<![CDATA[
تاريخ الجائزة ونشأتها
تعود جذور جائزة ستريجا إلى دائرة أدبية كانت تجتمع في منزل ماريا بيلونتشي في روما. كانت بيلونتشي شخصية بارزة في المشهد الثقافي الإيطالي، وقد جمعت حولها مجموعة من الكتاب والمثقفين والفنانين. خلال هذه الاجتماعات، نشأت فكرة إنشاء جائزة أدبية مرموقة تهدف إلى دعم الأدب الإيطالي وتعزيزه.
في عام 1947، أُطلقت جائزة ستريجا رسميًا برعاية شركة “ألبرتي” المنتجة للمشروبات الكحولية المعروفة باسم “ستريجا”. لعبت هذه الرعاية دورًا حاسمًا في توفير الدعم المالي والإداري اللازم لتأسيس الجائزة وترسيخ مكانتها في المشهد الأدبي.
آلية الاختيار والتصويت
تتميز جائزة ستريجا بآلية اختيار وتصويت معقدة ومتعددة المراحل، تضمن مشاركة واسعة من النقاد والكتاب والقراء. تبدأ العملية بترشيح مجموعة واسعة من الكتب من قبل “أصدقاء دومينيكا”، وهم مجموعة من المثقفين والكتاب الذين يمثلون قاعدة بيانات واسعة من الآراء والاتجاهات الأدبية. ثم يتم تصفية هذه الترشيحات إلى قائمة مختصرة تضم اثني عشر كتابًا.
بعد ذلك، يتم توزيع هذه الكتب على لجنة تحكيم تضم حوالي 400 شخص، بمن فيهم كتاب ونقاد وصحفيون وقراء عاديون. يقوم أعضاء لجنة التحكيم بقراءة الكتب وتقييمها، ثم يقومون بالتصويت لاختيار الفائز. يتم الإعلان عن الفائز في حفل رسمي يقام في روما في شهر يوليو من كل عام.
معايير التقييم
لا توجد معايير محددة وواضحة للتقييم، ولكن بشكل عام، تركز لجنة التحكيم على الجودة الأدبية للعمل، وأصالته، وقدرته على إثارة التفكير، وتأثيره المحتمل على الأدب الإيطالي. بالإضافة إلى ذلك، تؤخذ في الاعتبار أيضًا قدرة العمل على التواصل مع القراء وجاذبيته للجمهور.
من المهم الإشارة إلى أن جائزة ستريجا غالبًا ما تثير جدلاً ونقاشًا حادًا في الأوساط الأدبية الإيطالية، حيث يرى البعض أن الجائزة تركز بشكل كبير على الأسماء المعروفة والمؤسسات الأدبية الكبيرة، بينما يرى آخرون أنها تلعب دورًا حيويًا في دعم الأدب الإيطالي وتعزيزه.
الفائزون البارزون
على مر السنين، فاز بجائزة ستريجا عدد كبير من الكتاب الإيطاليين البارزين، الذين تركوا بصمة واضحة في الأدب الإيطالي والعالمي. من بين هؤلاء الكتاب:
- تشيزاري بافيزي (Cesare Pavese): فاز بالجائزة عام 1950 عن روايته “La bella estate”.
- ألبرتو مورافيا (Alberto Moravia): فاز بالجائزة عام 1952 عن روايته “Il conformista”.
- جوزيبي تومازي دي لامبيدوزا (Giuseppe Tomasi di Lampedusa): فاز بالجائزة عام 1959 بعد وفاته عن روايته “Il Gattopardo”.
- أومبرتو إكو (Umberto Eco): فاز بالجائزة عام 1981 عن روايته “Il nome della rosa”.
- كلاوديو ماغريس (Claudio Magris): فاز بالجائزة عام 1986 عن روايته “Danubio”.
أهمية الجائزة وتأثيرها
تتمتع جائزة ستريجا بأهمية كبيرة في المشهد الأدبي الإيطالي، فهي لا تقتصر على تكريم الكاتب الفائز فحسب، بل تساهم أيضًا في زيادة مبيعات الكتاب وتعزيز مكانته في السوق. كما أنها تساهم في جذب انتباه القراء والنقاد إلى الأدب الإيطالي، وتشجع على قراءة الأعمال الأدبية وتقييمها.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب جائزة ستريجا دورًا مهمًا في تشكيل الذوق الأدبي العام وفي تحديد الاتجاهات السائدة في الأدب الإيطالي. فالكتب الفائزة بالجائزة غالبًا ما تصبح محط اهتمام كبير وتؤثر على الكتاب الآخرين والقراء على حد سواء.
لا شك أن جائزة ستريجا قد ساهمت بشكل كبير في تطوير الأدب الإيطالي وتعزيزه، وهي لا تزال تلعب دورًا حيويًا في دعم الكتاب والمثقفين وفي تشجيع الحوار والنقاش حول الأدب والثقافة.
الجدل والانتقادات
على الرغم من مكانتها المرموقة، لم تسلم جائزة ستريجا من الجدل والانتقادات. يرى بعض النقاد أن الجائزة تميل إلى تفضيل الكتاب المعروفين والمؤسسات الكبيرة، وتتجاهل الأصوات الجديدة والمستقلة. كما أنهم ينتقدون عملية الاختيار والتصويت، التي يرون أنها تخضع لتأثير العلاقات الشخصية واللوبيات الأدبية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن الجائزة تركز بشكل كبير على الروايات، وتتجاهل الأنواع الأدبية الأخرى مثل الشعر والمسرح والمقالات. ويرون أن هذا التركيز يحد من تنوع الأدب الإيطالي ويعزز هيمنة الرواية.
على الرغم من هذه الانتقادات، لا يمكن إنكار أهمية جائزة ستريجا ودورها في دعم الأدب الإيطالي وتعزيزه. فالجائزة لا تزال تحظى باحترام كبير في الأوساط الأدبية، وتلعب دورًا حيويًا في تشكيل الذوق الأدبي العام وفي تحديد الاتجاهات السائدة في الأدب الإيطالي.
جائزة ستريجا الأوروبية
توسعت جائزة ستريجا لتشمل جائزة ستريجا الأوروبية (Strega European Prize)، والتي تم إنشاؤها في عام 2014. تُمنح هذه الجائزة لكتاب أوروبي تمت ترجمة كتابه إلى اللغة الإيطالية. تهدف جائزة ستريجا الأوروبية إلى تعزيز التبادل الثقافي بين الدول الأوروبية وتشجيع ترجمة الأدب الأوروبي إلى اللغة الإيطالية.
تعتبر جائزة ستريجا الأوروبية إضافة قيمة إلى جائزة ستريجا الأصلية، حيث تساهم في توسيع نطاق الجائزة وتعميق تأثيرها على المشهد الأدبي الأوروبي.
خاتمة
تُعدّ جائزة ستريجا جوهرة في تاج الأدب الإيطالي، حيث تحتفي بالإبداع الروائي وتكرم الكتّاب المتميزين. على الرغم من الجدل الذي يحيط بها أحياناً، تظل الجائزة رمزاً للتميز الأدبي وحافزاً للكتاب الإيطاليين لبذل المزيد من الجهد والإبداع. إن تاريخ جائزة ستريجا هو تاريخ الأدب الإيطالي الحديث، وهي مرآة تعكس تطور المجتمع الإيطالي وثقافته.