نشأة فريد كينت وتعليمه
ولد فريد كينت ونشأ في ولاية نيو جيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن تفاصيل حياته المبكرة وتعليمه ليست متاحة على نطاق واسع، إلا أن من المعروف أنه اكتسب خبرة عملية واسعة النطاق في مجال التخطيط الحضري وتطوير الأماكن العامة من خلال عمله الميداني وتجاربه المختلفة. لم يتبع كينت مسارًا أكاديميًا تقليديًا في التخطيط الحضري، بل ركز على التعلم من خلال الممارسة والتفاعل المباشر مع المجتمعات والأماكن.
تأسيس مشروع الأماكن العامة (Project for Public Spaces)
في عام 1975، أسس فريد كينت مع صديقته آن ماكنامارا “مشروع الأماكن العامة” (PPS). كانت رؤيتهما بسيطة ولكنها عميقة: أن الأماكن العامة يجب أن تكون في قلب المجتمعات، وأن تصميمها وتطويرها يجب أن يعكس احتياجات ورغبات الأشخاص الذين يستخدمونها. انطلق المشروع من فكرة أن الأماكن العامة الجيدة يمكن أن تعزز التواصل الاجتماعي، وتحسين الصحة العامة، وتحفيز النشاط الاقتصادي، وخلق شعور بالانتماء للمجتمع.
منذ تأسيسها، نمت PPS لتصبح منظمة عالمية رائدة تعمل مع المجتمعات والمدن والمنظمات في جميع أنحاء العالم لتحسين الأماكن العامة. تعتمد PPS على منهجية فريدة تسمى “Placemaking”، والتي تركز على تحويل الأماكن المهملة أو غير المستغلة إلى مساحات حيوية وجذابة تلبي احتياجات المستخدمين.
مفهوم “Placemaking”
يُعد مفهوم “Placemaking” حجر الزاوية في عمل فريد كينت و”مشروع الأماكن العامة”. “Placemaking” هي عملية متعددة الأوجه تتجاوز مجرد تصميم المساحات المادية. إنها تركز على خلق أماكن ذات معنى وأصالة تعكس هوية المجتمع وتعزز الروابط الاجتماعية. يتضمن “Placemaking” فهم كيفية استخدام الناس للأماكن، وما هي الأنشطة التي يرغبون في القيام بها، وكيف يمكن تحسين هذه الأماكن لتلبية احتياجاتهم.
تعتمد منهجية “Placemaking” على عدة مبادئ أساسية، بما في ذلك:
- المجتمع أولاً: إشراك المجتمع في عملية التخطيط والتصميم لضمان أن الأماكن تعكس احتياجاتهم ورغباتهم.
- الرؤية: تحديد رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه المكان وكيف يمكن أن يخدم المجتمع.
- المرونة: تصميم الأماكن بطريقة تسمح بالتكيف والتغيير بمرور الوقت.
- التجريب: اختبار الأفكار الجديدة من خلال مشاريع تجريبية صغيرة النطاق قبل تنفيذها على نطاق واسع.
- الشراكات: بناء شراكات قوية بين مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات والشركات والمنظمات غير الربحية والمجتمعات المحلية.
إنجازات فريد كينت و”مشروع الأماكن العامة”
على مر السنين، لعب فريد كينت و”مشروع الأماكن العامة” دورًا حاسمًا في تحويل العديد من الأماكن العامة حول العالم. تتضمن بعض إنجازاتهم البارزة ما يلي:
- تحويل تايمز سكوير في مدينة نيويورك: عملت PPS مع مدينة نيويورك لتحويل تايمز سكوير من منطقة مزدحمة بالسيارات إلى ساحة عامة صديقة للمشاة. تضمن ذلك إغلاق بعض الشوارع أمام حركة المرور، وإنشاء مناطق جلوس مريحة، وتنظيم فعاليات وأنشطة عامة.
- تطوير سوق بوسطن العام: ساهمت PPS في تطوير سوق بوسطن العام، وهو سوق داخلي يضم مجموعة متنوعة من البائعين المحليين. أصبح السوق مكانًا شهيرًا للمقيمين والزوار على حد سواء، ويساعد في دعم الاقتصاد المحلي.
- تحسين محطة غراند سنترال في مدينة نيويورك: عملت PPS على تحسين تجربة المشاة في محطة غراند سنترال، وهي واحدة من أكثر المحطات ازدحامًا في العالم. تضمن ذلك إضافة المزيد من المقاعد، وتحسين اللافتات، وتنظيم فعاليات وأنشطة ثقافية.
- العمل في أكثر من 3500 مجتمع حول العالم: قدمت PPS خدمات استشارية وتدريبية لأكثر من 3500 مجتمع في جميع أنحاء العالم، وساعدت في تحسين الأماكن العامة في المدن والبلدات الصغيرة.
