مقدمة
أرنولد كورنز كانت فرقة موسيقية تشكلت في عام 1971 على يد ديفيد بوي. استوحي اسم الفرقة من أغنية بينك فلويد “أرنولد لاين” (Arnold Layne). كانت هذه الفرقة مشروعًا تجريبيًا لبوي لاستكشاف أفكار موسيقية وشخصيات مختلفة قبل أن يتبلور أسلوبه المميز في شخصية زيغي ستاردست.
الخلفية والتأسيس
في أوائل السبعينيات، كان ديفيد بوي في فترة انتقالية في مسيرته الفنية. بعد عدة ألبومات لم تحقق النجاح التجاري الذي كان يطمح إليه، كان بوي يبحث عن طرق جديدة للتعبير عن نفسه وتجديد موسيقاه. تأثر بوي بمشهد موسيقى الغلام روك الناشئ، وقرر أن يجرب أسلوبًا أكثر جرأة وتحديًا.
كانت فكرة أرنولد كورنز جزءًا من هذا التحول. أراد بوي إنشاء فرقة وهمية بشخصية محددة، تسمح له بتجربة أفكار موسيقية مختلفة دون الالتزام بصورته الفنية الحالية. اختار بوي اسم “أرنولد كورنز” كإشارة مرحة إلى أغنية بينك فلويد “أرنولد لاين”، التي تتناول قصة رجل يسرق ملابس النساء.
تشكيلة الفرقة
على الرغم من أن أرنولد كورنز كانت في الأساس مشروعًا لديفيد بوي، إلا أنه قام بتجنيد موسيقيين آخرين للمشاركة في تسجيل الأغاني والعروض الحية. تضمنت التشكيلة الأصلية للفرقة:
- ديفيد بوي: قام بدور العقل المدبر والمؤلف الرئيسي للأغاني.
- مارك كاريتش: عازف جيتار، لعب دورًا هامًا في تسجيل الأغاني.
- بيتر دي فريس: عازف جيتار البيس.
- تيم برودبنت: عازف الدرامز.
- فريددي بوريتي: مغني رئيسي. اختاره بوي من بين المارة في أحد الشوارع ليكون واجهة الفرقة.
كان فريدي بوريتي طالب تصميم أزياء يبلغ من العمر 19 عامًا، ولم يكن لديه أي خبرة سابقة في الغناء. اختاره بوي بسبب مظهره الجذاب وشخصيته المميزة، ورأى فيه تجسيدًا لشخصية أرنولد كورنز التي كان يسعى إليها.
الأغاني والتسجيلات
سجلت فرقة أرنولد كورنز عددًا قليلًا من الأغاني، التي صدرت كأغانٍ منفردة (Singles) في عام 1971. تضمنت هذه الأغاني:
- “Moonage Daydream”: نسخة مبكرة من الأغنية التي ظهرت لاحقًا في ألبوم “The Rise and Fall of Ziggy Stardust and the Spiders from Mars”.
- “Hang On to Yourself”: نسخة أخرى مبكرة من أغنية ظهرت أيضًا في ألبوم زيغي ستاردست.
- “Man in the Middle”: أغنية كتبها بوي خصيصًا لفرقة أرنولد كورنز.
- “Looking for a Friend”: أغنية أخرى كتبها بوي للفرقة.
تم تسجيل هذه الأغاني بأسلوب بسيط وخام، يعكس الطابع التجريبي للمشروع. كانت جودة التسجيل متواضعة، وكان أداء فريدي بوريتي الصوتي غير محترف في بعض الأحيان، لكن هذه العناصر ساهمت في إضفاء جو فريد ومميز على تسجيلات أرنولد كورنز.
العروض الحية
قامت فرقة أرنولد كورنز بعدد قليل من العروض الحية في عام 1971. تميزت هذه العروض بأزياء الفرقة الغريبة والمثيرة للجدل، والتي صممها فريدي بوريتي نفسه. ارتدى أعضاء الفرقة ملابس مستوحاة من أزياء الغلام روك، مع لمسة من السخرية والتهكم.
كانت العروض الحية لأرنولد كورنز تجربة فريدة ومثيرة للاهتمام، لكنها لم تلقَ نجاحًا كبيرًا. لم يكن الجمهور متأكدًا مما إذا كان يجب أن يأخذ الفرقة على محمل الجد أم لا، وكان أداء فريدي بوريتي الصوتي يثير بعض التساؤلات.
الأثر والإرث
على الرغم من أن أرنولد كورنز لم تدم طويلًا ولم تحقق نجاحًا تجاريًا كبيرًا، إلا أنها كانت تجربة مهمة في مسيرة ديفيد بوي الفنية. سمح له هذا المشروع باستكشاف أفكار موسيقية وشخصيات مختلفة، وساعده على تطوير أسلوبه المميز في شخصية زيغي ستاردست.
يمكن اعتبار أرنولد كورنز بمثابة نموذج أولي لشخصية زيغي ستاردست. كانت الأزياء الغريبة والمثيرة للجدل، والموسيقى الجريئة والمتحدية، عناصر أساسية في كلا المشروعين. لعبت تجربة أرنولد كورنز دورًا هامًا في تشكيل رؤية بوي الفنية وتوجهاته المستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت أرنولد كورنز في تسليط الضوء على موهبة فريدي بوريتي، الذي أصبح لاحقًا مصمم أزياء ناجحًا. أثبت بوريتي أن لديه حسًا فنيًا فريدًا، وأن لديه القدرة على التعبير عن نفسه من خلال الملابس والأزياء.
