<![CDATA[
الأصول والتأثير الإيطالي
كلمة “يا باسطا!” بالإيطالية تعني “كفى!” أو “هذا يكفي!”، وكانت بمثابة صرخة مدوية ضد الظلم الاقتصادي والاجتماعي. تبنت حركة “يا باسطا!” الإيطالية أساليب عمل مباشرة، ومقاومة مدنية سلمية، وشبكات تعاونية لبناء بدائل للمؤسسات الرأسمالية المهيمنة. تأثرت مجموعة “يا باسطا” في نيويورك بهذه الحركة بشكل كبير، حيث سعت إلى تطبيق نفس المبادئ والقيم في سياق الولايات المتحدة.
اعتمدت المجموعة على فكرة “tute bianche” أو “البدلات البيضاء”، وهي إستراتيجية احتجاجية اشتهرت بها حركة “يا باسطا!” الإيطالية. ارتدى المتظاهرون بدلات بيضاء مبطنة لحماية أنفسهم من عنف الشرطة، وللتعبير عن وحدتهم وتضامنهم. على الرغم من أن المجموعة في نيويورك لم تلتزم دائمًا بارتداء البدلات البيضاء، إلا أن الفكرة كانت حاضرة في فعالياتهم الاحتجاجية وأساليبهم التنظيمية.
الأهداف والأنشطة
كانت الأهداف الرئيسية لمجموعة “يا باسطا” في نيويورك تتضمن ما يلي:
- معارضة العولمة النيوليبرالية: انتقاد المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والسعي إلى بدائل أكثر عدالة واستدامة.
- دعم العدالة الاجتماعية: النضال من أجل حقوق العمال، والمهاجرين، والمجموعات المهمشة الأخرى.
- تعزيز الديمقراطية المباشرة: تشجيع المشاركة الشعبية في صنع القرار، وبناء هياكل تنظيمية أفقية وغير هرمية.
- بناء شبكات التضامن: التعاون مع حركات اجتماعية أخرى في الولايات المتحدة وحول العالم.
نفذت المجموعة مجموعة متنوعة من الأنشطة لتحقيق هذه الأهداف، بما في ذلك:
- المظاهرات والاحتجاجات: المشاركة في المظاهرات ضد المؤتمرات والفعاليات التي تنظمها المؤسسات النيوليبرالية، وتنظيم احتجاجات ضد الشركات والسياسات التي تضر بالعمال والمجتمعات.
- الحملات التثقيفية: تنظيم ورش عمل، وندوات، وعروض أفلام لتوعية الجمهور بقضايا العولمة والعدالة الاجتماعية.
- العمل المباشر: تنفيذ أعمال عصيان مدني سلمي لعرقلة الأنشطة التي تضر بالبيئة أو بالمجتمعات المحلية.
- بناء المجتمع: إنشاء مساحات اجتماعية وثقافية بديلة لتعزيز التضامن والتعاون بين النشطاء.
أمثلة على الأنشطة والاحتجاجات
شاركت مجموعة “يا باسطا” في نيويورك في العديد من الاحتجاجات البارزة، بما في ذلك المظاهرات ضد المنتدى الاقتصادي العالمي في نيويورك عام 2002، والاحتجاجات ضد حرب العراق عام 2003. كما نظمت المجموعة حملات لدعم حقوق المهاجرين، وللتنديد باستغلال العمال في المصانع المستغلة للعمالة الرخيصة في الخارج.
تميزت أساليب المجموعة بالإبداع والابتكار. استخدموا الفن، والموسيقى، والمسرح، كأدوات للتعبير عن آرائهم السياسية ولجذب انتباه الجمهور. كما قاموا بتطوير أساليب تنظيمية جديدة، مثل استخدام التكنولوجيا لربط النشطاء وتبادل المعلومات.
التنظيم والهيكلة
كانت مجموعة “يا باسطا” في نيويورك منظمة لا مركزية وغير هرمية. لم يكن لديها قادة رسميون أو هيكل قيادي تقليدي. بدلاً من ذلك، اعتمدت المجموعة على عملية صنع القرار بالتوافق، حيث كان لكل عضو صوت متساوٍ. تم تنظيم المجموعة في مجموعات عمل صغيرة، ركزت كل منها على مجال معين من النشاط، مثل الاتصالات، والاحتجاجات، والتعليم.
