مقدمة
الشريان الشفوي العلوي، المعروف أيضًا بالفرع الشفوي العلوي من الشريان الوجهي، هو شريان حيوي يغذي الشفة العليا. يعتبر هذا الشريان أكبر حجمًا وأكثر أهمية من الشريان الشفوي السفلي، نظرًا لدوره المحوري في تروية الدم للأنسجة المحيطة بالفم. يلعب الشريان الشفوي العلوي دورًا حاسمًا في الحفاظ على صحة الشفة ووظائفها المتعددة، بدءًا من الكلام وحتى تناول الطعام والتعبير عن المشاعر.
المنشأ والمسار
ينشأ الشريان الشفوي العلوي كفرع من الشريان الوجهي، وهو أحد الشرايين الرئيسية في الرأس والرقبة. يتفرع الشريان الوجهي من الشريان السباتي الظاهر، ثم يمر عبر الفك السفلي ويتجه نحو زاوية الفم. بالقرب من زاوية الفم، ينطلق الشريان الشفوي العلوي، متخذًا مسارًا متعرجًا تحت العضلات المحيطة بالفم، وتحديدًا العضلة الدويرية الفموية (Orbicularis Oris). هذا المسار المتعرج يسمح للشريان بالتمدد والانكماش مع حركات الفم المختلفة، مما يضمن استمرار تدفق الدم حتى أثناء الكلام أو المضغ.
التشريح
يتميز الشريان الشفوي العلوي بكونه أكبر حجمًا وأكثر بروزًا من الشريان الشفوي السفلي. يمتد الشريان على طول حافة الشفة العليا، ويقع مباشرة تحت الغشاء المخاطي. يمكن تقسيم الشريان الشفوي العلوي إلى عدة أجزاء:
- الجزء القريب (Proximal): وهو الجزء الأقرب إلى نقطة نشأته من الشريان الوجهي.
- الجزء المتوسط (Intermediate): وهو الجزء الذي يمتد على طول الشفة العليا.
- الجزء البعيد (Distal): وهو الجزء الذي يتصل بالشريان الشفوي العلوي المقابل من الجانب الآخر، لتشكيل قوس شرياني حول الفم.
يمر الشريان الشفوي العلوي بالقرب من العديد من التراكيب التشريحية الهامة في منطقة الفم، بما في ذلك:
- العضلة الدويرية الفموية: وهي العضلة الرئيسية التي تحيط بالفم وتتحكم في حركاته.
- الغشاء المخاطي: وهو النسيج الرقيق الذي يبطن الشفة من الداخل.
- الأعصاب الحسية: التي تنقل الإحساس من الشفة إلى الدماغ.
الوظيفة
الوظيفة الرئيسية للشريان الشفوي العلوي هي تزويد الشفة العليا بالدم والأكسجين والمواد المغذية الضرورية. هذا التروية الدموية ضرورية للحفاظ على صحة الأنسجة ووظائفها، بما في ذلك:
- الكلام: حركة الشفاه ضرورية لتشكيل الأصوات المختلفة.
- تناول الطعام: الشفاه تساعد في إدخال الطعام إلى الفم ومنع تسربه.
- التعبير عن المشاعر: حركة الشفاه تعكس العديد من المشاعر، مثل الابتسامة والعبوس.
- الإحساس: الشفة العليا غنية بالأعصاب الحسية التي تسمح لنا بالشعور باللمس والضغط والحرارة والألم.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم الشريان الشفوي العلوي في عملية التئام الجروح في منطقة الشفة. عندما يحدث جرح أو إصابة، يزداد تدفق الدم إلى المنطقة المصابة لتوفير المواد المغذية والأجسام المضادة اللازمة لإصلاح الأنسجة.
الأهمية السريرية
يعد الشريان الشفوي العلوي ذا أهمية سريرية كبيرة، حيث يمكن أن يتأثر بالعديد من الحالات الطبية والإجراءات الجراحية. بعض المشاكل الشائعة التي قد تؤثر على الشريان الشفوي العلوي تشمل:
- النزيف: يمكن أن يحدث النزيف من الشريان الشفوي العلوي نتيجة للإصابة أو الجراحة أو بعض الحالات الطبية الأخرى. قد يكون النزيف غزيرًا ويتطلب تدخلًا طبيًا فوريًا.
