مقدمة
أناكسagوراس (باليونانية القديمة: Ἀναξαγόρας، حوالي 510 – 428 قبل الميلاد) كان فيلسوفًا يونانيًا ما قبل سقراط. وُلد في كلازوميناي (Clazomenae) في آسيا الصغرى، ويُعرف بأنه أول من جلب الفلسفة إلى أثينا. كان تفكيره يمثل مرحلة انتقالية بين الفلاسفة الأيونيين الذين ركزوا على المادة، والفلاسفة المثاليين مثل سقراط وأفلاطون الذين اهتموا بالأخلاق والميتافيزيقا.
حياته
وُلد أناكسagوراس في مدينة كلازوميناي الأيونية، التي كانت تابعة للإمبراطورية الفارسية. كان من عائلة ثرية ومؤثرة، ولكنه تخلى عن ثروته ومسؤولياته السياسية ليتبع شغفه بالفلسفة. انتقل إلى أثينا في شبابه، حيث عاش لمدة ثلاثين عامًا تقريبًا، وأصبح مقربًا من الدائرة المحيطة ببريكليس. كان له تأثير كبير على الفكر الأثيني، وكان معلمًا للعديد من الشخصيات البارزة، بمن فيهم بريكليس ويوريبيديس. ومع ذلك، واجه معارضة بسبب آرائه غير التقليدية، واتُهم بالإلحاد، مما اضطره إلى مغادرة أثينا والعودة إلى الأيونية، حيث توفي في لامبساكوس.
نظرياته الفلسفية
تعتبر فلسفة أناكسagوراس فريدة من نوعها بسبب تركيزها على مفهوم “البذور” (Spermata) و”العقل” (Nous). كان يعتقد أن الكون يتكون من عدد لا نهائي من البذور الصغيرة، وكل شيء يحتوي على جزء من كل شيء آخر. هذه البذور غير مرئية للعين المجردة، ولكنها تشكل جميع المواد والأشياء التي نراها. أما العقل، فهو قوة خارجية تحرك وتنظم هذه البذور، وتخلق النظام والتمايز في الكون.
البذور (Spermata)
وفقًا لأناكسagوراس، فإن الكون في الأصل كان عبارة عن خليط فوضوي من جميع البذور. هذه البذور ليست مجرد ذرات مادية، بل هي عبارة عن جسيمات صغيرة تحتوي على جميع الصفات الممكنة. كل شيء يحتوي على جزء من كل شيء آخر، ولكن الشيء يتميز بالصفات التي توجد فيه بكمية أكبر. على سبيل المثال، قطعة الذهب تحتوي على كمية أكبر من بذور الذهب مقارنة ببذور العناصر الأخرى. هذا المفهوم يفسر كيف يمكن للمواد أن تتحول إلى بعضها البعض، وكيف يمكن أن تظهر صفات جديدة في الأشياء.
- كل شيء في كل شيء: هذا المبدأ الأساسي لفلسفة أناكسagوراس يعني أن كل شيء يحتوي على جزء من كل شيء آخر.
- الكمية تحدد الصفة: الصفة المميزة للشيء تحددها الكمية النسبية للبذور التي يحتوي عليها.
- لا يوجد أصغر من الصغير: لا يوجد حد لحجم البذور، ويمكن تقسيمها إلى أجزاء أصغر إلى ما لا نهاية.
العقل (Nous)
العقل هو المبدأ المحرك والمنظم للكون. إنه قوة خارجية ومستقلة عن المادة، ولكنه يعمل على تنظيم البذور وخلق النظام من الفوضى. العقل هو المسؤول عن حركة البذور وتمايزها، وهو الذي خلق الشمس والقمر والنجوم والأرض. يتميز العقل بالنقاء والمعرفة الكاملة، وهو القوة الأكثر دقة ونقاء في الكون. ومع ذلك، فإنه لا يتدخل بشكل مباشر في كل شيء، بل يبدأ الحركة ثم يسمح للعمليات الطبيعية بأن تأخذ مجراها.
- المحرك الأول: العقل هو القوة التي بدأت حركة البذور وخلق الكون.
