نشأته وتعليمه
ولد فيرناند لابريه في مدينة سان جيرفيه، مقاطعة كيبيك، كندا. تلقى تعليمه المبكر في كيبيك، ثم التحق بجامعة لافال حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلوم عام 1960. تابع دراسته العليا في جامعة مونتريال، وحصل على درجة الدكتوراه في علم الغدد الصماء عام 1965. بعد حصوله على الدكتوراه، أكمل زمالة ما بعد الدكتوراه في جامعة فاندربيلت في ناشفيل، تينيسي، حيث عمل مع البروفيسور غرانت ليديك براون، وهو خبير رائد في مجال الغدد الصماء.
مسيرته المهنية
بعد الانتهاء من زمالة ما بعد الدكتوراه، عاد لابريه إلى جامعة لافال في عام 1967، حيث أسس مختبرًا بحثيًا متخصصًا في علم الغدد الصماء. على مر السنين، بنى لابريه فريقًا بحثيًا قويًا وأصبح رائدًا في مجال أبحاث الهرمونات الجنسية. شغل منصب مدير مركز أبحاث الغدد الصماء الجزيئية في جامعة لافال لمدة 30 عامًا، من عام 1970 إلى عام 2000. خلال فترة عمله كمدير، أصبح المركز مركزًا عالميًا لأبحاث الغدد الصماء، وجذب علماء وباحثين من جميع أنحاء العالم.
كان لابريه أستاذًا متفرغًا في كلية الطب بجامعة لافال، وقام بتدريس العديد من الطلاب والخريجين. نشر أكثر من 1000 مقالة علمية في مجلات مرموقة، مما جعله واحدًا من أكثر العلماء إنتاجية في مجاله. حصل على العديد من الجوائز والأوسمة تقديرًا لمساهماته في علم الغدد الصماء، بما في ذلك جائزة الملك فيصل العالمية في الطب عام 1999.
أبرز إنجازاته
تشمل أبرز إنجازات فيرناند لابريه ما يلي:
- تطوير مفهوم الحرمان الأندروجيني المتناوب: اقترح لابريه أن الحرمان الأندروجيني المستمر لعلاج سرطان البروستاتا يمكن أن يؤدي إلى تطوير مقاومة العلاج. طور مفهوم الحرمان الأندروجيني المتناوب، حيث يتم إعطاء المرضى فترات من العلاج تليها فترات راحة، مما قد يؤخر تطور المقاومة.
- تطوير مثبطات الستيرويد: قاد لابريه فريقًا بحثيًا قام بتطوير مثبطات الستيرويد، وهي أدوية تمنع إنتاج الهرمونات الجنسية. تم استخدام هذه الأدوية لعلاج سرطان البروستاتا وسرطان الثدي، وكذلك حالات أخرى مثل تضخم البروستاتا الحميد.
- اكتشاف دور ديهيدرو إيبي أندروستيرون (DHEA): كان لابريه من أوائل الباحثين الذين أدركوا أهمية هرمون ديهيدرو إيبي أندروستيرون (DHEA)، وهو هرمون ينتجه الجسم بكميات كبيرة. أظهرت أبحاثه أن DHEA يمكن أن يكون له آثار مفيدة على الصحة، بما في ذلك تحسين وظائف المناعة وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
- تطوير اختبارات تشخيصية جديدة: قام لابريه وفريقه بتطوير اختبارات تشخيصية جديدة للكشف عن سرطان البروستاتا وسرطان الثدي. ساعدت هذه الاختبارات على تحسين الكشف المبكر عن هذه الأمراض، مما أدى إلى تحسين نتائج العلاج.
مفهوم الحرمان الأندروجيني المتناوب بالتفصيل
يعتبر مفهوم الحرمان الأندروجيني المتناوب (Intermittent Androgen Deprivation – IAD) من أبرز مساهمات فيرناند لابريه في علاج سرطان البروستاتا. الحرمان الأندروجيني هو علاج قياسي لسرطان البروستاتا المتقدم، حيث يتم تقليل مستويات هرمون التستوستيرون في الجسم، مما يؤدي إلى إبطاء نمو الخلايا السرطانية. ومع ذلك، فإن الحرمان الأندروجيني المستمر يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تطور مقاومة العلاج، حيث تصبح الخلايا السرطانية غير حساسة لتأثيرات تقليل هرمون التستوستيرون.