ساعد هذا الهيكل التنظيمي اللامركزي المجموعة على أن تكون مرنة وقادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. كما شجع المشاركة الواسعة من جانب الأعضاء، وعزز الشعور بالملكية الجماعية للمشروع.
التحديات والانقسامات
واجهت مجموعة “يا باسطا” في نيويورك العديد من التحديات، بما في ذلك:
- قمع الشرطة: تعرض النشطاء للاعتقالات، والمضايقات، والعنف من قبل الشرطة.
- نقص الموارد: كانت المجموعة تعتمد على التبرعات الصغيرة والعمل التطوعي، مما حد من قدرتها على تنفيذ مشاريع واسعة النطاق.
- الانقسامات الداخلية: ظهرت خلافات بين الأعضاء حول الاستراتيجيات والتكتيكات، مما أدى إلى توترات وصراعات داخلية.
أدت هذه التحديات في النهاية إلى تدهور المجموعة وانحلالها في عام 2006 تقريبًا. ومع ذلك، تركت مجموعة “يا باسطا” في نيويورك إرثًا هامًا في الحركة المناهضة للعولمة في الولايات المتحدة. ألهمت المجموعة العديد من النشطاء الآخرين، وساعدت في تعزيز الوعي بقضايا العولمة والعدالة الاجتماعية.
الإرث والتأثير
على الرغم من قصر عمرها نسبيًا، كان لمجموعة “يا باسطا” في نيويورك تأثير كبير على المشهد السياسي والاجتماعي في مدينة نيويورك وخارجها. ساهمت المجموعة في:
- تعبئة النشطاء: ساعدت المجموعة في تجنيد وتدريب جيل جديد من النشطاء المناهضين للعولمة.
- تعزيز الوعي: ساهمت المجموعة في زيادة الوعي العام بقضايا العولمة والعدالة الاجتماعية.
- بناء التحالفات: ساعدت المجموعة في بناء شبكات التضامن بين حركات اجتماعية مختلفة.
- تطوير الاستراتيجيات: ساهمت المجموعة في تطوير استراتيجيات وتكتيكات جديدة للاحتجاج والعمل المباشر.
تعتبر مجموعة “يا باسطا” في نيويورك مثالًا على كيف يمكن لمجموعة صغيرة من النشطاء المتفانين أن تحدث فرقًا كبيرًا في العالم. على الرغم من أن المجموعة لم تعد موجودة، إلا أن إرثها لا يزال يلهم النشطاء اليوم.
دروس مستفادة
يمكن استخلاص العديد من الدروس من تجربة مجموعة “يا باسطا” في نيويورك، بما في ذلك:
- أهمية التنظيم: التنظيم الجيد ضروري لنجاح أي حركة اجتماعية.
- قوة التضامن: التضامن بين الحركات الاجتماعية المختلفة يمكن أن يزيد من فعاليتها.
- ضرورة الإبداع: الإبداع والابتكار يمكن أن يساعدان الحركات الاجتماعية على جذب انتباه الجمهور وتحقيق أهدافها.
- تحديات الاستدامة: الحركات الاجتماعية بحاجة إلى إيجاد طرق مستدامة لتمويل أنشطتها والحفاظ على مشاركة أعضائها.
من خلال دراسة تجربة مجموعة “يا باسطا” في نيويورك، يمكن للنشطاء اليوم التعلم من نجاحات المجموعة وإخفاقاتها، وتطبيق هذه الدروس على نضالاتهم الخاصة من أجل العدالة الاجتماعية.
خاتمة
كانت مجموعة “يا باسطا” في نيويورك قوة مؤثرة في الحركة المناهضة للعولمة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. على الرغم من عمرها القصير نسبيًا، تركت المجموعة إرثًا هامًا من النشاط، والإبداع، والتضامن. من خلال دراسة تجربة المجموعة، يمكننا أن نتعلم دروسًا قيمة حول كيفية بناء حركات اجتماعية فعالة وقادرة على تحقيق تغيير إيجابي في العالم.