وهي تقنية إحصائية تستخدم لتحديد ما إذا كان يجب قبول أو رفض دفعة من المنتجات بناءً على فحص عينة عشوائية منها. طور دودج إجراءات أخذ العينات التي كانت فعالة من حيث التكلفة وسهلة التنفيذ.
تعتمد فكرة أخذ العينات القبولية على الموازنة بين تكلفة فحص كل منتج في الدفعة وتكلفة قبول دفعة معيبة. باستخدام الأساليب الإحصائية، يمكن تحديد حجم العينة المناسب ومعايير القبول التي تقلل من المخاطر المرتبطة باتخاذ قرارات خاطئة.
أحد أهم إسهامات دودج في هذا المجال هو تطوير “جداول أخذ العينات دودج-روميج” (Dodge-Romig Sampling Tables)، التي توفر خططًا جاهزة لأخذ العينات القبولية بناءً على مستوى الجودة المطلوب وحجم الدفعة. أصبحت هذه الجداول معيارًا صناعيًا واستخدمت على نطاق واسع في مجموعة متنوعة من الصناعات.
- مزايا أخذ العينات القبولية:
- فعالة من حيث التكلفة مقارنة بفحص جميع المنتجات.
- تسمح باتخاذ قرارات سريعة بشأن قبول أو رفض الدفعات.
- يمكن استخدامها في مجموعة متنوعة من الصناعات.
- عيوب أخذ العينات القبولية:
- لا تضمن خلو الدفعة المقبولة من العيوب.
- تعتمد على الافتراضات الإحصائية التي قد لا تكون صحيحة دائمًا.
- تتطلب تخطيطًا دقيقًا لتحديد حجم العينة المناسب ومعايير القبول.
مراقبة العمليات الإحصائية
بالإضافة إلى عمله في أخذ العينات القبولية، ساهم دودج أيضًا في تطوير مراقبة العمليات الإحصائية (SPC)، وهي مجموعة من التقنيات الإحصائية المستخدمة لمراقبة أداء العمليات الصناعية وتحديد المشاكل التي قد تؤدي إلى إنتاج منتجات معيبة.
تعتمد مراقبة العمليات الإحصائية على استخدام الرسوم البيانية للتحكم (Control Charts) لتحليل البيانات التي يتم جمعها من العملية. تساعد هذه الرسوم البيانية على تحديد ما إذا كانت العملية تعمل ضمن الحدود المقبولة وتحديد أي اتجاهات أو أنماط غير طبيعية قد تشير إلى وجود مشكلة.
من خلال مراقبة العمليات الصناعية باستخدام الأساليب الإحصائية، يمكن للمصنعين تحديد المشاكل وإصلاحها بسرعة، مما يؤدي إلى تحسين جودة المنتجات وتقليل التكاليف.
- مزايا مراقبة العمليات الإحصائية:
- تحسين جودة المنتجات.
- تقليل التكاليف.
- زيادة كفاءة العمليات.
- تحديد المشاكل وإصلاحها بسرعة.
- عيوب مراقبة العمليات الإحصائية:
- تتطلب جمع وتحليل البيانات بشكل مستمر.
- تتطلب تدريب الموظفين على استخدام الأدوات الإحصائية.
- قد تكون مكلفة في البداية.
مؤلفاته ومنشوراته
نشر هارولد دودج العديد من المقالات والكتب حول مراقبة الجودة والأساليب الإحصائية. من بين أشهر مؤلفاته:
- “Sampling Inspection Tables: Single and Double Sampling” (1941): يقدم هذا الكتاب جداول مفصلة لأخذ العينات القبولية، والتي أصبحت معيارًا صناعيًا.
- “Statistical Quality Control” (1952): شارك في تأليف هذا الكتاب مع هاري روميج، وهو مرجع شامل لمراقبة الجودة الإحصائية.
تعتبر هذه المؤلفات مساهمات كبيرة في مجال مراقبة الجودة، ولا تزال تستخدم على نطاق واسع حتى اليوم.
الجوائز والتكريمات
تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في مجال مراقبة الجودة، حصل هارولد دودج على العديد من الجوائز والتكريمات، بما في ذلك:
- زمالة الجمعية الإحصائية الأمريكية (Fellow of the American Statistical Association)
- ميدالية شيوارت (Shewhart Medal) من الجمعية الأمريكية لمراقبة الجودة (American Society for Quality Control)
تعكس هذه الجوائز التقدير الواسع النطاق لعمله وتأثيره الدائم على مجال الجودة.
إرثه وتأثيره
ترك هارولد دودج إرثًا دائمًا في مجال مراقبة الجودة. ساهمت أفكاره وأساليبه في تحسين جودة المنتجات والخدمات في مجموعة متنوعة من الصناعات. لا تزال تقنيات أخذ العينات القبولية ومراقبة العمليات الإحصائية التي طورها تستخدم على نطاق واسع حتى اليوم.
يعتبر دودج شخصية مؤثرة في تاريخ الجودة، ويستمر عمله في إلهام المهندسين والإحصائيين في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
كان هارولد ف. دودج شخصية محورية في تطوير مفاهيم وأساليب مراقبة الجودة الحديثة. من خلال عمله الرائد في أخذ العينات القبولية ومراقبة العمليات الإحصائية، ساهم بشكل كبير في تحسين جودة المنتجات والخدمات في مختلف الصناعات. يعتبر إرثه مصدر إلهام للمهندسين والإحصائيين العاملين في مجال الجودة حتى يومنا هذا. من خلال مساهماته في مختبرات بل ومنشوراته العديدة، ترك دودج بصمة لا تُمحى في تاريخ مراقبة الجودة.