اقترح لابريه أن الحرمان الأندروجيني المتناوب، والذي يتضمن فترات من العلاج تليها فترات راحة، يمكن أن يؤخر تطور المقاومة. الفكرة هي أن فترات الراحة تسمح للخلايا السرطانية باستعادة حساسيتها لهرمون التستوستيرون، مما يجعلها أكثر عرضة للعلاج في الجولة التالية. أظهرت العديد من الدراسات أن الحرمان الأندروجيني المتناوب يمكن أن يكون فعالًا مثل الحرمان الأندروجيني المستمر في السيطرة على سرطان البروستاتا، مع ميزة محتملة تتمثل في تقليل الآثار الجانبية وتحسين نوعية الحياة.
مثبطات الستيرويد
مثبطات الستيرويد هي فئة من الأدوية التي تمنع إنتاج الهرمونات الجنسية، مثل هرمون التستوستيرون والإستروجين. طور فيرناند لابريه وفريقه البحثي العديد من مثبطات الستيرويد الفعالة، والتي تم استخدامها لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات، بما في ذلك سرطان البروستاتا وسرطان الثدي وتضخم البروستاتا الحميد. تعمل هذه الأدوية عن طريق تثبيط الإنزيمات التي تشارك في إنتاج الهرمونات الجنسية، مما يؤدي إلى تقليل مستويات هذه الهرمونات في الجسم.
أحد مثبطات الستيرويد البارزة التي طورها لابريه هو ديزلوريليكس (Deslorelin)، وهو ناهض لهرمون إفراز الغدد التناسلية (GnRH) يستخدم لعلاج سرطان البروستاتا. يعمل ديزلوريليكس عن طريق تثبيط إنتاج هرمون إفراز الغدد التناسلية، مما يؤدي إلى تقليل إنتاج هرمون التستوستيرون في الخصيتين. بالإضافة إلى ديزلوريليكس، قام لابريه وفريقه بتطوير مثبطات الستيرويد الأخرى، مثل فيناسترايد (Finasteride) ودوتستيرايد (Dutasteride)، والتي تستخدم لعلاج تضخم البروستاتا الحميد وتساقط الشعر.
اكتشاف دور ديهيدرو إيبي أندروستيرون (DHEA)
كان فيرناند لابريه من أوائل الباحثين الذين أدركوا أهمية هرمون ديهيدرو إيبي أندروستيرون (DHEA)، وهو هرمون ينتجه الجسم بكميات كبيرة. DHEA هو هرمون ستيرويدي ينتجه الغدد الكظرية، ويتحول إلى هرمونات جنسية أخرى، مثل هرمون التستوستيرون والإستروجين. أظهرت أبحاث لابريه أن DHEA يمكن أن يكون له آثار مفيدة على الصحة، بما في ذلك تحسين وظائف المناعة وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وتحسين كثافة العظام.
اقترح لابريه أن DHEA يمكن أن يكون له دور في مكافحة الشيخوخة، حيث تنخفض مستويات DHEA مع تقدم العمر. ومع ذلك، فإن استخدام مكملات DHEA لا يزال مثيرًا للجدل، وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد الفوائد والمخاطر المحتملة لاستخدام DHEA.
الجوائز والتكريمات
حصل فيرناند لابريه على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لمساهماته في علم الغدد الصماء، بما في ذلك:
- جائزة الملك فيصل العالمية في الطب (1999)
- وسام كندا
- وسام كيبيك الوطني
- جائزة جيلبرت غوردو
- جائزة أرماند فرابير
حياته الشخصية ووفاته
تزوج فيرناند لابريه من الدكتورة كلودين ميرسييه، وهي أيضًا باحثة في مجال الغدد الصماء. كان لديهم ثلاثة أطفال. توفي لابريه في 16 يناير 2019، عن عمر يناهز 81 عامًا.
إرثه
ترك فيرناند لابريه إرثًا دائمًا في مجال علم الغدد الصماء. ساهمت أبحاثه الرائدة في فهم وتنظيم الهرمونات الجنسية، وتطوير علاجات جديدة لأمراض مثل سرطان البروستاتا وسرطان الثدي. كان لابريه شخصية بارزة في مجاله، وأثرت أبحاثه بشكل كبير على الممارسة الطبية. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الباحثين والأطباء والمرضى الذين استفادوا من عمله.
خاتمة
كان فيرناند لابريه عالمًا طبيًا كنديًا مرموقًا، اشتهر بأبحاثه الرائدة في مجال الغدد الصماء. ساهمت مساهماته الهامة في فهم الهرمونات الجنسية وعلاج الأمراض المرتبطة بها بشكل كبير في تقدم المعرفة الطبية وتحسين حياة المرضى. سيظل إرثه مصدر إلهام للأجيال القادمة من الباحثين والأطباء.