أفكار فريد كينت حول الأماكن العامة
يعتقد فريد كينت أن الأماكن العامة الجيدة هي أساس المجتمعات المزدهرة. يؤكد على أهمية جعل الأماكن سهلة الوصول إليها، وآمنة، ومريحة، وجذابة للجميع. يرى كينت أن الأماكن العامة يجب أن تكون متعددة الاستخدامات، وأن توفر مجموعة متنوعة من الأنشطة والفرص للتفاعل الاجتماعي. كما يدعو إلى تصميم الأماكن بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة.
من بين الأفكار الرئيسية التي يروج لها فريد كينت:
- قوة “الأماكن الصغيرة”: يؤمن كينت بأن التغييرات الصغيرة والمدروسة في الأماكن العامة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على المجتمع. غالبًا ما يركز على تحسين التفاصيل الصغيرة، مثل إضافة المقاعد، وتحسين الإضاءة، وزراعة الأشجار، وتنظيم الفعاليات الصغيرة.
- أهمية “الوجهات الثلاثية”: يشير كينت إلى أن الأماكن العامة الناجحة غالبًا ما تتميز بوجود ثلاث وجهات رئيسية على الأقل، مثل مقهى، ومتجر، ومكان للجلوس. هذه الوجهات تخلق نقطة جذب للناس وتشجعهم على البقاء والتفاعل مع الآخرين.
- دور “الحراس”: يؤكد كينت على أهمية وجود “حراس” للأماكن العامة، وهم الأشخاص الذين يهتمون بالمكان ويساعدون في الحفاظ عليه آمنًا ونظيفًا وجذابًا. يمكن أن يكون هؤلاء الحراس من المتطوعين، أو الموظفين الحكوميين، أو أصحاب الأعمال المحليين.
انتقادات لعمل فريد كينت و”مشروع الأماكن العامة”
على الرغم من الإشادة الواسعة النطاق بعمل فريد كينت و”مشروع الأماكن العامة”، إلا أن هناك بعض الانتقادات التي وجهت إليهما. يرى بعض النقاد أن منهجية “Placemaking” تركز بشكل كبير على الجوانب الجمالية والتجارية للأماكن العامة، وتتجاهل القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأوسع نطاقًا. يجادل هؤلاء النقاد بأن “Placemaking” يمكن أن يؤدي إلى الت gentrification (التحسين الحضري) وتشريد السكان ذوي الدخل المنخفض.
بالإضافة إلى ذلك، يرى بعض النقاد أن PPS يعتمد بشكل كبير على التمويل الخاص، مما قد يؤثر على استقلاليته وموضوعيته. يجادل هؤلاء النقاد بأن PPS قد يكون أكثر عرضة لخدمة مصالح الشركات والمطورين العقاريين بدلاً من مصالح المجتمعات المحلية.
ردود فريد كينت و”مشروع الأماكن العامة” على الانتقادات
يرد فريد كينت و”مشروع الأماكن العامة” على هذه الانتقادات بالإشارة إلى أنهم يعملون دائمًا على إشراك المجتمعات المحلية في عملية التخطيط والتصميم، وأنهم يسعون جاهدين لخلق أماكن تلبي احتياجات جميع السكان، بغض النظر عن دخلهم أو خلفيتهم. يؤكدون أيضًا على أنهم ملتزمون بالعمل مع مجموعة متنوعة من الشركاء، بما في ذلك الحكومات والمنظمات غير الربحية والمجتمعات المحلية، لضمان أن تكون الأماكن العامة عادلة ومنصفة.
كما يشيرون إلى أنهم يعملون على تطوير أدوات وموارد جديدة لمساعدة المجتمعات على مكافحة الت gentrification وضمان بقاء الأماكن العامة في متناول الجميع. على سبيل المثال، طورت PPS أداة تسمى “Equity Placemaking”، والتي تساعد المجتمعات على تقييم التأثيرات المحتملة لمشاريع “Placemaking” على العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
مستقبل الأماكن العامة
مع استمرار نمو المدن وتغير المجتمعات، ستظل الأماكن العامة ذات أهمية حيوية. يرى فريد كينت أن مستقبل الأماكن العامة يعتمد على قدرتنا على جعلها أكثر سهولة، وأمانًا، واستدامة، وإنصافًا. يدعو إلى تبني نهج أكثر شمولية وتشاركية في التخطيط والتصميم، وإلى إشراك المجتمعات المحلية في كل خطوة من العملية.
يعتقد كينت أن الأماكن العامة يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في معالجة بعض التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجهها مجتمعاتنا، مثل تغير المناخ، وعدم المساواة الاقتصادية، والعزلة الاجتماعية. من خلال خلق أماكن عامة جيدة، يمكننا بناء مجتمعات أقوى وأكثر مرونة وأكثر استدامة.
خاتمة
فريد كينت هو شخصية مؤثرة في مجال التخطيط الحضري وتطوير الأماكن العامة. من خلال “مشروع الأماكن العامة”، ساهم في تحويل العديد من الأماكن العامة حول العالم، وتعزيز مفهوم “Placemaking” كمنهجية فعالة لتحسين المجتمعات. على الرغم من بعض الانتقادات، يظل عمله ذا أهمية كبيرة في بناء مدن ومجتمعات أفضل للجميع.