بداية التوسع الاستعماري
عام 1890: كانت سنة حاسمة. في السادس من مايو، انطلقت “الكتيبة الرائدة” من مزرعة سيسيل رودس في كينيلورث، وهي ضاحية تابعة لكيمبرلي، متجهة إلى ماكلوتسي. هذه الكتيبة، التي كانت تتألف من المستوطنين البيض ورجال الشرطة والمغامرين، كانت تهدف إلى احتلال ماشونالاند وتأسيس مستعمرة بريطانية. كان ذلك بمثابة بداية الغزو الاستعماري المنظم للبلاد.
وصلت الكتيبة الرائدة إلى ماشونالاند وأسست حصن سالزبوري (الآن هراري) في 12 سبتمبر 1890. كان هذا الحصن بمثابة نقطة انطلاق لتوسع أكبر في المنطقة، مما أدى إلى صراعات مع السكان الأصليين الذين قاوموا الاحتلال.
حرب ماتابيلي الأولى (1893-1894)
اندلعت حرب ماتابيلي الأولى نتيجة للتنافس على الأراضي والموارد بين المستوطنين البيض وشعب ماتابيلي بقيادة الملك لوبينغولا. كان شعب ماتابيلي يتمتع بقوة عسكرية كبيرة، ولكنهم كانوا أقل تسليحًا من المستوطنين الذين كانوا يمتلكون أسلحة حديثة.
بدأت الحرب بعد سلسلة من المناوشات بين الطرفين، وتصاعدت بسرعة إلى صراع شامل. استخدم المستوطنون تكتيكات عسكرية متفوقة، بما في ذلك استخدام المدافع الرشاشة، مما أدى إلى خسائر فادحة في صفوف شعب ماتابيلي. في نهاية المطاف، هُزم شعب ماتابيلي وقُتل الملك لوبينغولا، مما أدى إلى سقوط مملكة ماتابيلي وضم أراضيها إلى مستعمرة روديسيا الجنوبية.
كانت حرب ماتابيلي الأولى نقطة تحول في تاريخ زيمبابوي. أدت إلى ترسيخ الحكم الاستعماري البريطاني وتجريد السكان الأصليين من أراضيهم وحقوقهم. كما أدت إلى تغييرات كبيرة في التركيبة السكانية والاقتصادية للبلاد.
تأسيس شركة جنوب أفريقيا البريطانية
لعبت شركة جنوب أفريقيا البريطانية (BSAC)، التي أسسها سيسيل رودس، دورًا حاسمًا في استعمار زيمبابوي. حصلت الشركة على ميثاق ملكي من الحكومة البريطانية يسمح لها بإدارة الأراضي الواقعة شمال نهر ليمبوبو. استخدمت الشركة هذا الميثاق لتوسيع نفوذها وسلطتها في المنطقة، واستغلال مواردها الطبيعية، وفرض قوانينها وأنظمتها على السكان الأصليين.
قامت الشركة بتشجيع الهجرة الجماعية للمستوطنين البيض إلى روديسيا الجنوبية، ومنحتهم الأراضي والحقوق الاقتصادية. أدى ذلك إلى تهميش السكان الأصليين وحرمانهم من فرص التنمية والتقدم. كما قامت الشركة بإنشاء نظام عمل قسري، حيث أُجبر السكان الأصليون على العمل في مناجم الذهب والمزارع المملوكة للمستوطنين البيض.
تأثيرات اقتصادية واجتماعية
كان للتوسع الاستعماري تأثيرات عميقة على الاقتصاد والمجتمع في زيمبابوي. أدى استغلال الموارد الطبيعية، مثل الذهب والماس، إلى إثراء المستوطنين البيض والشركات الاستعمارية، بينما بقي السكان الأصليون في حالة من الفقر والتهميش. تم تدمير الزراعة التقليدية واستبدالها بنظام زراعي تجاري يخدم مصالح المستوطنين البيض.
كما تم إدخال نظام تعليمي استعماري يهدف إلى ترويج الثقافة والقيم البريطانية، وتهميش الثقافات واللغات الأصلية. تم إنشاء نظام فصل عنصري (الأبارتايد) يمنح المستوطنين البيض حقوقًا وامتيازات لا يتمتع بها السكان الأصليون.
المقاومة الأصلية
لم يستسلم السكان الأصليون بسهولة للاحتلال الاستعماري. قاوموا بكل الوسائل المتاحة لهم، بما في ذلك المقاومة المسلحة والعصيان المدني والاحتجاجات السلمية. لعب الزعماء الدينيون دورًا مهمًا في تنظيم المقاومة وتعبئة السكان.
كانت حرب ماتابيلي الأولى مثالًا على المقاومة المسلحة، ولكنها لم تكن الوحيدة. اندلعت العديد من الانتفاضات والتمردات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد، ولكنها قُمعت بوحشية من قبل القوات الاستعمارية.
على الرغم من قمع المقاومة، إلا أنها لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية والثقافة الأصلية، وإلهام الأجيال اللاحقة لمواصلة النضال من أجل الحرية والاستقلال.
تطورات أخرى في تسعينيات القرن التاسع عشر
- 1891: تم إنشاء منطقة محمية للألعاب في منطقة وادي زامبيزي.
- 1892: تم افتتاح أول خط سكة حديد في البلاد، يربط بولاوايو ببيرا في موزمبيق.
- 1895: تم تغيير اسم روديسيا إلى روديسيا الجنوبية وروديسيا الشمالية.
- 1896-1897: اندلعت حرب ماتابيلي الثانية وحرب ماشونا الأولى، وهما ثورتان كبيرتان ضد الحكم الاستعماري.
حرب ماتابيلي الثانية (1896-1897)
اندلعت حرب ماتابيلي الثانية بعد ثلاث سنوات فقط من حرب ماتابيلي الأولى، مما يدل على استياء عميق لدى شعب ماتابيلي من الحكم الاستعماري. قاد هذه الحرب زعماء دينيون لعبوا دورًا رئيسيًا في تعبئة السكان وتنظيم المقاومة. كانت الحرب شرسة وطويلة الأمد، ولكن في النهاية تمكن المستوطنون من قمعها بوحشية.
حرب ماشونا الأولى (1896-1897)
في الوقت نفسه تقريبًا، اندلعت حرب ماشونا الأولى، التي شارك فيها شعب ماشونا، وهو أكبر مجموعة عرقية في زيمبابوي. كان الدافع وراء هذه الحرب هو الاستياء من فقدان الأراضي والقمع الاقتصادي والتمييز العنصري. على الرغم من أن الحرب لم تكن ناجحة من الناحية العسكرية، إلا أنها أظهرت تصميم شعب ماشونا على مقاومة الحكم الاستعماري.
نتائج الحروب
كانت لثورتي ماتابيلي وماشونا عواقب وخيمة. قُتل الآلاف من الأفارقة، وتم تدمير العديد من القرى، وتم تعزيز الحكم الاستعماري. ومع ذلك، كانت للحروب أيضًا تأثير عميق على وعي الأفارقة، وساعدت في إلهام حركة الاستقلال في وقت لاحق.
خاتمة
كانت تسعينيات القرن التاسع عشر فترة حاسمة في تاريخ زيمبابوي. شهدت هذه الفترة بداية التوسع الاستعماري البريطاني، وحروبًا مدمرة، وتغييرات اقتصادية واجتماعية عميقة. على الرغم من المقاومة الشرسة من قبل السكان الأصليين، تمكن المستوطنون من ترسيخ حكمهم وفرض نظام استعماري استمر لعقود.