مقدمة
أندريه فاسيلييفيتش بولشوي، الملقب بـ “غوراي” (بالروسية: Горяй) (14 أغسطس 1446 – 6 نوفمبر 1493)، كان الابن الثالث لفاسيلي الثاني أمير موسكو. لعب أندريه دورًا بارزًا في السياسة الروسية في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، وتحديدًا خلال فترة حكم شقيقه الأكبر، إيفان الثالث. تميزت حياته بالتحالفات المتغيرة والتمردات الطموحة، مما جعله شخصية محورية في تشكيل الدولة الروسية الموحدة.
نشأته وحياته المبكرة
ولد أندريه بولشوي في فترة مضطربة من التاريخ الروسي، حيث كانت إمارة موسكو تكافح من أجل التغلب على تبعيتها للقبيلة الذهبية وتوحيد الأراضي الروسية المتناثرة. كان والده، فاسيلي الثاني، أميرًا قويًا ولكنه واجه معارضة داخلية وخارجية كبيرة. نشأ أندريه في هذا الجو المضطرب، مما ساهم في تشكيل شخصيته الطموحة والمتمردة.
لم تتوفر معلومات تفصيلية عن حياة أندريه المبكرة، لكن من المؤكد أنه تلقى تعليمًا جيدًا وتدريبًا عسكريًا مناسبًا لأمير في عصره. من المرجح أنه شارك في الحملات العسكرية التي قادها والده وإخوته، واكتسب خبرة قيمة في الشؤون العسكرية والسياسية.
الخلاف مع إيفان الثالث
بعد وفاة فاسيلي الثاني في عام 1462، خلفه ابنه الأكبر، إيفان الثالث، على عرش إمارة موسكو. سرعان ما برزت خلافات بين إيفان وإخوته، بمن فيهم أندريه، حول تقسيم السلطة والميراث. كان أندريه يطمح إلى الحصول على حصة أكبر من السلطة والنفوذ، ورأى في سياسات إيفان مركزية السلطة تهديدًا لمكانته.
تفاقمت الخلافات بين الإخوة في عام 1471، عندما رفض أندريه الاعتراف بسلطة إيفان المطلقة وامتنع عن المشاركة في حملة عسكرية ضد جمهورية نوفغورود. أثار هذا العصيان غضب إيفان، الذي اعتبره تحديًا مباشرًا لسلطته. ومع ذلك، لم يتخذ إيفان إجراءات فورية ضد أندريه، ربما بسبب الوضع السياسي والعسكري الحساس في ذلك الوقت.
التمرد والتحالفات المتغيرة
في عام 1480، اندلع تمرد مفتوح بقيادة أندريه ضد حكم إيفان الثالث. استغل أندريه التوترات القائمة بين موسكو وليتوانيا، وتحالف مع كازيمير الرابع ملك بولندا وليتوانيا ضد شقيقه. كان الهدف من هذا التحالف هو إضعاف سلطة إيفان وتقويض جهوده لتوحيد الأراضي الروسية.
أثار تمرد أندريه قلقًا كبيرًا في موسكو، حيث هدد بتقسيم الإمارة وتقويض سلطة إيفان. ومع ذلك، تمكن إيفان من حشد الدعم من النبلاء ورجال الدين، وقام بتشكيل جيش قوي لمواجهة التمرد.
تميزت الحرب بين الإخوة بالعديد من المناوشات والمعارك الصغيرة، لكنها لم تصل إلى مواجهة حاسمة. كان أندريه يعتمد على الدعم العسكري والمالي من حليفه كازيمير، لكن هذا الدعم كان محدودًا بسبب المشاكل الداخلية التي واجهها كازيمير في مملكته.
في نهاية المطاف، لم يتمكن أندريه من تحقيق أهدافه. لم يتمكن من الحصول على دعم كافٍ من النبلاء الروس، ولم يتمكن كازيمير من تقديم المساعدة الكافية. في عام 1481، اضطر أندريه إلى الاستسلام لإيفان، الذي عفا عنه وأعاده إلى منصبه السابق.
السجن والوفاة
على الرغم من العفو الذي منحه إياه إيفان، لم ينس أندريه طموحاته المتمردة. في عام 1491، اتُهم أندريه بالتآمر ضد إيفان مرة أخرى، وتم القبض عليه وسجنه. لم يتم الكشف عن تفاصيل المؤامرة المزعومة، لكن من الواضح أن إيفان لم يعد يثق في أخيه.
توفي أندريه في السجن في عام 1493، في ظروف غامضة. يعتقد البعض أنه مات بسبب المرض، بينما يشتبه آخرون في أنه تم تسميمه بأمر من إيفان. بغض النظر عن سبب الوفاة، فقد أنهت وفاته فصلًا مضطربًا في التاريخ الروسي.
إرث أندريه بولشوي
يُنظر إلى أندريه بولشوي بشكل عام على أنه شخصية مثيرة للجدل في التاريخ الروسي. يعتبره البعض متمردًا طموحًا سعى إلى تقويض سلطة إيفان الثالث وتقسيم الأراضي الروسية. بينما يرى فيه آخرون مدافعًا عن حقوق الأمراء الإقليميين الذين عارضوا سياسات إيفان المركزية.
بغض النظر عن التفسير، لا يمكن إنكار أن أندريه لعب دورًا مهمًا في تشكيل الدولة الروسية الموحدة. ساهم تمرده في الكشف عن نقاط الضعف في نظام الحكم في موسكو، وأجبر إيفان على اتخاذ إجراءات لتعزيز سلطته وقمع المعارضة.
كما أن تحالف أندريه مع ليتوانيا سلط الضوء على التهديد الخارجي الذي تواجهه موسكو من جيرانها الغربيين. دفع هذا إيفان إلى تعزيز دفاعات الإمارة وتشكيل تحالفات مع قوى أخرى لمواجهة التهديد الليتواني.
خاتمة
كان أندريه فاسيلييفيتش بولشوي شخصية محورية في تاريخ روسيا خلال القرن الخامس عشر. تميزت حياته بالصراع على السلطة مع شقيقه إيفان الثالث، والتحالفات المتغيرة، والتمردات الطموحة. على الرغم من أنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه، إلا أنه ترك بصمة واضحة على التاريخ الروسي، وساهم في تشكيل الدولة الروسية الموحدة.