الحياة المبكرة والتعليم
ولد روبرت جولد في برايتون، إنجلترا، في عائلة ذات خلفية بحرية قوية. والده، توماس رايت جولد، كان ضابطًا في البحرية الملكية، مما أثر بشكل كبير على مسار حياة روبرت. تلقى تعليمه في مدرسة بيدفورد، حيث أظهر اهتمامًا مبكرًا بالعلوم والتكنولوجيا. انضم لاحقًا إلى البحرية الملكية كضابط بحري، حيث خدم بتفانٍ وشجاعة خلال الحرب العالمية الأولى.
على الرغم من التزامه بالخدمة العسكرية، لم يتخل جولد عن شغفه بالمعرفة. كان قارئًا نهمًا، ومثقفًا موسوعيًا، يتمتع بفهم عميق لمجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك التاريخ، والأدب، وعلم الفلك، والموسيقى. كان هذا التنوع الفكري هو الذي ميزه عن غيره، وسمح له بتقديم مساهمات فريدة في المجالات التي عمل بها.
الخدمة في البحرية الملكية
قضى جولد سنوات عديدة في الخدمة الفعلية في البحرية الملكية، وشارك في العديد من العمليات البحرية خلال الحرب العالمية الأولى. خدم على متن سفن مختلفة، واكتسب خبرة قيمة في الملاحة، والاتصالات، والهندسة البحرية. كانت هذه التجربة العملية بمثابة أساس متين لفهمه اللاحق لتعقيدات الساعات البحرية، وأهميتها في الملاحة الدقيقة.
خلال فترة خدمته، أظهر جولد مهارات قيادية استثنائية، وشجاعة لا تلين. كان يحظى بتقدير كبير من قبل زملائه ومرؤوسيه على حد سواء، بفضل كفاءته المهنية، ونزاهته الشخصية. على الرغم من المخاطر والتحديات التي واجهها في البحر، حافظ دائمًا على هدوئه، وتفكيره الواضح، وقدرته على اتخاذ قرارات حاسمة تحت الضغط.
الاهتمام بالساعات الدقيقة وترميمها
بدأ اهتمام جولد بالساعات الدقيقة وترميمها في وقت مبكر من حياته، لكنه تعمق بشكل خاص بعد تركه الخدمة الفعلية في البحرية. كان مفتونًا بتاريخ الساعات البحرية، ودورها الحاسم في تمكين الملاحة الدقيقة في البحار. أدرك أن هذه الآلات المعقدة ليست مجرد أدوات قياس للوقت، بل هي شهادات على براعة الإنسان، وعبقريته الهندسية.
كرس جولد نفسه لدراسة مبادئ علم الساعات الدقيقة، وتعلم تقنيات الترميم القديمة. أمضى ساعات لا تحصى في فحص الساعات القديمة، وتفكيكها، وتنظيفها، وإصلاحها، واستعادة وظائفها الأصلية. أصبح خبيرًا معترفًا به في هذا المجال المتخصص، وتم البحث عنه من قبل المتاحف، والمجموعات الخاصة، وهواة جمع التحف على حد سواء.
ترميم ساعات هاريسون البحرية
يُعد ترميم روبرت جولد لساعات هاريسون البحرية إنجازًا بارزًا في تاريخ علم الساعات الدقيقة. كانت ساعات هاريسون، التي صممها صانع الساعات الإنجليزي جون هاريسون في القرن الثامن عشر، بمثابة حل ثوري لمشكلة تحديد خط الطول في البحر. مكنت هذه الساعات البحرية السفن من تحديد موقعها بدقة، مما أدى إلى تحسين السلامة، والكفاءة في الملاحة البحرية.
عندما تولى جولد مهمة ترميم ساعات هاريسون، كانت هذه الساعات في حالة سيئة، بعد أن أهملت لعقود. عمل جولد بلا كلل لإعادة هذه التحف القيمة إلى مجدها السابق، باستخدام مهاراته، ومعرفته المتعمقة بعلم الساعات الدقيقة. لم يقتصر عمله على إصلاح الأجزاء المكسورة، وتنظيف الآليات، بل شمل أيضًا البحث في تاريخ الساعات، وفهم التصميم الأصلي لهاريسون.
كان ترميم ساعات هاريسون بمثابة شهادة على صبر جولد، وتفانيه، وإتقانه للحرفة. بفضله، أصبحت هذه الساعات الآن معروضة في المتحف البحري الوطني في جرينتش، حيث يمكن للزوار تقدير عبقرية هاريسون، ومساهمة جولد في الحفاظ على هذا التراث المهم.
مؤلفاته
لم يكن روبرت جولد مجرد مرمم ساعات ماهر، بل كان أيضًا مؤلفًا غزير الإنتاج، كتب عن مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك علم الساعات الدقيقة، والتاريخ البحري، والخوارق. تميزت كتاباته بأسلوبها الواضح، والجذاب، والمعلوماتي، مما جعلها في متناول كل من الخبراء، والقراء العاديين.
