خلفية تاريخية
ظهرت نظرية “حب الخزانة” في فترة زمنية كان فيها علم النفس السلوكي في صعوده. ركز السلوكيون على السلوكيات الملحوظة، ورأوا أن التعلم يتم من خلال الارتباطات. في هذا السياق، بدا من المنطقي أن الأطفال يتعلمون ربط مقدمي الرعاية بالرضا الجسدي، مثل الطعام، مما يؤدي إلى نشوء علاقة. كان هذا الرأي يتعارض مع النظريات الأخرى في ذلك الوقت، مثل تلك التي أكدت على أهمية العاطفة والحب في تنمية الطفل.
تأثرت هذه النظرية أيضًا بالظروف الاجتماعية السائدة في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الأم في الغالب على أنها مقدمة الرعاية الأساسية، وكان يُعتقد أن دورها يقتصر على تلبية الاحتياجات الجسدية للطفل. هذه النظرة الضيقة للعلاقة بين الأم والطفل ساهمت في انتشار فكرة “حب الخزانة”.
أصول النظرية
استندت نظرية “حب الخزانة” إلى مبادئ التحليل النفسي المبكر، وتحديدًا إلى أفكار سيغموند فرويد حول أهمية الدوافع الجنسية والغريزية في تحديد السلوك البشري. اعتقد فرويد أن الأطفال مدفوعون في الأساس بالرغبة في إشباع غرائزهم، وأن العلاقات مع الآخرين تتشكل استجابة لهذه الغرائز. وفي هذا السياق، اعتبرت الأم في المقام الأول مصدرًا للإشباع الجسدي، مثل الرضاعة.
ساهمت أعمال آنا فرويد وميلاني كلاين أيضًا في تطوير هذه النظرية. ركزت آنا فرويد على أهمية العلاقة بين الأم والطفل في المراحل المبكرة من التطور النفسي. بينما ركزت ميلاني كلاين على دور الخيال والتمثيل في تشكيل تجارب الرضع، والتي يمكن أن تؤثر على كيفية إدراكهم للعلاقات المبكرة. على الرغم من اختلاف وجهات نظرهن التفصيلية، إلا أن كلتاهما شاركت في وجهة النظر القائلة بأن العلاقة مع الأم تقوم في المقام الأول على تلبية الاحتياجات الجسدية.
مبادئ نظرية حب الخزانة
تقوم نظرية “حب الخزانة” على عدة مبادئ أساسية:
- التعلق القائم على المكافأة: يفترض أن الأطفال يرتبطون بمقدمي الرعاية لأنهم يوفرون المكافآت الجسدية، مثل الطعام والراحة.
- السلوك المتعلم: تعتبر نظرية “حب الخزانة” التعلق سلوكًا متعلمًا. يتعلم الأطفال ربط مقدمي الرعاية بالرضا، مما يؤدي إلى تطوير علاقة.
- التركيز على الاحتياجات الجسدية: تؤكد النظرية على أهمية الاحتياجات الجسدية في تطوير التعلق. تُعتبر الاحتياجات العاطفية الثانوية.
- دور الأم كمقدمة للرعاية: ترى النظرية أن دور الأم يقتصر على تلبية الاحتياجات الجسدية للطفل، وليس بالضرورة توفير الدعم العاطفي.
نقد نظرية حب الخزانة
واجهت نظرية “حب الخزانة” انتقادات واسعة النطاق، خاصة مع ظهور نظرية التعلق الحديثة. قدمت الدراسات التجريبية أدلة على أن الأطفال يبحثون عن الراحة والأمان من مقدمي الرعاية، وليس فقط الطعام. أظهرت هذه الدراسات أن الأطفال يفضلون مقدمي الرعاية الذين يوفرون لهم الرعاية العاطفية، حتى لو لم يكونوا هم من يطعمونهم.
تشمل الانتقادات الرئيسية لنظرية “حب الخزانة”:
- التبسيط المفرط: إنها تبسط بشكل مفرط العلاقة المعقدة بين الأم والطفل، وتتجاهل أهمية العواطف والدعم العاطفي.
- التجاهل للعلاقات المبكرة: تتجاهل أهمية التجارب المبكرة في تشكيل العلاقات المستقبلية.
- التركيز على الطعام فقط: تركز بشكل حصري على الطعام كمصدر للتعلق، وتتجاهل عوامل أخرى مثل اللمس، والحنان، واللعب.