- المنظم: العقل ينظم البذور ويخلق النظام والتمايز في الكون.
- النقاء والمعرفة: العقل يتميز بالنقاء والمعرفة الكاملة، وهو القوة الأكثر دقة ونقاء في الكون.
علم الكونيات
طور أناكسagوراس نظرية كونية متقدمة نسبيًا. اعتقد أن الأرض مسطحة وأن الشمس والقمر والنجوم عبارة عن كتل صخرية ملتهبة. كان يعتقد أن الشمس أكبر من بيلوبونيز، وهي منطقة في اليونان. وفسر كسوف الشمس والقمر تفسيراً طبيعياً، وليس كظواهر خارقة للطبيعة. كما اعتقد أن النجوم عبارة عن شموس بعيدة، وأن هناك عوالم أخرى مأهولة بالسكان.
- الأرض المسطحة: اعتقد أناكسagوراس أن الأرض مسطحة.
- الكواكب كصخور ملتهبة: رأى أن الشمس والقمر والنجوم عبارة عن كتل صخرية ملتهبة.
- تفسير طبيعي للكسوف: فسر كسوف الشمس والقمر تفسيراً طبيعياً.
تأثيره
كان لأناكسagوراس تأثير كبير على الفلسفة اليونانية اللاحقة. أثرت أفكاره على الفلاسفة اللاحقين مثل ديموقريطس وأرسطو. كما كان له تأثير على العلوم، حيث قدم تفسيرات طبيعية للظواهر الكونية، بدلاً من الاعتماد على الأساطير والخرافات. على الرغم من أن فلسفته لم تكن مقبولة على نطاق واسع في عصره، إلا أنها كانت خطوة مهمة نحو تطوير الفكر العلمي والفلسفي.
- التأثير على ديموقريطس: أثرت أفكار أناكسagوراس على نظرية الذرة التي طورها ديموقريطس.
- التأثير على أرسطو: انتقد أرسطو بعض جوانب فلسفة أناكسagوراس، لكنه اعترف بأهمية مساهماته.
- التحول نحو التفسير الطبيعي: ساهم أناكسagوراس في التحول نحو التفسيرات الطبيعية للظواهر الكونية.
اتهامه بالإلحاد
اتُهم أناكسagوراس بالإلحاد بسبب آرائه غير التقليدية حول الآلهة والظواهر الكونية. كان يعتقد أن الشمس عبارة عن كتلة صخرية ملتهبة، وليس إلهًا. هذه الآراء كانت تعتبر تهديدًا للدين التقليدي، مما أدى إلى اتهامه بالإلحاد ومحاكمته. تمكن من تجنب الإعدام بفضل تدخل بريكليس، لكنه اضطر إلى مغادرة أثينا والعودة إلى الأيونية.
أقوال مأثورة
هناك عدد قليل من الأقوال المأثورة المنسوبة إلى أناكسagوراس، والتي تعكس فلسفته الفريدة:
- “العقل هو الذي رتب كل شيء.”
- “في كل شيء جزء من كل شيء.”
- “الرؤية هي إدراك ما هو غير مرئي.”
إرثه
على الرغم من أن فلسفة أناكسagوراس لم تكن مقبولة على نطاق واسع في عصره، إلا أنها كانت خطوة مهمة نحو تطوير الفكر العلمي والفلسفي. قدم تفسيرات طبيعية للظواهر الكونية، وساهم في تطوير مفهوم المادة والعقل. كان له تأثير كبير على الفلاسفة اللاحقين، ولا تزال أفكاره تثير الاهتمام والتقدير حتى اليوم.
خاتمة
أناكسagوراس، الفيلسوف اليوناني ما قبل سقراط، ترك بصمة واضحة في تاريخ الفكر الفلسفي والعلمي. من خلال نظريته عن البذور والعقل، قدم رؤية فريدة للكون وكيفية عمله. على الرغم من التحديات التي واجهها بسبب آرائه غير التقليدية، إلا أنه استمر في البحث عن الحقيقة والمعرفة، مما جعله شخصية مؤثرة في تاريخ الفلسفة.