من بين أشهر أعماله كتاب “الساعة البحرية لهاريسون: أصلها ومآلها”، الذي نُشر عام 1923. يقدم هذا الكتاب دراسة شاملة لحياة جون هاريسون، وعمله الرائد في تطوير الساعات البحرية. يعتبر الكتاب مرجعًا أساسيًا للباحثين، وهواة جمع التحف المهتمين بتاريخ الملاحة، وعلم الساعات الدقيقة.
كتب جولد أيضًا العديد من المقالات، والدراسات حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، بما في ذلك تاريخ علم الفلك، وتطور الأدوات العلمية، وألغاز الخوارق. كان يتمتع بقدرة فريدة على الجمع بين الدقة العلمية، والسرد القصصي الجذاب، مما جعل كتاباته ممتعة، ومثيرة للتفكير.
الجدل والخلافات
لم يكن روبرت جولد بمنأى عن الجدل والخلافات. كان يتمتع بشخصية قوية، وآراء واضحة، ولم يتردد في التعبير عنها، حتى لو كانت تتعارض مع الآراء السائدة. أدى ذلك في بعض الأحيان إلى خلافات مع زملائه، والمؤسسات التي عمل معها.
أحد أبرز الخلافات التي شارك فيها جولد هو خلافه مع المتحف البحري الوطني في جرينتش بشأن ترميم ساعات هاريسون. شعر جولد أن المتحف لم يقدر عمله، ولم يقدم له الدعم الكافي. أدى هذا الخلاف إلى توتر العلاقات بين جولد، والمتحف، واستمر لسنوات عديدة.
على الرغم من هذه الخلافات، حافظ جولد دائمًا على نزاهته، والتزامه بمعاييره المهنية. كان يؤمن بشدة بأهمية الحفاظ على التراث العلمي، والتاريخي، ولم يسمح للخلافات الشخصية بتقويض عمله.
الإرث والتأثير
ترك روبرت جولد إرثًا دائمًا في مجال علم الساعات الدقيقة، والحفاظ على التراث الميكانيكي. كان عمله في ترميم ساعات هاريسون بمثابة نموذج يحتذى به للمرممين في جميع أنحاء العالم. ألهمت كتاباته أجيالًا من الباحثين، وهواة جمع التحف، وعشاق التاريخ.
يُنظر إلى جولد على نطاق واسع على أنه شخصية رائدة في تاريخ علم الساعات الدقيقة. ساهم عمله في فهمنا للساعات البحرية، ودورها في تمكين الملاحة الدقيقة في البحار. كان أيضًا مدافعًا قويًا عن أهمية الحفاظ على التراث العلمي، والتاريخي للأجيال القادمة.
بالإضافة إلى ذلك، كان لجولد تأثير كبير على الثقافة الشعبية. ظهرت شخصيته في العديد من الكتب، والأفلام الوثائقية، والبرامج التلفزيونية، مما جعله شخصية معروفة، ومحترمة على نطاق واسع.
حياته الشخصية
تزوج روبرت جولد مرتين. تزوج أولاً من مورييل بياتريس ستيوارت في عام 1916، وتطلقا لاحقًا. ثم تزوج من أوليف ماري كوك في عام 1933، واستمر زواجهما حتى وفاته في عام 1948. لم يكن لديه أطفال.
كان جولد شخصية معقدة، ومتعددة الأوجه. كان يتمتع بذكاء حاد، وحس فكاهة لاذع، وشغف عميق بالمعرفة. كان أيضًا شخصًا خاصًا، ومستقلًا، ومكتفيًا ذاتيًا. كان لديه دائرة صغيرة من الأصدقاء المقربين، الذين قدروا ذكائه، وصراحته، وولائه.
على الرغم من إنجازاته العديدة، عانى جولد من مشاكل صحية في سنواته الأخيرة. توفي في عام 1948 عن عمر يناهز 57 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا دائمًا في مجال علم الساعات الدقيقة، والحفاظ على التراث الميكانيكي.
خاتمة
كان روبرت جولد شخصية بارزة في تاريخ علم الساعات الدقيقة. بصفته ضابطًا بحريًا، ومؤلفًا، وعالمًا، ومرممًا للساعات، قدم مساهمات كبيرة في فهمنا للساعات البحرية، ودورها في الملاحة الدقيقة. على الرغم من الخلافات التي واجهها، ترك إرثًا دائمًا ألهم أجيالًا من الباحثين، وهواة جمع التحف، وعشاق التاريخ. يُذكر جولد بفضل عمله الرائد في ترميم ساعات هاريسون البحرية، وكتاباته الغزيرة التي جمعت بين الدقة العلمية، والسرد القصصي الجذاب. سيظل إسهامه في الحفاظ على التراث العلمي، والتاريخي للأجيال القادمة محل تقدير دائمًا.