خلفية تاريخية
في أعقاب الغزو الألماني لفرنسا في مايو ويونيو 1940، انهارت الحكومة الفرنسية تحت وطأة الهزيمة العسكرية الساحقة. سعى العديد من السياسيين الفرنسيين البارزين إلى هدنة مع ألمانيا، اعتقادًا منهم بأن المقاومة الإضافية كانت عديمة الجدوى وستؤدي فقط إلى مزيد من إراقة الدماء والدمار. في هذا السياق، تم استدعاء الجمعية الوطنية الفرنسية (المكونة من مجلس النواب ومجلس الشيوخ) في مدينة فيشي، وهي مدينة منتجعية صغيرة في المنطقة الحرة غير المحتلة من فرنسا، للتصويت على سلسلة من التعديلات الدستورية التي من شأنها أن تمنح سلطات واسعة للماريشال بيتان.
التصويت في فيشي
في 10 يوليو 1940، اجتمع أعضاء الجمعية الوطنية في قاعة الأوبرا في فيشي للتصويت على مشروع القانون الذي يخول بيتان سلطة صياغة دستور جديد. كان مشروع القانون مصاغًا بعبارات غامضة، لكن كان من الواضح أن الغرض منه هو تصفية الجمهورية الفرنسية الثالثة وإنشاء نظام سلطوي جديد. كان الضغط على البرلمانيين هائلاً، حيث مارست الحكومة المؤيدة للهدنة وألمانيا النازية ضغوطًا هائلة لضمان الموافقة على مشروع القانون. على الرغم من ذلك، وقف 80 برلمانيًا بشجاعة وعارضوا مشروع القانون.
هوية الثمانين
تألفت مجموعة الثمانين من مجموعة متنوعة من السياسيين من مختلف الخلفيات الأيديولوجية، بما في ذلك الاشتراكيين والشيوعيين والجمهوريين المحافظين. ما وحد هؤلاء البرلمانيين هو إيمانهم بالقيم الجمهورية والمعارضة لأي شكل من أشكال الحكم الاستبدادي. من بين الشخصيات البارزة في مجموعة الثمانين:
- فينسان أوريول: سياسي اشتراكي أصبح فيما بعد رئيسًا للجمهورية الفرنسية الرابعة.
- جورج ماندل: سياسي جمهوري عنيد عارض الهدنة مع ألمانيا ودعا إلى استمرار المقاومة. اعتقله نظام فيشي وسلمه إلى الألمان، الذين قتلوه في عام 1944.
- بيير مينديس فرانس: سياسي راديكالي أصبح فيما بعد رئيسًا للوزراء في منتصف الخمسينيات.
من المهم ملاحظة أن قائمة الثمانين تختلف قليلاً حسب المصادر، حيث أن بعض البرلمانيين قد يكونون غائبين عن التصويت أو أن تسجيلهم لم يكن دقيقًا تمامًا.
دوافع المعارضة
كان لدى الثمانين أسباب مختلفة لمعارضة التصويت على منح السلطات الكاملة لبيتان. يمكن تلخيص بعض الدوافع الرئيسية فيما يلي:
- التمسك بالقيم الجمهورية: اعتقد الكثيرون أن منح السلطات الكاملة لبيتان يمثل خيانة للمثل الجمهورية للديمقراطية والحرية والمساواة.
- الخوف من الحكم الاستبدادي: كانوا يخشون أن يؤدي إنشاء نظام فيشي إلى قمع الحريات المدنية وانتهاكات حقوق الإنسان.
- الرفض الهدنة مع ألمانيا: رأوا أن الهدنة مع ألمانيا كانت استسلامًا مذلاً وأن فرنسا يجب أن تواصل المقاومة بأي ثمن.
- الشك في بيتان: كان لدى البعض شكوك عميقة حول دوافع بيتان وقدرته على قيادة فرنسا خلال الأوقات الصعبة.
عواقب التصويت
على الرغم من معارضتهم الشجاعة، لم يتمكن الثمانون من منع تمرير مشروع القانون. صوّتت غالبية ساحقة من أعضاء الجمعية الوطنية لصالح منح السلطات الكاملة لبيتان، مما مهد الطريق لإنشاء نظام فيشي. بعد التصويت، تعرض الثمانون لمضايقات وتهديدات من قبل حكومة فيشي وأنصارها. تم عزل العديد منهم من مناصبهم السياسية، وتعرض البعض الآخر للاعتقال والسجن. على الرغم من هذه الصعوبات، استمر العديد من أعضاء مجموعة الثمانين في لعب دور نشط في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني.
رمزية الثمانين
على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من منع إنشاء نظام فيشي، إلا أن الثمانين أصبحوا رمزًا للمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني والتعاون. يمثل تصويتهم الشجاع التزامًا بالمبادئ الديمقراطية ورفضًا للخضوع للاستبداد. بعد الحرب، تم تكريم الثمانين لدورهم في الدفاع عن القيم الجمهورية خلال أحلك ساعات تاريخ فرنسا.
إرث الثمانين
لا يزال إرث الثمانين يتردد صداه في فرنسا اليوم. يذكرنا تصويتهم الشجاع بأهمية الدفاع عن المبادئ الديمقراطية ومقاومة أي شكل من أشكال الحكم الاستبدادي. كما أنه بمثابة تذكير بأن حتى في أحلك الأوقات، هناك دائمًا أفراد على استعداد للوقوف في وجه الظلم والدفاع عن ما يؤمنون به.
أهمية دراسة الثمانين
دراسة الثمانين وأفعالهم خلال فترة الاحتلال الألماني لفرنسا تحمل أهمية كبيرة لعدة أسباب:
- فهم التعاون والمقاومة: تساعد دراسة الثمانين في فهم الديناميكيات المعقدة للتعاون والمقاومة في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. إنهم يمثلون مثالًا على المعارضة داخل النظام السياسي نفسه.
- دروس في الشجاعة الأخلاقية: توفر قصة الثمانين دروسًا قيمة في الشجاعة الأخلاقية والتمسك بالمبادئ في مواجهة الضغط الشديد.
- تاريخ الجمهورية الفرنسية: يعتبرون جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الجمهورية الفرنسية، حيث يمثلون لحظة حاسمة في الدفاع عن قيمها الأساسية.
- التحذير من الاستبداد: تعمل قصة الثمانين بمثابة تذكير بالتهديدات التي يشكلها الاستبداد على الديمقراطية وأهمية حماية الحريات المدنية.
خاتمة
كان “الثمانون” مجموعة من أعضاء البرلمان الفرنسي الذين رفضوا الاستسلام لضغوط الظروف الكارثية التي واجهت فرنسا في عام 1940. من خلال تصويتهم ضد منح السلطات الكاملة للماريشال بيتان، أظهروا التزامًا قويًا بالقيم الجمهورية ورفضًا للخضوع للاستبداد. على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من منع إنشاء نظام فيشي، إلا أن تصويتهم الشجاع أصبح رمزًا للمقاومة الفرنسية وألهم الأجيال القادمة للدفاع عن الديمقراطية والحرية.