مقدمة
قد يشير مصطلح “العصب الحنجري العلوي” إلى أحد التركيبين التشريحيين المهمين في منطقة الرقبة والحنجرة، وهما:
- الشريان الحنجري العلوي: وهو فرع من الشريان الدرقي العلوي، يلعب دوراً حيوياً في تروية الحنجرة.
- العصب الحنجري العلوي: وهو أحد فروع العصب المبهم (العصب القحفي العاشر)، ويعد ضرورياً لوظائف الحنجرة الحسية والحركية.
سنتناول في هذا المقال تفصيلاً لكل من هذين التركيبين، مع التركيز على أهميتهما التشريحية والوظيفية، والأمراض أو الإصابات التي قد تؤثر عليهما.
الشريان الحنجري العلوي (Superior Laryngeal Artery)
المنشأ والمسار: ينشأ الشريان الحنجري العلوي كفرع من الشريان الدرقي العلوي، وهو بدوره فرع من الشريان السباتي الظاهر. بعد انطلاقه، يسير الشريان الحنجري العلوي نحو الأسفل والداخل، مترافقاً مع العصب الحنجري العلوي. يخترق الشريان الحنجري العلوي الغشاء الدرقي اللامي، وهو الغشاء الذي يربط الغدة الدرقية بعظم اللامي، ليدخل الحنجرة.
الفروع: قبل دخوله الحنجرة، قد يعطي الشريان الحنجري العلوي فروعاً صغيرة لتغذية العضلات والأنسجة المجاورة في الرقبة.
التوزيع: داخل الحنجرة، يقوم الشريان الحنجري العلوي بتغذية الأجزاء العلوية من الحنجرة، بما في ذلك:
- الغشاء المخاطي للحنجرة فوق الأحبال الصوتية.
- العضلات الداخلية للحنجرة (بشكل جزئي).
- الغشاء الدرقي اللامي نفسه.
الأهمية السريرية:
على الرغم من أن الشريان الحنجري العلوي صغير نسبياً، إلا أنه يلعب دوراً مهماً في تروية الحنجرة. قد يؤدي تلفه أو انسداده إلى:
- نقص التروية في الحنجرة: مما قد يؤثر على وظيفة الأحبال الصوتية ويسبب بحة في الصوت أو صعوبة في البلع.
- النزيف: في حالات الجراحة أو الإصابات في منطقة الرقبة، قد يؤدي قطع الشريان الحنجري العلوي إلى نزيف يتطلب تدخلاً جراحياً لوقفه.
العصب الحنجري العلوي (Superior Laryngeal Nerve)
المنشأ والمسار: العصب الحنجري العلوي هو أحد فرعي العصب المبهم (العصب القحفي العاشر)، وهو عصب مختلط يحتوي على ألياف حسية وحركية. ينشأ العصب الحنجري العلوي من العصب المبهم بالقرب من العقدة العقدية السفلية (inferior ganglion) للعصب المبهم. بعد ذلك، ينقسم العصب الحنجري العلوي إلى فرعين رئيسيين:
- الفرع الداخلي (Internal Branch): وهو فرع حسي بشكل أساسي. يخترق الفرع الداخلي الغشاء الدرقي اللامي مع الشريان الحنجري العلوي.
- الفرع الخارجي (External Branch): وهو فرع حركي يغذي عضلة حلقية درقية (cricothyroid muscle)، وهي إحدى العضلات الداخلية للحنجرة المسؤولة عن شد الأحبال الصوتية وتغيير درجة الصوت.
الوظيفة:
يلعب العصب الحنجري العلوي دوراً حيوياً في وظائف الحنجرة، والتي تشمل:
- الإحساس: يوفر الفرع الداخلي للعصب الحنجري العلوي الإحساس للأغشية المخاطية فوق الأحبال الصوتية. هذا الإحساس مهم لحماية مجرى الهواء السفلي من دخول الطعام أو السوائل أثناء البلع.
- الحركة: يغذي الفرع الخارجي للعصب الحنجري العلوي العضلة الحلقية الدرقية، وهي العضلة الوحيدة في الحنجرة التي يتم تعصيبها بواسطة هذا العصب. تلعب هذه العضلة دوراً مهماً في تغيير درجة الصوت أثناء الكلام والغناء.
الأهمية السريرية:
تعتبر إصابة العصب الحنجري العلوي من المضاعفات المحتملة لبعض العمليات الجراحية في منطقة الرقبة، مثل استئصال الغدة الدرقية. قد تؤدي إصابة العصب الحنجري العلوي إلى:
- بحة في الصوت: نتيجة لضعف أو شلل العضلة الحلقية الدرقية، مما يؤثر على القدرة على تغيير درجة الصوت. قد تكون البحة خفيفة أو شديدة، وقد تؤثر على جودة الصوت وجهده.
- صعوبة في البلع: بسبب فقدان الإحساس في الجزء العلوي من الحنجرة، مما يزيد من خطر دخول الطعام أو السوائل إلى مجرى الهواء.
- الإرهاق الصوتي: قد يعاني الأشخاص الذين يعانون من إصابة في العصب الحنجري العلوي من الإرهاق الصوتي السريع بسبب صعوبة التحكم في الأحبال الصوتية.
تشخيص إصابة العصب الحنجري العلوي:
يعتمد تشخيص إصابة العصب الحنجري العلوي على:
- التاريخ الطبي والفحص السريري: يقوم الطبيب بأخذ تاريخ طبي مفصل للمريض، بما في ذلك أي عمليات جراحية سابقة في منطقة الرقبة أو أعراض مثل بحة الصوت أو صعوبة البلع.
