نشأته وتعليمه
ولد توماس ووكر أرنولد في 19 أبريل 1864 في ديفونبورت، إنجلترا. تلقى تعليمه الأولي في مدرسة سيتي أوف لندن، ثم التحق بكلية المجدلية في جامعة كامبريدج. تفوق في دراسته وحصل على درجة الشرف الأولى في الكلاسيكيات عام 1887. بعد ذلك، بدأ اهتمامه بالدراسات الشرقية ينمو، وتوجه نحو تعلم اللغات الشرقية والثقافة الإسلامية.
حياته المهنية
بدأ أرنولد حياته المهنية في مجال التعليم في الكلية المحمدية في عليكرة بالهند عام 1888، حيث عمل أستاذاً للفلسفة. قضى عشر سنوات في الكلية، تعلم خلالها اللغة الأردية والفارسية، وتعمق في دراسة الإسلام وثقافته. كانت هذه الفترة حاسمة في تكوين رؤيته وفهمه للإسلام، وأثرت بشكل كبير على أعماله اللاحقة.
في عام 1898، انتقل أرنولد إلى جامعة البنجاب في لاهور، حيث عمل عميدًا للكلية الشرقية. استمر في منصبه هذا حتى عام 1904. خلال فترة وجوده في لاهور، قام بتدريس اللغة العربية والفارسية، وأشرف على العديد من الأبحاث والدراسات المتعلقة بالإسلام وتاريخه.
بعد عودته إلى إنجلترا، عمل أرنولد في مكتب الهند في لندن، حيث كان مسؤولاً عن إدارة شؤون الطلاب الهنود الذين يدرسون في بريطانيا. كما عمل مستشارًا للحكومة البريطانية في الشؤون الإسلامية. في عام 1917، انضم إلى كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، حيث شغل منصب أستاذ اللغة العربية. استمر في التدريس والبحث في الكلية حتى وفاته عام 1930.
أعماله ومؤلفاته
ترك توماس ووكر أرنولد إرثًا غنيًا من المؤلفات والأبحاث التي تتناول جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية والفن الإسلامي. من أبرز أعماله:
- الدعوة إلى الإسلام: (The Preaching of Islam) وهو أشهر كتبه، نُشر لأول مرة عام 1896، وتُرجم إلى العديد من اللغات. يتناول الكتاب تاريخ انتشار الإسلام وتأثيره في مختلف أنحاء العالم، مع التركيز على دور الدعوة السلمية في نشر الإسلام.
- الخلافة: (The Caliphate) دراسة شاملة لتاريخ الخلافة الإسلامية، ونُشر عام 1924. يقدم الكتاب تحليلًا مفصلًا لتطور نظام الخلافة وأهميته في التاريخ الإسلامي.
- تراث الإسلام: (The Legacy of Islam) قام بتحرير هذا الكتاب بالاشتراك مع ألفريد جيوم، ونُشر عام 1931 بعد وفاته. يضم الكتاب مجموعة من المقالات التي تتناول مختلف جوانب الحضارة الإسلامية وتأثيرها في الغرب.
- الرسم في الإسلام: (Painting in Islam) دراسة رائدة في مجال الفن الإسلامي، تتناول تاريخ الرسم والتصوير في العالم الإسلامي، وتوضح خصائصه ومميزاته.
بالإضافة إلى هذه الأعمال الرئيسية، نشر أرنولد العديد من المقالات والدراسات في الدوريات والمجلات العلمية، وشارك في تحرير العديد من الموسوعات والمعاجم المتخصصة في الدراسات الإسلامية.
مساهماته في الدراسات الإسلامية
تعتبر مساهمات توماس ووكر أرنولد في الدراسات الإسلامية ذات أهمية كبيرة، حيث ساهم في تعزيز فهم الثقافة الإسلامية في الغرب، وتقديم صورة موضوعية عن الإسلام وتاريخه. تميزت أعماله بالدقة العلمية والتحليل العميق، والابتعاد عن الأحكام المسبقة والتحيزات. كان له دور فعال في تشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات، وتعزيز التفاهم المتبادل بين الشرق والغرب.
من أبرز مساهماته:
- تقديم صورة موضوعية عن الإسلام: سعى أرنولد إلى تقديم صورة دقيقة وموضوعية عن الإسلام، بعيدًا عن الصورة النمطية السلبية التي كانت سائدة في الغرب.
- التركيز على الجوانب الإيجابية في الحضارة الإسلامية: أبرز أرنولد الجوانب الإيجابية في الحضارة الإسلامية، مثل دورها في حفظ العلوم والفنون، وإسهامها في التقدم الإنساني.
- تشجيع الحوار بين الحضارات: دعا أرنولد إلى الحوار والتفاهم بين الحضارات والثقافات المختلفة، وأكد على أهمية التعاون بين الشرق والغرب في مواجهة التحديات المشتركة.
تكريمه
تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في الدراسات الإسلامية، حصل توماس ووكر أرنولد على العديد من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك:
- وسام الإمبراطورية الهندية (CIE) عام 1904.
- لقب فارس (Knight Bachelor) عام 1921.
- الدكتوراه الفخرية من جامعة كامبريدج.
تلاميذه
أثر توماس ووكر أرنولد في جيل كامل من الباحثين والدارسين في مجال الدراسات الإسلامية. تتلمذ على يديه العديد من العلماء والمفكرين الذين أصبحوا فيما بعد من الرواد في هذا المجال. من أبرز تلاميذه:
- السير هاملتون جب: مستشرق بريطاني متخصص في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي.
- جوزيف شاخت: مستشرق ألماني متخصص في القانون الإسلامي.
- ريوبن ليفي: مستشرق بريطاني متخصص في الأدب الفارسي.
حياته الشخصية
تزوج توماس ووكر أرنولد من إميلي نيوهاوس عام 1902، وأنجبا ثلاثة أبناء. كان معروفًا بتواضعه وأخلاقه الرفيعة، وكان يحظى بتقدير واحترام كبيرين من زملائه وطلابه.
وفاته
توفي توماس ووكر أرنولد في 9 يونيو 1930 في لندن، عن عمر يناهز 66 عامًا. ترك وراءه إرثًا علميًا كبيرًا لا يزال يلهم الباحثين والدارسين في مجال الدراسات الإسلامية حتى اليوم.
خاتمة
كان السير توماس ووكر أرنولد شخصية بارزة في مجال الاستشراق والدراسات الإسلامية. من خلال أعماله ومؤلفاته، ساهم بشكل كبير في تعزيز فهم الإسلام وثقافته في الغرب، وتقديم صورة موضوعية عن الحضارة الإسلامية. كان له دور فعال في تشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات، وتعزيز التفاهم المتبادل بين الشرق والغرب. سيظل إرثه العلمي مرجعًا هامًا للباحثين والمهتمين بالشؤون الإسلامية لسنوات عديدة قادمة.