تعتبر تسجيلات أرنولد كورنز اليوم من التحف النادرة والمثيرة للاهتمام في مسيرة ديفيد بوي. توفر هذه التسجيلات نظرة فريدة على المراحل الأولى من تطور أسلوب بوي الفني، وتكشف عن جوانب غير معروفة من شخصيته الإبداعية.
تحليل موسيقي
تتميز موسيقى أرنولد كورنز بكونها مزيجًا من موسيقى الروك التقليدية وموسيقى الغلام روك الناشئة. تعتمد الأغاني على إيقاعات قوية وخطوط جيتار بسيطة ولكن فعالة. كلمات الأغاني غامضة ومبهمة، وتتناول موضوعات مثل الهوية والجنس والتمرد.
تعتبر أغنية “Moonage Daydream” من أبرز أغاني أرنولد كورنز. تتميز هذه الأغنية بلحن جذاب وكلمات مؤثرة، وتعتبر بمثابة نموذج أولي لأسلوب زيغي ستاردست. تعكس الأغنية حالة الضياع والبحث عن الذات التي كان يمر بها بوي في ذلك الوقت.
تتميز أغنية “Hang On to Yourself” بإيقاعها السريع وخطوط الجيتار الحادة. تعتبر هذه الأغنية مثالًا جيدًا على تأثير موسيقى الغلام روك على موسيقى أرنولد كورنز. تعكس الأغنية روح التمرد والتحدي التي كانت سائدة في تلك الفترة.
تعتبر أغنيتا “Man in the Middle” و “Looking for a Friend” من الأغاني الأقل شهرة لفرقة أرنولد كورنز، لكنهما لا تقلان أهمية عن الأغاني الأخرى. تتميز هاتان الأغنيتان بأسلوب أكثر هدوءًا وتأملًا، وتتناولان موضوعات مثل الوحدة والصداقة.
التأثير على ثقافة البوب
على الرغم من قصر عمرها، تركت فرقة أرنولد كورنز بصمة واضحة على ثقافة البوب. فقد أثرت في العديد من الفنانين والموسيقيين الذين جاؤوا من بعدها، وساهمت في تشكيل مشهد موسيقى الروك الحديث.
ألهمت أزياء أرنولد كورنز الغريبة والمثيرة للجدل العديد من مصممي الأزياء والفنانين. فقد ساهمت في كسر الحواجز التقليدية في عالم الموضة، وفتحت الباب أمام أساليب جديدة للتعبير عن الذات.
كما أثرت موسيقى أرنولد كورنز في العديد من الفنانين الذين تبنوا أسلوبًا مشابهًا في موسيقاهم. فقد ساهمت في نشر موسيقى الغلام روك، وفتحت الباب أمام فنانين مثل مارك بولان وروكسي ميوزيك.
ولا يزال إرث أرنولد كورنز حيًا حتى اليوم. فما زالت أغاني الفرقة تُستمع إليها وتحظى بالإعجاب من قبل محبي موسيقى الروك. كما أن شخصية أرنولد كورنز لا تزال تلهم الفنانين والمصممين في جميع أنحاء العالم.
تحليل نفسي لشخصية أرنولد كورنز
يمكن تحليل شخصية أرنولد كورنز من منظور نفسي، لفهم الدوافع والأهداف التي كانت وراء هذا المشروع الفني. يبدو أن ديفيد بوي كان يسعى من خلال أرنولد كورنز إلى استكشاف جوانب مختلفة من شخصيته، والتعبير عن أفكار ومشاعر مكبوتة.
تمثل شخصية أرنولد كورنز جانبًا من شخصية بوي الذي يتسم بالتمرد والتحدي. فقد كانت الفرقة بمثابة وسيلة للتعبير عن رفضه للقيم والمعايير الاجتماعية التقليدية. كما أنها كانت وسيلة للتعبير عن اهتمامه بالجنس والهوية، وهما موضوعان كانا يشغلان باله في ذلك الوقت.
يبدو أيضًا أن بوي كان يستخدم أرنولد كورنز كوسيلة للتعبير عن شعوره بالوحدة والعزلة. فمن خلال هذه الشخصية، كان قادرًا على التواصل مع الآخرين الذين يشعرون بنفس الطريقة. كما أنه كان قادرًا على إيجاد معنى وهدف لحياته من خلال الفن والموسيقى.
بشكل عام، يمكن القول أن شخصية أرنولد كورنز كانت انعكاسًا لحالة بوي النفسية في ذلك الوقت. فقد كانت وسيلة للتعبير عن أفكاره ومشاعره، واستكشاف جوانب مختلفة من شخصيته.
خاتمة
كانت أرنولد كورنز مشروعًا تجريبيًا ومثيرًا للاهتمام في مسيرة ديفيد بوي الفنية. على الرغم من قصر عمر الفرقة، إلا أنها تركت بصمة واضحة على ثقافة البوب، وساهمت في تشكيل مشهد موسيقى الروك الحديث. تعتبر أرنولد كورنز اليوم من التحف النادرة والمثيرة للاهتمام في مسيرة ديفيد بوي، وتوفر نظرة فريدة على المراحل الأولى من تطور أسلوبه الفني.