- التمييز ضد الأمهات: تضع ضغطًا على الأمهات لتقديم الطعام، وتتجاهل أهمية الرعاية العاطفية.
نظرية التعلق الحديثة
ظهرت نظرية التعلق الحديثة، التي طورها جون بولبي وماري أينسورث، كرد فعل على نظرية “حب الخزانة”. أكدت نظرية التعلق الحديثة على أهمية العلاقة العاطفية بين الطفل ومقدم الرعاية. اعتقد بولبي أن الأطفال لديهم حاجة فطرية للارتباط بمقدمي الرعاية، وأن هذه العلاقة توفر لهم الأمن والحماية.
اقترحت أينسورث أربعة أنماط رئيسية للتعلق: الآمن، القلق المتجنب، القلق المتشبث، وغير المنظم. تعتمد هذه الأنماط على سلوكيات الأطفال في مواقف غريبة، مثل عندما يُترك الطفل مع شخص غريب أو عندما يتركهم مقدم الرعاية. أوضحت أبحاث أينسورث أن أنماط التعلق تتأثر بجودة الرعاية التي يتلقاها الطفل من مقدم الرعاية.
أثبتت نظرية التعلق الحديثة أنها أكثر شمولاً ودقة في تفسير العلاقة بين الأم والطفل. أدركت أهمية العواطف، والدعم العاطفي، والتجارب المبكرة في تشكيل العلاقات المستقبلية. أصبحت نظرية التعلق الحديثة الأساس لفهمنا الحديث لعلم النفس التنموي.
تأثير نظرية حب الخزانة
على الرغم من انتقاداتها، تركت نظرية “حب الخزانة” بصمة على علم النفس. ساهمت في تسليط الضوء على أهمية العلاقات المبكرة في التطور. كما أنها حفزت الباحثين على استكشاف العوامل التي تؤثر على تكوين هذه العلاقات. على الرغم من أن النظرية قد عفا عليها الزمن إلى حد كبير، إلا أنها لا تزال تستخدم في بعض السياقات التاريخية أو في النقاشات حول تطور علم النفس.
أثرت نظرية “حب الخزانة” أيضًا على كيفية تعامل الآباء مع أطفالهم. في حين أن النظرية غالبًا ما تُنتقد الآن، إلا أنها ساهمت في إبراز أهمية تلبية الاحتياجات الأساسية للأطفال، مثل الطعام والراحة. على الرغم من أننا نعلم الآن أن العاطفة والدعم العاطفي ضروريان بنفس القدر، إلا أن التأكيد على تلبية الاحتياجات الجسدية كان له تأثير إيجابي في بعض الحالات.
تطبيقات نظرية التعلق في العصر الحديث
في العصر الحديث، تظل نظرية التعلق، التي حلت محل نظرية “حب الخزانة”، ذات صلة كبيرة. يتم تطبيق مبادئها في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك:
- العلاج النفسي: تساعد نظرية التعلق المعالجين على فهم كيفية تأثير تجارب الطفولة المبكرة على العلاقات في مرحلة البلوغ.
- التعليم: تساعد المعلمين على فهم كيفية دعم الطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلق.
- رعاية الأطفال: تساعد مقدمي الرعاية على توفير بيئة آمنة وداعمة للأطفال.
- البحث: لا يزال الباحثون يستكشفون جوانب مختلفة من نظرية التعلق، بما في ذلك تأثير الصدمات على التعلق.
خاتمة
في الختام، كانت نظرية “حب الخزانة” محاولة أولية لشرح العلاقة بين الأم والطفل. على الرغم من أنها أصبحت الآن عتيقة الطراز إلى حد كبير، إلا أنها كانت بمثابة نقطة انطلاق لتطوير نظرية التعلق الحديثة. أظهرت الأبحاث الحديثة أن التعلق هو أكثر من مجرد تلبية الاحتياجات الجسدية. يتضمن التعلق علاقات عاطفية معقدة تتشكل في السنوات الأولى من الحياة. أدركت نظرية التعلق الحديثة أهمية العواطف والدعم العاطفي والأمن في تنمية الطفل. لا تزال نظرية التعلق الحديثة تؤثر في مجالات مختلفة من علم النفس والتعليم ورعاية الأطفال، مما يساعدنا على فهم كيفية تأثير العلاقات المبكرة على حياتنا.