- تمدد الأوعية الدموية: في حالات نادرة، قد يتمدد الشريان الشفوي العلوي، مما يؤدي إلى تكوين تمدد الأوعية الدموية. قد يسبب تمدد الأوعية الدموية ألمًا أو نزيفًا أو مضاعفات أخرى.
- التشوه الشرياني الوريدي: وهو اتصال غير طبيعي بين الشرايين والأوردة. قد يؤدي التشوه الشرياني الوريدي في منطقة الشفة إلى نزيف أو ألم أو تشوه في الشكل.
- الجراحة التجميلية: يجب على الجراحين التجميليين توخي الحذر الشديد لتجنب إتلاف الشريان الشفوي العلوي أثناء إجراءات مثل تكبير الشفاه أو تصغيرها. قد يؤدي تلف الشريان إلى نزيف أو فقدان الإحساس أو مضاعفات أخرى.
عند إجراء عمليات جراحية في منطقة الشفة، يجب على الجراحين أن يكونوا على دراية بمسار الشريان الشفوي العلوي لتجنب إتلافه. يمكن استخدام تقنيات التصوير الطبي، مثل التصوير بالموجات فوق الصوتية أو التصوير بالرنين المغناطيسي، لتحديد موقع الشريان قبل الجراحة.
الشريان الشفوي السفلي
الشريان الشفوي السفلي هو نظير الشريان الشفوي العلوي ويقع في الشفة السفلى. ينشأ أيضًا من الشريان الوجهي، وعادة ما يكون أصغر حجمًا من الشريان الشفوي العلوي. يمتد الشريان الشفوي السفلي على طول حافة الشفة السفلى، ويقع مباشرة تحت الغشاء المخاطي. وظيفته الرئيسية هي تزويد الشفة السفلى بالدم والأكسجين والمواد المغذية الضرورية.
يعمل الشريانان الشفويان العلوي والسفلي معًا لتشكيل قوس شرياني حول الفم، مما يضمن تروية دموية كافية لجميع الأنسجة المحيطة بالفم. هذا القوس الشرياني يسمح بتوزيع الدم بالتساوي على الشفتين والمنطقة المحيطة بالفم، مما يضمن الحفاظ على صحة الأنسجة ووظائفها.
فروع الشريان الشفوي العلوي
يتفرع من الشريان الشفوي العلوي عدة فروع صغيرة تغذي الأنسجة المحيطة بالشفة العليا، بما في ذلك:
- فروع جلدية (Cutaneous branches): تغذي جلد الشفة العليا.
- فروع عضلية (Muscular branches): تغذي العضلات المحيطة بالفم، وخاصة العضلة الدويرية الفموية.
- فروع مخاطية (Mucosal branches): تغذي الغشاء المخاطي المبطن للشفة من الداخل.
- فروع حاجز الأنف (Septal branches): تغذي جزء من حاجز الأنف.
تساهم هذه الفروع الصغيرة في تروية دموية شاملة للشفة العليا والأنسجة المحيطة بها، مما يضمن الحفاظ على صحة هذه الأنسجة ووظائفها المتعددة.
خاتمة
الشريان الشفوي العلوي هو شريان حيوي يغذي الشفة العليا، ويلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على صحتها ووظائفها. ينشأ الشريان كفرع من الشريان الوجهي، ويمتد على طول حافة الشفة العليا، ويقع مباشرة تحت الغشاء المخاطي. تزويد الشفة العليا بالدم والأكسجين والمواد المغذية ضروري للكلام وتناول الطعام والتعبير عن المشاعر والإحساس. يمكن أن يتأثر الشريان الشفوي العلوي بالعديد من الحالات الطبية والإجراءات الجراحية، مما يستدعي توخي الحذر الشديد عند التعامل معه.