التأسيس والأيديولوجيا
بعد اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية في يوليو 1936، استجابت المنظمات الفوضوية بسرعة للدعوة إلى المقاومة ضد القوات القومية بقيادة الجنرال فرانكو. في فالنسيا، اجتمع أعضاء CNT وFAI لتشكيل وحدات مسلحة للدفاع عن المدينة والمشاركة في الثورة الاجتماعية التي كانوا يأملون في تحقيقها. كان العمود الحديدي واحدًا من عدة وحدات مماثلة ظهرت في المنطقة، لكنه سرعان ما اكتسب سمعة باعتباره الأكثر راديكالية واستقلالية.
كانت أيديولوجية العمود الحديدي متجذرة بعمق في الفوضوية. لقد رفضوا فكرة الدولة والسلطة المركزية، ودعوا إلى مجتمع منظم ذاتيًا بدون طبقات أو حكومة. كانوا يؤمنون بالعمل المباشر والعنف الثوري لتحقيق أهدافهم، وغالبًا ما اشتبكوا مع السلطات الجمهورية، التي اعتبروها سلطوية وغير ثورية بما فيه الكفاية.
كانت إحدى الشخصيات البارزة في العمود الحديدي خوسيه بويغ إلياس، المعروف باسم “يارو”. كان يارو لاسلطويًا متطرفًا وقائدًا كاريزميًا لعب دورًا حاسمًا في تشكيل أيديولوجية الوحدة وأساليبها.
العمليات العسكرية
شارك العمود الحديدي في العديد من المعارك الحاسمة على الجبهة الشرقية، التي امتدت عبر مقاطعات فالنسيا وتيرويل وكاستيلون. كان لديهم بعض النجاح في البداية، لكنهم عانوا أيضًا من انتكاسات كبيرة بسبب نقص التدريب والتنظيم والمعدات.
أحد الاشتباكات الأولى التي شارك فيها العمود الحديدي كان الاستيلاء على مدينة سييرا، وهي بلدة صغيرة تقع في منطقة جبال مايسترازغو. سيطرت الوحدة على المدينة لفترة وجيزة، لكنها اضطرت إلى التراجع تحت ضغط القوات القومية المتفوقة.
في وقت لاحق، شارك العمود الحديدي في معركة تيرويل، وهي معركة طويلة ودموية استمرت عدة أشهر. لعبت الوحدة دورًا في الدفاع عن المدينة، لكنها تكبدت خسائر فادحة. أدت المعركة أيضًا إلى تفاقم التوترات بين العمود الحديدي والحكومة الجمهورية، التي اتهمت الوحدة بعدم الانضباط وعدم الكفاءة.
تميزت عمليات العمود الحديدي أيضًا باستخدامهم المثير للجدل للتكتيكات الثورية، مثل المصادرة الجماعية للأراضي والممتلكات، وإعدام المشتبه في كونهم متعاونين مع القوميين، ونهب الكنائس والمباني الدينية. أثارت هذه الإجراءات غضب العديد من الجمهوريين المعتدلين والاشتراكيين، الذين رأوا أنها تقوض قضية الجمهورية وتثير استياء السكان.
الخلافات والانحلال
كان العمود الحديدي محاطًا بالخلافات طوال وجوده. كانت أساليبهم الراديكالية وعصيانهم للسلطة الجمهورية مصدر قلق دائم للحكومة، التي سعت إلى دمجهم في الجيش النظامي. رفضت الوحدة الخضوع للسيطرة المركزية، وأصرت على الحفاظ على استقلالها وهيكلها الفوضوي.
أحد الخلافات الرئيسية كان تورط العمود الحديدي في عدد من الجرائم والانتهاكات، مثل عمليات السطو والابتزاز والقتل. اتُهمت الوحدة بإرهاب السكان المحليين واستخدام العنف لتصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين. على الرغم من أن بعض هذه الاتهامات قد تكون مبالغ فيها، إلا أنه لا شك في أن العمود الحديدي ارتكب بعض الفظائع.
بالإضافة إلى ذلك، كان العمود الحديدي يعاني من صراعات داخلية وانقسامات. غالبًا ما اختلف قادة الوحدة حول مسائل الإستراتيجية والتكتيكات والأهداف. أدت هذه الخلافات الداخلية إلى تشرذم وتراجع الروح المعنوية.
في أوائل عام 1937، قررت الحكومة الجمهورية حل العمود الحديدي بالقوة. أرسلت وحدات من الجيش النظامي لتطويق معسكرات الوحدة ومصادرة أسلحتها. قاوم العديد من أعضاء العمود الحديدي، لكنهم سرعان ما تغلبوا عليهم. تم اعتقال قادة الوحدة أو إعدامهم، وتم دمج بقية الأعضاء في وحدات عسكرية أخرى.
إرث العمود الحديدي
على الرغم من نهايته المثيرة للجدل، ترك العمود الحديدي إرثًا دائمًا في تاريخ الحرب الأهلية الإسبانية. يظل رمزًا للتطرف الفوضوي والعمل المباشر. يرى البعض أن الوحدة تمثل التزامًا حقيقيًا بالثورة الاجتماعية والدفاع عن الحرية، بينما ينتقدها آخرون بسبب عنفها وفوضويتها.
أثار العمود الحديدي أسئلة مهمة حول طبيعة الثورة والدور المناسب للعنف في الصراع السياسي. كما سلط الضوء على التوترات والانقسامات داخل المعسكر الجمهوري، بين أولئك الذين فضلوا اتباع نهج أكثر اعتدالًا وتدريجيًا في التغيير الاجتماعي، وأولئك الذين دعوا إلى ثورة جذرية وشاملة.
لا يزال العمود الحديدي موضوعًا للدراسة والنقاش بين المؤرخين والباحثين حتى يومنا هذا. إن تاريخهم بمثابة تذكير معقد ومثير للقلق بالإمكانيات والمخاطر المترتبة على الأيديولوجيات الراديكالية والحركات الثورية.
خاتمة
كان العمود الحديدي وحدة عسكرية فوضوية لعبت دورًا بارزًا في المراحل الأولى من الحرب الأهلية الإسبانية. على الرغم من أنهم قاتلوا بشجاعة ضد القوات القومية، إلا أن أساليبهم وأيديولوجيتهم الراديكالية أثارت جدلاً وأدت في النهاية إلى حلهم. يبقى إرث العمود الحديدي موضوعًا للدراسة والنقاش، مما يمثل تذكيرًا بالإمكانيات والمخاطر المترتبة على الحركات الثورية.