- تنظير الحنجرة: يتم إدخال منظار رفيع مزود بكاميرا صغيرة عبر الأنف أو الفم لفحص الحنجرة والأحبال الصوتية مباشرة. يمكن أن يكشف تنظير الحنجرة عن وجود ضعف أو شلل في العضلة الحلقية الدرقية.
- تخطيط كهربائية الحنجرة (Laryngeal Electromyography – LEMG): هو اختبار يقيس النشاط الكهربائي للعضلات في الحنجرة. يمكن أن يساعد LEMG في تحديد ما إذا كان هناك تلف في العصب الحنجري العلوي وتحديد مدى الضرر.
علاج إصابة العصب الحنجري العلوي:
يعتمد علاج إصابة العصب الحنجري العلوي على شدة الإصابة والأعراض المصاحبة. قد يشمل العلاج:
- العلاج الصوتي: يساعد العلاج الصوتي المرضى على تعلم تقنيات جديدة لاستخدام أصواتهم بشكل أكثر فعالية وكفاءة. يمكن أن يساعد العلاج الصوتي في تحسين جودة الصوت وتقليل الإرهاق الصوتي.
- الجراحة: في بعض الحالات، قد تكون الجراحة ضرورية لتصحيح إصابة العصب الحنجري العلوي. قد تشمل الجراحة إجراءات مثل إعادة تعصيب العضلة الحلقية الدرقية أو حقن مواد مالئة في الأحبال الصوتية لتحسين إغلاقها.
- الأدوية: قد تستخدم بعض الأدوية لتقليل الالتهاب أو الألم المرتبط بإصابة العصب الحنجري العلوي.
أسباب تلف العصب الحنجري العلوي
هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تلف العصب الحنجري العلوي، بما في ذلك:
- الجراحة: تعتبر العمليات الجراحية في منطقة الرقبة، وخاصة استئصال الغدة الدرقية، من أكثر الأسباب شيوعاً لتلف العصب الحنجري العلوي.
- الإصابات: يمكن أن تؤدي إصابات الرقبة، مثل تلك التي تحدث في حوادث السيارات أو السقوط، إلى تلف العصب الحنجري العلوي.
- الأورام: يمكن أن تضغط الأورام في الرقبة أو الحنجرة على العصب الحنجري العلوي وتتسبب في تلفه.
- العدوى: في حالات نادرة، يمكن أن تؤدي العدوى في الرقبة إلى تلف العصب الحنجري العلوي.
- الأسباب غير المعروفة: في بعض الحالات، لا يمكن تحديد سبب تلف العصب الحنجري العلوي.
الوقاية من إصابة العصب الحنجري العلوي
لا توجد طريقة مؤكدة للوقاية من إصابة العصب الحنجري العلوي، ولكن هناك بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتقليل خطر الإصابة، بما في ذلك:
- اختيار جراح مؤهل وذو خبرة: إذا كنت بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في منطقة الرقبة، فمن المهم اختيار جراح مؤهل وذو خبرة في هذا النوع من العمليات. سيساعد ذلك على تقليل خطر تلف العصب الحنجري العلوي.
- ارتداء حزام الأمان: يمكن أن يساعد ارتداء حزام الأمان في منع إصابات الرقبة في حوادث السيارات.
- تجنب الأنشطة التي تزيد من خطر إصابات الرقبة: يجب على الأشخاص الذين يمارسون الرياضات الخطرة أو يعملون في وظائف خطرة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب إصابات الرقبة.
التعايش مع إصابة العصب الحنجري العلوي
يمكن أن تكون إصابة العصب الحنجري العلوي تجربة صعبة، ولكن هناك العديد من الأشياء التي يمكن القيام بها للتعايش مع هذه الحالة وتحسين جودة الحياة. تشمل بعض النصائح للتعايش مع إصابة العصب الحنجري العلوي:
- العمل مع فريق من المتخصصين: من المهم العمل مع فريق من المتخصصين، بما في ذلك طبيب الأنف والأذن والحنجرة ومعالج النطق، لتطوير خطة علاجية فردية.
- ممارسة تقنيات العناية بالصوت: يمكن أن تساعد تقنيات العناية بالصوت، مثل تجنب الصراخ والتحدث بصوت عالٍ، في حماية الأحبال الصوتية وتقليل الإرهاق الصوتي.
- الحصول على الدعم العاطفي: يمكن أن يكون الحصول على الدعم العاطفي من العائلة والأصدقاء أو من مجموعة دعم مفيداً في التعامل مع التحديات العاطفية المرتبطة بإصابة العصب الحنجري العلوي.
خاتمة
في الختام، يعتبر كل من الشريان الحنجري العلوي والعصب الحنجري العلوي من المكونات التشريحية الحيوية في منطقة الحنجرة. يضمن الشريان الحنجري العلوي إمداد الدم الكافي للأنسجة الحنجرية، بينما يلعب العصب الحنجري العلوي دوراً محورياً في التحكم الحسي والحركي للحنجرة، مما يؤثر بشكل مباشر على جودة الصوت والقدرة على البلع. إن فهم وظائف هذه المكونات وأسباب الإصابات المحتملة يساعد في التشخيص الدقيق وتقديم العلاج المناسب للمرضى الذين يعانون من مشاكل في الحنجرة.